افتحوا الأبواب…

افتحوا الأبواب…

أحمد حبشي

    مسرحية “احلوا الباب” إضافة إبداعية في سياق ما أصبح يوظف في العرض المسرحي كإمكانيات سينوغرافيا تسمح بخلق أكثر من فضاء، وتساهم في إعادة صياغة النص وبسط قضياه بإحالات تقنية، وذلك بتوسيع دائرة وقع مختلف المؤثرات الصوتية والايقاعية، كما كرست الحاجة إلى ضرورة توفير كل ما يساعد على تحقيق الفرجة دون الحد من إمكانية ابراز ما يهدف إليه النص المسرحي وغايات منطلقات كاتبه. فالعرض يقدم واقعا معاشا، يبرز كل مقومات الروابط الواقعية التي تجعل الحكي يستقيم والمنطق المجتمعي بكل تجلياته، دون تفاصيل تقود إلى الابتدال.  

    النص المسرحي يتناول لحظة ملتبسة تقف فيها أسرة على واقع يزيد من تأزيم وضعيتها، ويعمق تصدع علاقات أفرادها، يعاتب بعضهم البعض حول ما آلت إليه أحوالهم وتباينت طرق تواصلهم. أربعة إخوة يجدون أنفسهم وجها لوجه أمام انهيار ما كان يجمعهم من أواصر، يحملون بعضهم البعض مسؤولية ما صار مصدر معاناة كل واحد منهم. في فترة تيههم يضيع منهم البيت الذي يأويهم، فيفصح كل واحد منهم عما ساقه إلى هول ما هم فيه. يعتزمون المواجهة والوقوف في وجه من استغل أحوالهم ليسلب منهم ما يحيل على ماضيهم ويجسد عروة روابطهم، فيقررون فتح باب البيت الذي أصبحوا محاصرين فيه. ضحايا لشبهات متعددة استهدفتهم كأشخاص وكأسرة، للحد من فعاليتهم وتوسيع دائرة الفرقة بينهم.

   المعالجة المسرحية لأطوار الحكاية، وتحويلها من مأساة إلى فرجة مثقلة بالسخرية والكشف عمن يستغلون ظروف الآخرين ليعبثوا بأحوالهم، كانت في حاجة إلى إخراج يكسر الرتابة ويذكي الحس النقدي عند المتلقي. قرع الطبول كنقر ناقوس الخطر، اثارة الانتباه ولفت النظر إلى عواقب توسع دائرة اللامبالاة بما يحاك ضد الأشخاص والجماعات من عنف وتظليل، لتحقيق غايات مادية أو سياسية تستنزف كل القدرات والامكانيات المادية والروحية.                                  

    حين يغيب الحوار ويسود الامتثال والانسياق تحت الاجبار، ويفقد المرء كل قدراته على الاحتمال، ينحو لنسف الذات أو يطلق العنان لردة فعل تكسر الطوق وتفتح أفقا للانعتاق. “احلو الباب”، تلك الصرخة الجماعية تسعى لاستعادة القوة الجماعية لاسترجاع المبادرة والحزم لمواصلة النزال في معركة اثبات الذات.

    هي أبواب مغلقة، لا تفتح ليعبر نسيم الحياة وتدب في أوصالها كل معاني العيش الكريم. الحد من استغلال المشترك ونشر الرذيلة أو الاتجار بالبشر.

   في المشهد الأخير يستعيد الإخوة قوة وحدتهم ويستنهضون نخوتهم، في الدفاع عن حقهم في استرجاع ما سلب منهم. يتقدم جميعهم نحو الجمهور ليعلنوا هبتهم نحو الانعتاق.  

   امتاز عرض مسرحية “احلو الباب ” لمسرح تانسيفت، بالأداء الرائع للمثلات والمثلين، وقدرتهم على الانتقال وبسلاسة كبيرة، من حالة نفسية إلى نقيضها، إلى جانب الانسجام الكبير في الأداء، الناتج عن تكوينهم الأكاديمي وتجربتهم في التفاعل الناضج مع اختيارات الإخراج وشروط تعدد المشاهد في أداء أكثر من دور بشخصيات مختلفة ومن مواقع متباينة.                                     

  يختم اللقاء بتقديم اسم المؤلف ولا الطاقم التقني اشرف على إعداد العرض ما عدا المخرج الذي التحق بالممثلين لتحية الجمهور دون أن يعرف الحضور باسمه، وتلك إشارة على أن المسرحية تثير إشكالا الكل يعيش ويتعايش مع بعض تفاصيله. 

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد حبشي

فاعل جمعوي وناشط سياسي