الفيلسوف الألماني بيتر سلوتردايك ينفخ الحياة في اللون الرمادي

الفيلسوف الألماني بيتر سلوتردايك ينفخ الحياة في اللون الرمادي

باريس- المعطي قبال 

   إلى جانب مايكل هانرك، جيرهارد هاينشمان، أكسيل هونيت، يورغن هابيرماس الخ… يعتبر الفيلسوف بيتر سلوتردايك أحد الفلاسفة الألمان الذين أبقوا، بفضل عملهم الـتأملي والنقدي، على الفلسفة الألمانية كمرجع فكري ثابت وعالمي يعود له المفكرون، الباحثون والدارسون. ومرجعية فلاسفة أمثال هيغل، كانط، شوبنهاور، نيتشه الخ… لم يؤثر فيها عامل الزمن، بل بقي هؤلاء الفلاسفة أسياد الفكر الفلسفي العالمي بامتياز.

   يشمل التجوال الفلسفي لبيتر سلوتردايك رحابا ومجالات لا زالت مماشي ودروبا فلسفية-أدبية أساسية مثل فلسفة نيتشه، أدب كافكا وسيوران، شعر ريلكه الخ… وتتوزع أفكاره وتأملاته على أزيد من 20 كتابا يضاف إليها 13 كتابا بالألمانية لم ينشر بعد.

   بيتر سلوتردايك من مواليد السادس والعشرين من عام 1947 ببلدة كارلسروه. عمل أستاذا للفلسفة وعلم الجماليات بالهوسكول بنفس المدينة. كما درس بأكاديمية الفنون الجميلة بمدينة فيينا بالنمسا. تابع ما بين 1968 إلى 1974 دروس الفلسفة، التاريخ والأدب الألماني بجامعة ميونيخ. قدم سنة 1975 أطروحة في موضوع الفلسفة وتاريخ السيرة الذاتية بجامعة هامبورغ. بعدها تفرغ بشكل أساسي للكتابة. أصدر عام 1983 أول دراسة فلسفية في عنوان «نقد العقل الكلبي» ليحقق الكتاب أعلى المبيعات لكتاب فلسفي مكتوب بالألمانية. وقد ترجم الكتاب إلى 32 لغة عالمية فيما اعتبره هابيرماس أكبر حدث ثقافي منذ 1945. من تم داعت شهرته وتألقاته في الحقل الفلسفي، خصوصا بعد صدور ثلاثيته في عنوان «مناخات».

   في شهر سبتمبر 1999 نشر الفيلسوف رسالة في عنوان «قواعد من أجل الحديقة الإنسانية»، ردا على رسالة في الإنسية لهيدغر. صدرت هذه الرسالة في أسبوعية «دي تسايت» لتثير ضجة صاخبة. اقترح الفيلسوف تأملا في الإنسية وعلوم الجينات والمشاكل التي تطرحها بسبب ما أسماه «تدجين الكائن البشري». في الرسالة جاء استعمال كلمة اختيار أو انتقاء لمرتين وهذه الكلمة لها حمولة سياسية ثقيلة بألمانيا بالنظر إلى مرجعيتها النازية. وعرف السجال تداعيات مماثلة في فرنسا لكن سلوتردايك وجد المؤازرة من لدن فلاسفة ومفكرين من أمثال أوليفييه مانوني (مترجم سلوتردايك)، برينو لاتور، جان بودريار، ريجيس دوبريه ، إيريك آلياز.

   عام 2005 تقلد بمدينة ستراسبورغ كرسي إيمانويل ليفيناس. في السنة التالية وبما أنه كان يمارس ركوب الدراجات الهوائية، قام بجولة بفرنسا قطع خلالها آلاف الكيلومترات. الشيئ الذي مكنه من التفكير على طريقة رولان بارث في «ميثولوجيات» تعاطي المنشطات و«ثيولوجية»، لاهوت، ركوب الدراجات. يزاوج بيتر سلوتردايك في تأملاته بين الميتافيزيقا والنظرية السياسية، كما وسع من مجال دراسته ليشمل حقول الفنون، الأدب، والأديان. لا يكتفي بدق ناقوس انهيار الحضارات بل يقدم حلولا لمعالجة هذا الوباء. فالأزمنة الحديثة في نظره ما هي إلا تعبير عن زمن البشاعة الذي هو من ابتكار البشر، مثلما يؤكد على ذلك في كتابه «ساعة الجريمة وزمن العمل الفني». (منشورات كالمان ليفي).

   تيمة أخرى تتكرر في عمله وهي تيمة الغضب. هناك الغضب الإلهي، الغضب الطبيعي والغضب بصفته زمنا سياسيا وهذا الغضب هو الذي نال اهتمام كل من نيتشه وهيدغر. في هذا السياق اصدر كتابه الناري «جنون الله» انتقد فيه ديانات التوحيد الثلاث التي تتميز بانعدام التسامح. كما دعا إلى أخلاق حضارية يكون محركها الرئيسي هو الفن. بدءا من قصيدة لريلكه، يجعلنا الفيلسوف نتأمل في إمكانية انبثاق سلطة لا تخضعنا لأي استغلال، سلطة خالية من أي تبجح. الفن هو الحياة. تعتبر هذه القولة مسلمة يقوم عليها النظام الفلسفي لبيتر سلوتردايك.

   في كتابه الصادر هذا الأسبوع، في عنوان «اللون الرمادي» عن منشورات بايو. وضع في مستهل الكتاب القولة التالية للرسام سيزان: «لا يعتبر الرسام رساما مادام لم يرسم اللون الرمادي». في ذات السياق اشار بيتر سلوتردايك بأن «الفيلسوف ليس بفيلسوف مادام لم يفكر في اللون الرمادي». هذا اللون الذي يرمز إلى ما هو محايد، إلى اللامبالاة، وإلى الفتور يحتوي ويتضمن في الواقع على تاريخ الفكر، الفن وتاريخ العالم. دفع هذا النص بالفيلسوف إلى التفكير في الألوان في مجال السياسة، الفلسفة والفنون وأيضا في مجال الدين بل وحتى في الطبيعة.

   في المجال الفني تركزت تحاليله على لوحات غيرهارد ريشتر، صفحات من جحيم دانتي، على كتاب «المعرفة المرحة» لنيتشه، على الوصف الذي يقدم عن ألمانيا الشرقية بصفتها «جنة اللون الرمادي»، عن تحليل اللون الرمادي في الأيديولوجيا الفاشية الخ… لدى صدور الكتاب في ألمانيا أثار ضجة إعلامية . وكالعادة في تحاليل سلوتردايك نجد دقة التحليل وبراعة الفكر. لذا فالنص كإضاءة للون الرمادي يرمز لرمادية الموت والفناء لكن تبقى بداخله نار متقدة هي الحياة.

شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *