البيان والتبيين في زمن الصمت والصامتين

البيان والتبيين في زمن الصمت والصامتين
 
د. عبد الكريم برشيد
 
كلمات أولية للتوضيح والتصحيح
   ويسألني سائل من الناس، عادته في الحياة هو أن يسأل الناس عن كل شيء، يسأل فقط، من غير أن يفعل أي شيء :لقد سألني ما معنى أن تعود هذه الاحتفالية المتجددة ببيانات جديدة؟ ولماذا في هذا اليوم تحديدا؟
وأقول له: معناه يا سيدي أن الاحتفالي فيها، وهو الفاعل في حياته وحياة أيامه، وهو الشاهد الأمين على عصره، ملتزم أمام الحقيقة التاريخ، بأن يشهد بالحق، وأن يقول كلمة الحق، وأن يكتب كلمة الحق، وأن يشير بقلمه وبأصبعه إلى المتغيرات وإلى التحولات وإلى المنعطفات وإلى المستجدات وإلى المستحدثات التي يمكن أن تحدث، وأن يشير أيضا إلى تلك الانقلابات النفسية والذهنية والفكرية، الظاهرة والخفية، والتي يمكن أن تراها بعض العيون فقط، ولكن لا تراها كل العيون.
   وهذا الاحتفالي الشاهد، وعبر كل مسيرته ومساره، ماذا يمكن أن يكون، سوى أنه كاتب عمومي، وأنه حكواتي شعبي، وأنه ساعي بريد في نفس الآن، وهو بهذا ملتزم أخلاقيا بأن يحرر السائل الجديدة في الأزمان الجديدة، وأن يوصلها لكل من يهمه الأمر، ولأنه أصلا كاتب متكلم، فإن مهمته التاريخية هي أن يكتب البيانات، بعد التفكير فيهـا، وأن يقول كلمته فيها، وأن يبسك رأيه، وأن يحدد موقفه مما قد يحدث ويقع، وأن يكون واضحا وفاضحا وصريحا وجريئا في الحق، وأن لا يكتم الشهادة، مهما بلغت قوة وسلطة جيوب تلك المقومة المعكوسة، والتي هي جيوب مقاومة الحق والحقيقة، ومقاومة الجمال والكمال، ومقاومة العقل والعقلانية.
   هذه كلمة افتتاحية، بحجم فقرة صغيرة جدا، أضعها في مقدمة هذا النفس الجديد من هذه الكتابة الجديدة، لأنها، وببساطة شديدة، لابد منها.
   من قبل هذا اليوم، وقبل هذا العام، أصدرت الاحتفالية بيانات متعددة، وذلك في تواريخ مختلفة، وفي مناسبات مسرحية كثيرة، وانطلاقا من دول ومن مدن مغربية وعربية كثيرة، ولعل أهم ما يجمع بين كل هذه البيانات هو أن الاحتفالية فيها تحمل نعتا واحدا لا يتغير، والذي هو الاحتفالية المتجددة، ومنذ البيان الأول لجماعة المسرح الاحتفالي، والذي صدر بمدينة مراكش سنة 1979 تمت الإشارة إلى أن ما يهم المبدع الاحتفالي، وما يسعى إليه مسرحه الاحتفالي دائما، ليس هو الجديد في حد ذاته، لأن المسرح المغربي ـ العربي كله جديد، وأن قديمه الحقيقي هو ما سوف يكون، وهو ما سوف يأتي به فعل التأسيس، وللاحتفالية وجود إبداعي جمالي، تجسده وتشخصه النصوص والعروض المسرحية، ملا أيضا معادلها الفكري والفلسفي الذي تمثله البيانات التنظيرية.
   وما يهم الاحتفالي، في حياته وفي حياة أفكاره، هو أن يحيا حياة صادقة، وأن يسير في الزمن السائر، وأن يتجدد مع الحالات المتجددة، وأن يكون له في كل مقام جديد تفكير جديد ومقال جديد وإبداع جديد وبيان جديد، وهذا ما تعكسه هذه البيانات الاحتفالية بصدق، وتعكسه العروض المسرحية، والتي تشهد على نفس هذا الواقع التاريخي بلغة أخرى، مختلفة عن لغة البيانات ولمنها ليست مخالفة لها، خصوصا في روحها وفي رؤيتها وفي قيمها الفكرية والجمالية الثابتة.
   وهذا الاحتفالي، في حياته وحيويته، لا يسابق أحدا من الناس، ولكنه بالتأكيد يسابق الساعة، وهو يسعى دائما من أجل أن يحيا أكثر من عمره، وأن يفعل أكثر مما يقدر عليه، وأن يحيا الحياة الكبيرة والخطيرة في الأزمان الصغيرة والقصيرة، وأن يبدع الإبداعات الصادقة في الساعات السريعة والطائرة والماكرة.
 
الصمت الذي يسبق الكتابة المتكلمة
   وبعد فترة صمت، طالت قليلا بفعل الجائحة، جاء اليوم وقت الكلام، وجاء وقت الكتابة، وجاء وقت التلاقي، وجاء وت الخروج إلى الناس، وجاء وقت البيان والتبيين من جديد، وبعد فعل ذلك التفكير، يأتي اليوم فعل التعبير، ويأتي زمن البوح الصادق، وتجدر الإشارة إلى أن ذلك (الصمت) لم يكن صمتا، ولم يكن في حقيقته إضرابا عن الكلام المباح، تماما كما أنه لم يكن استراحة بيولوجية في أجندة المحارب الاحتفالي، والذي يجد راحته أكثر في البحث عن الفكرة الجميلة، وفي اقتسامها مع كل الناس، ولكنه كان فترة طويلة نسبيا، للتأمل الفكري، ولمساءلة الذات، ولإعادة قراءة الوجود والموجودات، ولإعادة ترتيب كثير من الأفكار الاحتفالية المستجدة.
   هذا اللاصمت، لم يفهم فهما صحيحا وسليما، ولقد تمت قراءته قراءة خاطئة وغير بريئة في كثير من الحالات، ولقد فهم البعض أن زمن البيانات قد انتهى، وأن هذه الاحتفالية قد قالت كل ما لديها من كلام، وأنها قد انسحبت إلى الخلف، أو اختفت في لجة الصمت المطلق أو في خواء الظلام التام، ولقد نسي الجميع أن الاحتفالية هي بنت الاحتفال، وأن لكل زمن احتفاله الخاص، وأن لكل مناسبة عيدها الخاص، وأن الأساس في هذا الفعل الوجودي هو أنه روح من الأرواح، روح التاريخ الحي بكل تأكيد، وروح المجتمعات الحية، وأن روح هذا الاحتفال يكمن أساسا في فعل الحضور، ويحضر في فعل التلاقي الإنساني، ويحضر في فعل التعييد الاحتفالي، ويكمن في الجدة والتجديد، ويكمن في التفكير المستقل وفي التعبير الحر، ولولا حرية هذه البيانات الاحتفالية، فكريا وجماليا وأخلاقيا، فهل كان من الممكن أن تكون فعلا جديدا ومتجددا على امتداد التاريخ؟
   وفي هذه البيانات الجديدة تواصل الاحتفالية فعل السير إلى الأمام وإلى لأعلى وإلى الأبعد، وذلك دائما في نفس الطريق، وبنفس القناعات الفكرية، وذلك بحثا عن تحقيق نفس أهدافها القديمة ـ الجديدة، والتي هي..
(إنسانية الإنسان وحيوية الحياة ومدنية المدينة)
وهي أيضا (التعبير الحر لإنسان الحر في المجتمع الحر)
وهي معرفة الذات الفردية والجماعية في حدودها الثلاثة، والتي هي ( نحن ـ الآن ـ هنا)
وهي الوصول إلى المدينة الاحتفالية الحقيقية، أي إلى حيث الناس هم عمدة وأساس وجوهر هذه المدينة، وليس أحجارها وليس متاعها وليس سلعها.
وهي أيضا، تأسيس المؤسسات الاجتماعية والسياسية والفكرية والتربوية والجمالية والأخلاقية الجديدة، وذلك إلى جانب إيجاد العلاقات الإنسانية الحقيقية، وذلك في المجتمعات الإنسانية الحقيقية، وفي الحقب التاريخية الحقيقية.
وهي إعطاء المواطنة معناها الحقيقي، وذلك في فضاء الأوطان المدنية الحقيقية، بعيدا عن الغربة والتغريب وبعيدا عن النفي والمنفى وبعيدا عن السجن والسجان.
وهي كذلك الاعتماد على العقل والعقلانية، في التفكير والتعبير والتدبير، وفي كل مظاهر وظواهر الحياة اليومية
وهذه الحياة، كيف يمكن أن نعرفها في كنهها الحقيقي؟ هل يكفي أن نقول هي حركة وحركية، وهي طاقة محركة، وأنها أيضا محرك خفي في الأماكن الخفية؟
   وفي المقابل، فإن ذلك الذي نسميه الموت، هو بالتأكيد سكون وثبات وجمود وركود، وهو غياب كلي للفعل والفاعلية، وفي كلمة واحدة يمكن أن نقول بأن هذه الحياة، الآن ـ هنا، هي احتفال عيدي مفتوح على كل الممكنات والاحتمالات، وأن ذلك الموت هناك، هو مأتم جنائزي، به طقوس مأتمية وليس به أعياد احتفالية، ثم إن هذه الحياة، حياتنا نحن الأحياء، ماذا يمكن أن تكون سوى أنها موعد في كراسة الأيام والليالي، وأنها الحضور الفعلي، في المكان المحدد وفي الزمن المحدد، وليس خارجهما ولا على هامشهما، أي في التوقيت الوجودي والتاريخي، ليس قبله ولا بعده، وإن كل من يضيع منه الحضور، في الموعد الاحتفالي المحدد، فإنه لابد أن تضيع منه حياته الحقيقية، من حيث يدري أو لا يدري، ويخسر عمره، كله أو بعضه، وذلك (الشيء) الغامض الذي نسميه الموت، ماذا يمكن أن يكون سوى أنه الغياب، أو أنه فعل تغييب الأجساد والأرواح وتغييب الفعل والفاعلية، وتغييب الإحساس بالذات وبالآخرين وباللحظة العيدية الهاربة؟
   إن الماء الساكن والراكد في البرك الراكدة هو ماء ميت، أو هو ماء شبه ميت، وفي المقابل، فإن المياه الجارية، في السوقي الجارية، هي بالتأكيد مياه حية، لأنها مياه تمشي حيث تشاء بكل حرية، ولا حياة حقيقية، إلا مع الحيوية ومع الحرية.
ويبقى بعد كل هذا أن نتساءل، بخصوص هذه الاحتفالية ـ اللغز، ماذا تكون في حقيقتها الغائبة أو المغيبة والخفية؟
جوابا على هذا التساؤل يقول الاحتفالي (هي تفلسف قبل أن تكون فلسفة، وهي تفكير قبل أن تكون فكرا، وهي تنظير قبل أن تكون نظرية، وهي بهذا حركة ومحرك وطاقة محركة، وهي مسيرة ومسار وصيرورة).
   وبالتأكيد فان هذه الاحتفالية ليست سلعة في سوق تجاري، ولو أنها كانت شيئا من الأشياء لأدركها اليوم ما يدرك الأشياء المادية من التقادم والتلف، أو لنفذت من السوق، أو لأصبحت مدة صلاحيتها منتهية، ولكنها أساسا فعل فاعلين أحياء في التاريخ الحي، وهي تفاعل صادق مع مختلف وقائع هذا الواقع، وقبل هذا، فهي حركة في الأجساد المتحركة، وفي العقول والنفوس والأرواح الحية، وعليه، فإنه لا يمكن أن تتوقف أبدا، ما دامت تستمد جدتها وحيويتها منها، ومادامت تتحرك بمحركها الداخلي، ومادامت، بطاقتها الفكرية والوجدانية المتجددة داخلها، قادرة على إدارة عجلة البحث وعجلة الاجتهاد وعجلة التجريب وعجلة التجديد وعجلة التأسيس وإعادة التأسيس، وقادرة أيضا على الإبداع والخلق والابتكار، وقادرة على أن تظل مثيرة ومدهشة ومشاكسة ومشاغبة ومدهشة ومقنعة وممتعة ومستفزة ومحرضة على التفكير.
   أما السؤال الثاني فهو التالي: متى ظهرت هذه الاحتفالية؟
   هذه الاحتفالية ولدت في العاصفة، ونشأت في العاصفة، وقاومت العاصفة من أجل أن تربح وجودها، ومن أجل أن يكون لها موقع قدم في الواقع، وأن تكون لها صفحة في تاريخ المسرح الحديث.
   لقد ظهرت هذه الاحتفالية (في أواسط السبعينات من القرن الماضي، أي يوم أن كان هذا العالم مقسما إلى معسكرين وإلى عالمين، وكانت كل الحقائق مختصرة وختزلة في حقيقتين اثنتين لا ثالث لهما، وقد جااء التيار الاحتفالي ليكون تمردا وجوديا مشروعا، وليكون حركة عصيان مدني، فكري وجمالي ونفسي وأخلاقي).
   وهذه الاحتفالية لا يهمها الوجود في حد ذاته، وهي لم تكن تسعي، في يوم من الأيام، لأن تكون مجرد جسد إضافي ومجرد اسم إضافي في مجتمع الأسماء، وهي في كل أدبياتها ( لا تؤكد على الوجود، ولكنها تسأل أساسا عن الحياة، وإذا كان د. عبد الرحمن بدوي – وهو الفيلسوف الوجودي – يقول (غاية الموجوج أن يجد وجوده داخل الوجود) فإن الاحتفاليين يقولون ‘ غاية الإنسان الحي أن يجد حيويته، وأن يعيها داخل الحياة) والأساسي، بالنسبة للاحتفالي، هو ان يكون أو لا يكون، لكن هو أن يحيا، وأن يعيها، وأن يحسها، وأن يحتفي بها ، وأن يرتقي بها، وأن ينتقل بها من درجة الوحشية إلى درجة الإنسانية، وأن يرتقي بمدينته التي يحيا فيها إلى درجة المدنية، وأن يبحث في الأيام عن سلطان كل الأيام، والذي هو يوم العيد، والذي تعتبره الاحتفالية يوما إضافيا إلى أيام الأسبوع السبعة، وتسميه اليوم الثامن، وفي ذلك الاحتفال العيدي الصادق (يتمثل الإحساس الحق بالحياة، ويتمثل التعبير عن هذا الإحساس أيضا، بكل لغات الجسد الممكنة، وبكل مفرداته المختلفة).
 
بيانات مدينة تحتفي بالمواطن المدني
   ولأن الاحتفالية هي الحياة والحيوية، وهي الجدة والتجدد، فقد أصدرت مع مطلع سنة 2023 ثلاث بيانات مطولة دفعة واحدة، وهذه البيانات لم تصدرها جماعة مسرحية محدودة العدد، بأهداف مرحلية محددة، ولكن أصدرها العقل الاحتفالي، وأصدرها روح الاحتفالية، وأصدرها مسارها الجديد في هذا التاريخ المتجدد، ولعل أهم ما يميز هذه البيانات هو أنها (تحمل اسم مدينة أريد لها أن تكون مدينة المال والأعمال، ونصر نحن الاحتفاليين على أن تكون مدينة الاحتفال والجمال والخيال، والأصل في البيان أنه كتابة حية على أوراق الحياة الحية، وكل فعل في الحياة وفي الواقع وفي التاريخ ما هو إلا كتابة، وليس ضروريا أن تكون هذه الكتابة بالحبر وبالأقلام، وقد تكون بالأجساد وبالأرواح الحية، وتكون بهذا أصدق من الأوراق المسودة، وتكون أبلغ وأكثر بيانا وتبيينا منها، وبهذه فقد كان الاحتفاليون ـ في حقيقتهم ـ مجرد بيانات حية تمشي على الأرض، وهم في حياتهم اليومية يمارسون فعل الكتابة حقا، وهذا ما قد يظهر لكل الناس أو لبعض الناس، وهم في أعماق أنفسهم الخفية يؤمنون بأنهم لا يكتبون، وأن الكتابة الحيوية فقط تنكتب بهم وهم لا يشعرون، أو أنهم فقط يرسمون بأجسادهم وأرواحهم وأقلامهم ما تمليه عليهم الحياة، وأيضا ما يمليه عليهم التاريخ، وما تمليه عليهم الأيام والليالي، وما تمليه عليهم الحقيقة، وما يمليه عليهم الجمال، وبهذا تكون الاحتفالية صوت الحياة، وتكون إبداع الوجود، قبل أن تكون فكر وأدب وفن وإبداع وصناعة الموجودات الإنسانية، والتي اقتضت الصدفة الموضوعية الخية، أن تكن لهذه الموجودات أسماء، وأن نكون نحن أصحاب هذه الأسماء، وأن تظل اللائحة مفتوحة في وجه الأسماء التي قد تأتي غدا، أو في يوم من الأيام وفي عام من الأعوام).
   ولأنها بيانات احتفالية أخرى، أملاها سياق تاريخي آخر، فقد كانت بالضرورة بيانات للفرح المستحق والمشروع، وكانت دعوة للفرح وللتعييد الاحتفالي السعيد، ولأنها جاءت بعد لحظات غامضة من الخوف المرعب، فقد كان ضروريا أن تكون بيانات لزرع الأمن والطمـأنينة في النفوس الخائفة، ولاستعادة الثقة في الأيام واللياي، وللتأكيد على الحضور بدل الغياب، وعلى التلاقي بدل الافتراق، وعلى التقارب بدل التباعد، وعلى الأمل بدل اليأس، ولهذا فقد بيانات كازابلانكا للاحتفالية المتجددة ما يلي:
(ولأن الزمن اليوم هو زمن آخر مختلف، شكلا ومضمونا، فقد اقتضى السياق التاريخي الجديد، بكل محمولاته أن تكون هذه البيانات الجديدة، وأن تكون نسبة الأمل فيها أكبر، وأن تكون نسبة الفرح فيها أكبر، وأن تكون نسبة الإيمان بالاحتفال والعيد فيها أكبر وأخطر، لأن هذه البيانات تأتي بعد سنتين من السجن ومن المنفى ومن الغياب والتغييب ومن ممارسة الحياة مع وقف التنفيذ)بيانات كازابلانكا للاحتفالية المتجددة.
   إن الإنسان الاحتفالي، هو كائن حالم دائما، سواء داخل الساعة أو خارجها، وهو يحلم بالعيد ويحلم بالغائب، ويحمل الممكن والمحتمل الوجود. وقد يحلم بالمحال في احيان كثيرة جدا، وهو الجميل الذي يحلم بالأجمل في الحياة، ويحلم بالأكمل والأصدق من الحالات والمقامات ومنرالصور والنساهدات، وذلك هروبا من الأسوأ في الواقع والوقائع معا، وهو في حلمه هذا يخاطب الساعة، يحركه خوفه ورعبه من قبضة هذه الساعة، ويرافقه احساس مركب من سلطة الساعة ومن زئبقية الساعة ومن مكر الساعة َومن غموض الساعة، ومن جنون هذه الساعة ومن سرعتها المجنونة الطائرة، وذلك عندما تكون هذه الساعة جميلة وشفافة، وتكون بلا وزن، ويكون هذا الكائن الإنساني خائفا من بطء هذه الساعة، 9 هومن ثقلها، وذلك عندَما يجدها مزعجة وخانقة ومخيفة ومرعبة وقاتلة ومصرة.
   يقول الاحتفالي (يا عبد الساعة، ان مملكة الأحلام تقع خارج الساعة، فاحلم حتى تكون اخف وزنت،. تكون أقل حجما وكثافة، ويصعب ان تدركك عقارب الساعة).
   وما ينطبق على هذا الكائن الاحتفالي ينسحب على الاحتفالية أيضا، وبحكم ان هذه الاحتفالية هي (حلم حالمين) فقد كانت دائما (شفافة كالماء والضياء، وكانتىي اسرع من الصوت، وقد نشات وعاشت وعمرت كل هذا الوقت، لأنها حاولت أن تكون بحجم الحقيقة، وليس بحجم الواقع ، وأن تكون في فضاء الزمن، وان تكون ضد الساعة).
Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. عبد الكريم برشيد

كاتب مغربي