الحراك الدولي والعربي .. والقيامة الجديدة للبنان
حسين عطايا
دخل لبنان في نهاية الشهر الثامن من الفراغ الرئاسي، ويوماً بعد يوم يزداد الكباش السياسي ومعه الانقسام بين الكتل والاحزاب السياسية اللبنانية، الى ان وصلت الامور الى مرحلة حرِجة استعصى معها الحل الداخلي، وبالتالي يتطلب الامر تدخلاً خارجياً يُنقذ الوضع، ويضع حداً لتمادي الاطراف الداخلية وتحميلها المسؤولية عن ازدياد حدة الازمات والانهيار المالي والاقتصادي على كل المستويات دون ان تكلف المنظومة السياسية الحاكمة خاطرها لإيجاد حلول تنقذ البلاد ومعها الشعب اللبناني الذي يُكافح للبقاء على قيد الحياة بعد ان وصلت مستويات الفقر ما يزيد عن ثمانين بالمئة من مجموع السكان .
من هنا، شُرع الباب على مصراعيه لتدخل من الدول الشقيقة والصديقة التي لم تتخل يوماً عن مسؤلياتها في حفظ لبنان وشعبه ، حِفظ هذا الوطن الذي يُمثل رسالةً في هذا المشرق .
وبناءً عليه اتى الحراك السعودي ـــ الفرنسي وبالتزامن مع الحراك الامريكي مع المصري والقطري ، ليُفعّل الحركة من اجل حث الاطراف الداخلية على التخفيف من مغالاتها في تحقيق مصالحها على حساب الشعب والوطن، فكان لقاء باريس بين الامير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي والرئيس الفرنسي مانويل ماكرون والذي جرى نهار الجمعة الماضي، ليكون منطلقاً لتفعيل حركة سياسية فاعلة تسعى لتحريك السياسة اللبنانية الراكدة، خصوصاً بعد جلسة الرابع عشر من الشهر الجاري في الاسبوع الماضي والتي إعتُبرت الجلسة الاولى الجدية التي انعقدت في مسار جلسات الانتخاب الاثني عشر على هذا الصعيد ، والتي قام كِلا الطرفين الثنائي ” امل – حزب الله” بحشد اقصى ما استطاعا اليه، كما قامت القوى المعارضة بحراكها الاقصى واتت النتيجة لكِلا المرشحين، ٥٩ صوتاً لمرشح المعارضة – الوزير السابق جهاد ازعور ، بينما حاز مرشح الثنائي – الوزير السابق سليمان فرنجية حاز على ٥١ صوتاً ، وبالتالي صار من الطبيعي على كلا الفريقين التواصل وفتح باب الحوار الجدي للخروج من الازمة، وهذا ما لم يحصل من دون تدخل خارجي من الاشقاء والاصدقاء.
على هذا الاساس تأتي زيارة وزير الخارجية الاسبق والمبعوث الشخصي للرئيس الفرنسي ماكرون الى لبنان جان ايف لودريان ، في الساعات القادمة ليقوم بزيارات تشمل كل الفرقاء السياسيين اللبنانيين وبعض الشخصيات الروحية ، لعل ذلك يفتح ثغرة في الجدار السميك الذي يتمترس خلفه فريقي الصراع اللبنانيين ، وفي زيارته ، يحمل معه بعض الاسماء عُرف منها اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون ، والوزير السابق زياد بارود ، وجولته هذه تأتي استطلاعية ، حيثُ تسبق لقاء المجموعة الخماسية التي ستنعقد قريبا والتي تضم كل من المملكة العرببة السعودي جمهورية مصر العربية ، إمارة قطر والولايات المتحدة الامريكية والجمهورية الفرنسية وسيشارك فيها لودريان ليضع الاطراف بما حمله معه من لبنان .
هذا على صعيد زيارة المبعوث الفرنسي لودريان، اما على صعيد الحراك الخارجي الآخر فتمثل في البيانات والاتصالات التي قام بها بعض المسؤلين في الخارجية الامريكية ، كما في زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الى ايران ومباحثاته فيها والتي كان ملف لبنان حاضراً فيها ايضاً ، يُضاف الى كل ذلك جدول المواصفات الذي وضعته واتفقت عليه دول اللجنة الخُماسية والتي تسعى اليه هو إيجاد رئيس للجمهورية كما رئيس حكومة وحكومة من خارج الوسط السياسي الحالي ليقوم بمهام قيامة لبنان واستعادة الدولة وإداراتها .
هنا لابد من التذكير ان نتائج الجلسة الاخيرة لانتخاب رئيس اظهرت حجم القوى وحجم قوة حزب الله والتي تراجعت كثيراً عما كانت عليه في العام ٢٠١٦ يوم فرض على اللبنانيين ميشال عون رئيساً للبنان وما حمله عهده من ازمات ومصائب اصابت الوطن الصغير ، وهذا ما كان يتخوف منه حزب الله، لذلك كان يدعو للاقتراع بورقة بيضاء لكن الرئيس نبيه بري حشره يوم اعلن ان الاقتراع سيكون لسليمان فرنجية وبذلك وعلى الرغم من كل الاساليب التي استعملها كل من حزب الله وما يملك من قوة وامكانيات ومعه نبيه بري وحركة امل وبعض الحلفاء لم يستطيعا ان يصلا الى اعداد اكثر من ٥١ صوتاً وبالتالي اصبح حزب الله في موقف ضعيف نسبياً ومكشوف امام الخارج وتحديدا ما ينتظره من اتصال وتفاوض معه في هذا الامر ، حيث اصبح واضحاً ان حزب الله يستطيع ان يُعطل وصول رئيس او يؤخر الحل لكنه ليس باستطاعته ان يُسمي او يفرض على اللبنانيين رئيسا كما حدث في العام ٢٠١٦ ، فكل المتغيرات الاقليمية والدولية توحي بذلك ، فهو سيبقى شريكاً في الحياة السياسية اللبنانية ويملك حق النقد الفيتو، وهو يطلب ثمناً كان يتوقع ان يكون اكبر لو تم تأجيل جلسة الاسبوع الماضي حيث لم تظهر حجم قدرته على التجيير لمرشحه فرنجية بعد .
الاسابيع المقبلة قد تطول او تقصر وفقاً لمجريات ما يجري إن على صعيد المفاوضات الامريكية الايرانية والتي تجري في عُمان او الحراك العربي الفرنسي وما سينتج عنه ستحمل اتفاقا على الساحة اللبنانية يُعطي حزب الله بعض الضمانات لتطمينه، مع وصول قائد الحيش لرئاسة الجمهورية مع حكومة فاعلة ومنسجمة وبرنامج إصلاحي وفق ما تقتضيه المصلحة اللبنانية لاستعادة مؤسسات الدولة اللبنانية مع ضمانات مالية عبر صندوق النقد الدولي بالتضامن مع المملكة العربية السعودية وبإشراف صندوق النقد، وبمراقبة ورعاية من دول اللجنة الخماسية ، ليتم من خلالها استنهاض الدولة اللبنانية والتي ستكون مختلفة عن سابقتها اي إعادة إنشاء المؤسسات برعاية وحماية الجيش اللبناني ضامن الامن والاستقرار على مساحة الوطن .
إذاً نحن امام سيناريو استعادة الدولة اللبنانية بادوات لبنانية مُجربة وعندها من المصداقية والشفافية ما يؤهلها لقيامة جديدة للبنان .