مأساة الأطفال المختفين في غابات الأمازون 

مأساة الأطفال المختفين في غابات الأمازون 

مصطفى روض

     عاش الشعب الكولومبي ومعه كافة شعوب البلدان اللاتينية المجاورة لغابات الأمازون، حالة حزن رهيبة لأزيد من أربعين يوما جراء اختفاء أربعة أطفال كولومبيين، بعد سقوط الطائرة التي كانت تقلهم رفقة والدتهم في منطقة غابوية قبل وصولها إلى وجهتها المحددة.

   شكل اختفاء الأطفال الأربعة، ابتداء من فاتح شهر مايو، تاريخ سقوط الطائرة، مأساة شغلت اهتمام الجميع سواء أسرتهم، سلطات البلد، قواتها المسلحة وكافة مجتمعات السكان الأصليين، الذين تجندوا للبحث عنهم من أجل إنقاذ أرواحهم قبل فوات الأوان. لكن بعد مرور أربعين يوما من البحث المضني والمعقد، سيتحول حزن الشعب الكولومبي والشعوب المجاورة، ومعهم سلطات البلد، إلى فرحة استثنائية عندما تم العثور على الأطفال الأربعة في قلب غابة الأمازون وهم جميعهم على قيد الحياة، ليتم نقلهم إلى المستشفى العسكري حيث بدأ الأطباء في تقديم العلاجات الضرورية لهم.

   فما هي بالذات قصة هذه المأساة التي ظلت قابعة مدة أربعين يوما وسط غابات الأمازون، والتي اهتز لها المجتمع الكولومبي برمته؟

   لنعرض بقليل من التفصيل معلومات مستقاة من الصحافة المحلية، التي أفادت أنه بمجرد العثور على الأطفال الأربعة، وتتراوح أعمارهم بين سنة واحدة و13 سنة، قال الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو في رسالة عبر موقعه في تويتر: إنه تم العثور على الأطفال الأربعة من السكان الأصليين للبلد أحياء في جنوب كولومبيا، بعد أكثر من خمسة أسابيع من تحطم الطائرة الصغيرة التي كانوا يستقلونها في غابة كثيفة، حيث أنقذهم الجيش بالقرب من الحدود بين إقليمي كاكيتا وغوافياري، معبرا، في ذات الوقت، عن فرحة البلد بإسره بخبر العثور على الاطفال الأربعة وكلهم إخوة توفيت والدتهم بعد خمسة أيام من تحطم الطائرة.

   وأضاف الرئيس بيترو، وهو يتحدث إلى ممثلي الصحافة المحلية والدولية، “كانوا معا وسط الغابة في حالة إنهاك وضعف، فلنسمح للأطباء بفحصهم. لقد وجدوهم.. وهذا يجعلني سعيدا للغاية”، مضيفا أن الأطفال دافعوا عن أنفسهم بمفردهم وسط الغابة.

   كانت الطائرة الصغيرة، من طراز سيسنا 206، تقل سبعة أشخاص، تطير في سماء غابات الأمازون يوم فاتح مايو بعد إقلاعها من بلدة أراراكوا بإقليم أمازوناس، في اتجاه مدينة سان خوسي ديل غوافياري، وهي مدينة توجد بإقليم غوافياري، فأطلق ربانها استغاثة بسبب عطل في محركها في الساعات الأولى من ذلك اليوم، و أكدت وكالة الاستجابة للكوارث في كولومبيا أن الطيار أبلغ عن مشاكل في المحرك بالطائرة قبل دقائق من اختفائها عن الرادار لتتحطم لاحقا إثر سقوطها وسط غابة الأمازون، ما تسبب في موت ثلاثة أشخاص بالغين، بينهم الطيار وأم الأطفال الأربعة، الذين نجوا من الموت، غير أنهم تعرضوا للاختفاء وسط الأشجار الكثيفة للغابة وعجز الجميع عن معرفة مكان وجودهم، في بيئة غابوية مليئة بالأخطار، سواء تعلق الأمر بالأمطار الغزيرة التي تهطل باستمرار، أو بانعدام التغذية، أو بوجود حيوانات مفترسة، مثل النمور والفهود والدببة والذئاب… فضلا عن الأنهار و استحالة رؤيتهم عبر الطائرات بسبب كثافة وعلو الأشجار التي يتراوح طولها ببين 35 و 40 مترا.

   عندما بدأت السلطات الكولومبية تنشغل بمأساة الأطفال الأخوة الصغار، و ضعت استراتيجة للبحث عنهم تحت شعار حملة “الأمل”، جندوا لها 200 عنصرا من الجيش ومجموعة من الكلاب المتخصصة في الإنقاذ وطائرات  مروحية، فدخلوا وسط الغابات بمساعدة السكان الأصليين، وكثفوا من جهودهم في البحث المضني لاقتفاء أثر الصغار للعثور عليهم وانتشالهم مما قد يهدد حياتهم، وسط غابة يسود في كل جزء منها خطر الحيوانات المفترسة. و بعد أسبوعين تمكنوا من العثور على حطام الطائرة وملجأ مؤقت مصنوع من العصي و فروع الأشجار، مما دفعهم للاعتقاد بوجود ناجين.

   وقد افترضت عناصر الجيش أن الأطفال الذين كانوا داخل الطائرة بأنهم على قيد الحياة. “وجدنا الآثار في موقع مختلف وبعيد عن مكان سقوط الطائرة، ووجدنا مكانا محتملا كان يمكن للأطفال اللجوء إليه، كما وجدنا زجاجة وفاكهة نصف مأكولة”، فيما قال ناطق باسم الجيش: “سنواصل البحث!”.

   ومن بين الخطط التي اعتمدتها السلطات الكولومبية للعثور على الأطفال المختفين، إصدار رسالة مسجلة بصوت فاطمة، جدة الأطفال، باللغتين الإسبانية ولغتهم الأصلية “أيويتوتو”، حيث يقول مضمونها الموجه لهم: “أطلب منكم معروفا، أنا جدتكم فاطمة، أنتم تفهمونني، يجب أن تظلوا ثابتين لأنهم يبحثون عنكم، قفوا و لا تتحركوا حتى يتمكنون من إحضاركم…”.

   وكان ديلسي، وهو كلب ذكي، بطلا، لأنه ساعد في على العثور عليهم بعد أربعين يوما من الاختفاء، رغم أن الجنود لا يعرفون أين اختفى الأطفال. وقد عمت الفرحة الكبرى كل التراب الوطني الكولومبي، وخصوصا السكان الأصليين الذين تنتمي لهم أسرة الأطفال، فيما أكد رئيس كولومبيا بيترو أن الأطفال الأربعة حققوا بأنفسهم مثالا للبقاء التام سيبقى مسجلا في التاريخ، مستطردا أن هؤلاء الأطفال هم اليوم أبناء السلام.

   من جهتها قالت نائبة الرئيس، فرانسيا ماركوز، و هي من أصول إفريقية: “عندما نضع معرفتنا ومؤسساتنا للعمل بإصرار في خدمة الشعب، يمكننا حل و إنقاذ الأرواح وبناء الأمل بشكل جماعي”.

   منذ شيوع النبأ الأكيد بالعثور على الأطفال الصغار، وصفت مختلف وسائل الإعلام المحلية بأنه “معجزة”.

وسبب سفر الأطفال الأربعة مع أمهم عبر الطائرة كان من أجل اللقاء بوالدهم، وهو زعيم السكان الأصليين في منطقته أراروكارا التي فر منها بعد تعرضه للتهديدات بالتصفية من قبل زعيمة جناح عسكري منشق عن جبهة القوات المسلحة الثورية.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

مصطفى روض

صحفي وكاتب مغربي