لو كان الحيوط يطيحو
أحمد حبشي
كان حفل افتتاح مهرجان الدارالبيضاء للسينما المستقلة، الذي نظم ما بين يوم الجمعة 2 إلى غاية الأربعاء 7 يوينو بالمركب الثقافي محمد زفزاف، في المستوى المطلوب. حضور نوعي واستقبال يعكس حسن الاعداد، بساط أحمر، ثلة من الصحافيين جمهور في كامل أناقته يقارب عدد النساء فيه عدد الرجال.
تميز تنشيط الحفل بسلاسة الالقاء والتلقائية في التفاعل. كما أن الفيلم الذي اختير للافتتاح لم يكن بعيدا عن مستوى الأجواء التي انطلق بها المهرجان، فمخرجه معروف بتمييزه الابداعي وطريقة بسطه للقضايا التي يعالجها واختيار الأمكنة والفضاءات التي تستهويه أجواءها. في كلمته المقتضبة أكد مرة أخرى البساطة التي يتناول بها الأشياء وتفاعله التلقائي مع مختلف الأجواء.
فيلم ” لو كان الحيوط يطيحو” لحكيم بلعباس، هو احتفاء بالأمكنة، نوافذ مفتوحة على قضايا متعددة تتباين شروطها ومأل أحداثها. تعددت المواقع في نفس الفضاء المجتمعي، ما يجمع بينها هو المجال الذي تتوالد فيه أحداثها. قصص بأبعاد إنسانية عميقة، قد نمر عليها في الحياة مر الكرام. ولكن عندما نقف عند تفاصيلها تنجلي حقيقة معاناة شخوصها، والكيفيات التي يتم بها تدبير التفاعل وردات الفعل المختلفة. ليس هناك تركيب لتقاطع الأحداث ولا الإحالة على المشاهد أو الوقائع السابقة. يكفي أن يستحضر المشاهد أنه في نفس المكان، بنايات عتيقة ودروب ضيقة، حيوات بشرية بسحنتها المتميزة وهمومها الخاصة، ما يميزها هو خصوصية يومياتها، لا صلة لها بالأخرين إلا السياق العام، محكيات صغيرة تحيل على واقع تتساكن في أجوائه شخوص تنفرد بحالها وأحوالها. قد لا يقوى المشاهد الذي ينتظر حكاية تحدها نهاية أو وقائع تعكس مسار، على أن يواصل مجريات الفيلم، فالشخوص لا تظهر إلا في لحظات منتقاة لعرض حالة مجتمعية خاصة وفي زمن محدد. فما إن يتم تجاوز فضاء حتى يجد نفسه أمام شخوص آخرين وقضايا أخرى لا رابط بينها غير المكان، ففي كل درب حالة إنسانية أو تفاعل تلقائي مع واقع يومي في شرطه الخاص. الجار الذي تدعوه جارته لإعداد زوجها للدفن، الأم التي تعد أبناءها ليوم جديد، وتحملها لكامل المسؤولية في تقاعس زوج غير قادر على مواكبة وقع الحياة، المرأة التي تستجيب لكل ما يعرض عليها لا تنعم بحقها في الإنجاب. هي حالات لا تعرض في كل تفاصيلها بل فقط الوقوف على حقيقة وجودها، وكشف بعض معاناة شخوصها.
لا ينتهي عرض الفيلم بمآل حكاية أو الكشف عن مصير أشخاص، بل بلقطة تحيط بالمكان في شهد ليلي عام، تجعل المشاهد يبتعد شيئا فشيئا عن تفاصيل الدروب وهموم الناس.
لم يكن الاحتفاء الذي حضي به الفيلم في العديد من المحافل والمنابر الإعلامية، إلا تفاعلا مع ما يميز لقاطاته وتركيب مشاهده بشكل مختلف عما اعتاده جمهور السينما، فليس هناك بطل ينتصر أو يعاني في تجاوز لحظات معاناته، هناك فضاء مجتمعي يحبل بكثير من اللحظات الصعبة التي يعيشها كل واحد بشكل مختلف. خلف كل حيط حكاية تختلف في تفاصيلها. لو سقطت الجدران لانكشف ما يميز حيوات الناس في لحظات عيشهم وما يميزها في تقاطع يومياتهم مع محيطهم الواسع. تلك لحظة تأمل في واقع متعدد يعتمر مكانا يتسع لكل الأحوال.