فشل الصراع اللبناني على إنتاج رئيس للدولة…

فشل الصراع اللبناني على إنتاج رئيس للدولة…
أحمد مطر 
 
     من المستغرب أن يكون الأشقاء والأصدقاء أكثر اهتماماً بالوضع المتدهور في البلد، ويستعجلون انتخاب رئيس الجمهورية، أكثر من السياسيين اللبنانيين الغارقين في تفاهات خلافاتهم الأنانية، والمعاندين في التهرب من أي حل توافقي من شأنه إنهاء الشغور الرئاسي، وإنقاذ السلطة من واقع العجز والشلل الحالي.
   الإشكال الأساسي يبقى في التجاهل المتعمد من قبل الأطراف السياسية لدعوات التوافق الصادرة عن اللقاء الخماسي، وخاصة ما يردده السفير السعودي في بيروت وليد بخاري حول ضرورة التوصل إلى تفاهمات تفتح أبواب التوافق على الرئيس العتيد، وتجنب الوصول إلى رئيس يشكل تحدياً لفريق لمصلحة فريق آخر. فضلاً عن الرسالة التي حملها وزير الخارجية الإيراني حسين عبد الأمير اللهيان إبان زيارته إلى لبنان والتي أكد فيها على ترحيب طهران بأي شخصية لبنانية يتم إنتخابها لرئاسة الجمهورية بالتوافق بين اللبنانيين. 
   قارب حزب الله وحركة أمل بتوتّر وارتباك تقارب قوى المعارضة وتوافقها على مرشّح لمواجهة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. في شكل مباشر، يبدو الارتباك مفهوماً، خصوصاً أن الاتفاق على تبني شخصية، إذا استمر جدياً، سيحرج الثنائي الشيعي كثيراً، لأن القوى المسيحية تتكاتف ضد مرشحه، بالإضافة إلى البطريرك الماروني بشارة الراعي وقوى مستقلّة، وانفتاح على اللقاء الديمقراطي. والسبب المباشر الآخر وراء هذا التوتر هو ما سمعه حزب الله من الفرنسيين قبل أيام من أنه في حال تم التوافق بين المعارضين لفرنجية على مرشح وتبناه البطريرك وناقشه مع الرئيس ماكرون، بالإضافة إلى توفر دعم دولي لهذا الطرح، فإن باريس لا بد لها أن تتعاطى بجدية مع ذلك. 
   لكن هناك رواية أخرى لكل هذا الارتباك والتوتر تحتاج تفاصيلها أو اكتمال مشهدها إلى العودة بالذاكرة إلى عام 2005. وما يحتاج إليه المشهد للاكتمال هو الإشارة إلى عناصر متعددة فيه: الأوّل قوى 8 آذار، وخصوصاً حزب الله وحركة أمل، الثاني النظام السوري، الثالث المملكة العربية السعودية، الرابع إيران، والخامس فرنسا. طبعاً لا حاجة هنا إلى ذكر الولايات المتحدة الأميركية، فهي الحاضر الأبرز في كل الاستحقاقات على الرغم من إيحاءات الغياب أو الانكفاء أو عدم التدخل.
   في عام 2005 وبعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وقف حزب الله في لبنان على مشارف عزلة سياسية وعربية كبيرة، خصوصاً بعد تنظيم تظاهرة 8 آذار، والرد عليها في تظاهرة 14 وصولاً إلى استقالة الرئيس عمر كرامي من رئاسة الحكومة، والذهاب إلى حكومة تسوية بهدف الإعداد للانتخابات النيابية التي أوجبت فكّ العزلة عن الحزب وبذل محاولة أولى لتحقيق فصل ما بين حزب الله والنظام السوري، خصوصاً أن أصابع الاتهام السياسي في تلك الفترة صوبت نحو دمشق، 
   عليه قدم عام 2005 صورة أساسية، وهي مشهد خروج الجيش السوري من لبنان، فيما تعززت الوضعية السياسية لحزب الله إثر تحالفه مع الخصوم الذين طالبوا النظام بسحب جيشه بناء على تقاطعات إقليمية ودولية. إذاً عزز حزب الله من مكانته وانقلبت الأحوال بين المتحالفين إلى حدود الصراع ووصلت إلى مشارف الخصومة أو العداوة. أخذ الحزب يمكّن نفسه على مدى السنوات التالية، وصولاً إلى أحداث 7 أيار وما جرى بعدها من انقلاب على معادلة السين-سين، وهو ما اعتبر رداً بمفعول رجعي على التحالف العربي ورعاته. نجح الحزب بالإطاحة بـالسين سين من خلال الانقلاب على حكومة سعد الحريري، وكرس مبدأ عدم قدرة أي طرف على تشكيل حكومة بدون موافقته أو رضاه، 
   بدأ بعض ما في هذه الصورة يتغير، ولا سيما بعد الانتخابات النيابية في عام 2022 وتوازنات المجلس النيابي، وأما الأهم فهو سياق التطورات الإقليمية والدولية. ففيما عايش حزب الله نشوة انتصار على صعيد علاقاته الدولية عبر التكامل مع فرنسا ودورها، وصولاً إلى تبنيها لمعادلته الرئاسية، وجد الأمور تنقلب رأساً على عقب.
   ما دفع أيضاً الحزب إلى التوتر هو أنه بعد سنوات على إظهار نفسه قوة إقليمية غيرت المعادلات في المنطقة، أصبح واجباً عليه العودة إلى اللعبة الداخلية، وبات مطالَباً بالعودة والخروج من سوريا، فيما تُبحث الملفّات الأساسية مع طهران أو دمشق. 
   ختاماً ثمة من يعتقد أن حزب الله لن يتخلى عن مرشحه الذي يطمئن إليه على رغم أن خصومه لا ينوون طرح قضية سلاحه فور انتخاب الرئيس الجديد، إلا نتيجة صفقة خارجية تأتي برئيس وسطي. أي أن إيران والحزب معها لن تتخلى عن رهانها الرئاسي في لبنان إلا نتيجة اتفاق بينها وبين أميركا أو مع المملكة العربية السعودية، لأن لذلك أثماناً لا يمكن للقوى المحلية أن تؤمنها. إلا أن العقبة أمام صفقة من هذا النوع أن الجانب الأميركي ليس في وارد دفع أي ثمن يغري طهران به واهتمامه بلبنان تراجع إلى أقصى الحدود، بعدما ضمن ترسيم الحدود البحرية بينه وبين إسرائيل. أمّا السعودية فليس في حساباتها صفقة من هذا النوع في شأن لبنان، لأن أولويتها اختبار جدية الدعم الإيراني للتفاهم على إنهاء الحرب في اليمن، ورسم مسار واضح لمفاعيل التطبيع مع سوريا.
 
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *