ثقافة الاعتراف: في تكريم الباحث السوسيولوجي محمد مرجان
إسماعيل الراجي
في اطار استمرارية أهم عرف من الأعراف المتعارف عليها في حرم كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل، يواصل تجذير ثقافة الاعتراف عبر تعاقب أجيال الطلبة. فها هم طلبة شعبة علم الاجتماع من خلال نادي الفاعل الترابي لطلبة ماستر سوسيولوجيا المجال وقضايا التنمية الجهوية، يواصلون نهج طلبة الكلية بمختلف شعبها، التي جعلت من ثقافة الاعتراف دربا تسير عليه مؤسساتيا وطلابيا.
إذ قام نادي الفاعل الترابي، يوم 25 ماي 2023، وبتنسيق مع الأستاذ مبارك الطايعي منسق ماستر سوسيولوجيا المجال وقضايا التنمية الجهوية، بإعداد لقاء علمي، تكريما واحتفاء بالسوسيولوجي المغرب البارز الأستاذ: محمد مرجان.
ثمة عند هذا اللقاء، إعطاء شذرات عن الانسان والسوسيولوجي محمد مرجان، المنتمي قلبا وقالبا لجيل المدرسة المغربية التي انتخبت كبار المفكرين المغاربة في العلوم الإنسانية والاجتماعية وغيرها، كالمفكر عبد الله العروي، ومحمد عابد الجابري، وطه عبد الرحمن، وعبد الكبير الخطيبي، ومحمد جسوس، وغيرهم من المفكرين الذين كان الأستاذ مرجان قريب من جيلهم، يحتك معهم، وينهال منهم، ويتقاسم مع بعضهم هم الثقافة والفكر والقضايا السوسيولوجية المغربية والعربية، بل منهم من أخذ المشعل من يده كمحمد جسوس، وهذا له ما يشهد عليه، حيث الأستاذ مرجان، لا تفوته أي مناسبة ولا يستحضر اسم أحد الأعلام الفكر والثقافة والابداع المغربي وعلى رأسهم محمد جسوس .
تميز هذا اللقاء، بحضوره؛ حيث حضره مجموعة من الأساتذة والأطر الإدارية والتربوية من داخل كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية ومن خارجها، وأعضاء من الجمعية المغربية لعلم الاجتماع. لقاء تميز أيضا، بحضور المميز للطلبة من جميع أفواج ماستر سوسيولوجيا المجال وقضايا التنمية الجهوية.
كانت الكلمة الأولى من قبل الأستاذ امبارك الطايعي التي ركز فيها الحديث عن محمد مرجان الانسان؛ الانسان المتفاني في عمله، والمعطاء، والصديق، والمساهم بكل كرم وسخاء في مساق ماستر سوسيولوجيا المجال وقضايا التنمية الجهوية، المساق الأكاديمي الذي كان يدرس فيه الأستاذ محمد مرجان، مادة سوسيولوجيا التحضر، والمدينة والتمدن.
بعد شهادة الأستاذ الطايعي، تعاقبت الكلمات والشهادات من قبل مجموعة من الأساتذة لشعبة علم الاجتماع من داخل الكلية وخارجها والطلبة، إلتقت واجتمعت كل الشهادات؛ على ميزة تفاني الأستاذ محمد مرجان في عمله، وتعاونه الكبير، وتواصله البناء، وميزة حسن استماعه وانصاته الجم للكل على قدرة المساواة. ومن كان أحد طلبة الأستاذ محمد مرجان، يعلم جيدا معنى أن يستمع لك الأستاذ لكل ما تقول، بل وكل ما تحاول أن تقوله حتى تفرغ مما تحاول أن تقوله. ويقوم الأستاذ بكل ما أتي من فصاحة، وبيان ولباقة أن يتقاسم معك رأيه وتصويباته بكل ما يجعلك تقوم احتراما وتقديرا لهذا الأستاذ الكريم الذي يعلمك بأسلوبه قبل كل شيء. أستاذ اجتمع فيه ما تفرق في غيره؛ من أسلوب وثقافة يعترف بها البعيد والقريب.
للأستاذ محمد مرجان بصمة وأثر طيب في تحبيب علم الاجتماع للطلبة، كعلم من العلوم الاجتماعية له اهتمامات بقضايا ومسائل متعددة ومتشعبة تتعلق بالسياسية والاقتصاد والثقافة والعمران… إلخ. حيث هنا يعتمل الأسلوب والبيان والثقافة ودرجة العلم في التخصص. لقد ارتوى بهذا العمق أجيال من طلبة علم الاجتماع، وغيرهم من طلبة الشعب الأخرى داخل كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بابن طفيل، وخارج هذه الكلية بجامعات ومعاهد متعددة، ومن الجدير بالذكر، أولى الأستاذ محمد مرجان مكانة خاصة لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بابن طفيل.
كل من تتلمذ على الأستاذ محمد مرجان في أحد سداسي الاجازة أو التكوينات في المعاهد، يعلم أثر وبصمة هذا الرجل في وقْد شعلة الشغف بعلم الاجتماع والطموح _الطلبة_ لمواصلة في درب هذا التخصص أو في ثقافته. فمن لا يذكر من الطلبة، محاضرات ودروس الأستاذ محمد مرجان في رحاب المدرجات والقاعات-بابن طفيل، التي كانت تصدح بالتشريح السوسيولوجي للظواهر الاجتماعية، وتحليلاها على ضوء المحدد التاريخي والثقافي والمجالي. ويزيد من تخمر المحاضرة، فتح نافدة الأسئلة والنقاشات وتبادل الأجوبة، هذا ما كان يخدم بناء ملكة النقد والتحليل للواقع السوسيولوجي المأزوم من منظور السوسيولوجية القلقة التي حملها الأستاذ مرجان من خلال طبيعة اهتماماته وقراءته وبحوثه في كشف النقاب عن الخطاب السوسيوانثربولوجي الكولونيالية وبالخصوص الكتابات الاسبانية.
لم يكن الأستاذ محمد مرجان خلال مسيرته التدريسية “اقتصاديا” في امداد والاحالة بكل ما يعلم من مراجع ومصادر تتعلق بالفكر السوسيولوجي والانثربولوجي، أو بالقضايا والمسائل المجتمعية العامة والخاصة أو المتعلقة بتاريخ العلم أو بالتراث العربي الاسلامي، بل كان في مسيرته يقدم كل ما أمكن للطلبة من ما يمكن أن يجعلهم مدركون للواقع السوسيولوجي في بعده الوطني والإقليمي والدولي-والكوني، وكل ما يمكنه أن يعزز ويساهم في ارتقاء بمكانة الطالب العلمية، ويؤهله لإمتلاك أليات معرفية تساعد على تفكيك حالة التنمية والتخلف والانكسارات والمطبات التي أل لها المجال والمجتمع في الزمن الراهن، حيث حوصرت القيم، وأطلق العنان لتسليع كل شيء. وكان الأستاذ مرجان لا يتردد في تقديم رأيه حول العديد من القضايا التي تتعلق بالمجتمع المغربي والعربي في زمن الأزمات المتشابكة في المجال العام والخاص.
لقد تخلل هذا اللقاء الاحتفائي والتكريمي بالأستاذ مرجان، الوقوف على بعض أعماله الأخيرة، ومنها أعماله الترجمية؛ حيث قدم الأستاذ مبارك الطايعي قراءة عن “عزلة المحتضرين: قضايا سوسيولوجيا حول الشيخوخة والموت” لنوربير إلياس الذي قام بترجمته الأستاذ مرجان (منشورات الخيام، المضيق، المغرب-2023). ورفع تكريم الأستاذ محمد مرجان بتقديم هدية من قبل هيئة الكلية كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية وطلبة نادي الفاعل الترابي. وعليه ختم اللقاء بحفل شاي تخلله توقيع على ترجمته لنوربيرت إلياس.
وأخيرا، نشير إلى بعض الأعمال التي قام بإصدارها الأستاذ محمد مرجان:
– مسار الانتربولوجيا الاستعمارية بالمغرب (اسبانيا نموذجا)، مؤسسة مقاربات للنشر والصناعات الثقافية، ط1، المغرب (2021).
– الرحلة والمعرفة الكولونيالية: المغرب بعيون الرحالة الإسبان خلال القرن التاسع عشر الميلادي، أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط(2016)
– مقاربة سوسيولوجية لآليات التفسير الاجتماعي بشمال المغرب، منشورات جميعة تطوان أسمير، الرباط، ط1(2004)