غاستون باشلار: النموذج الكبير 3/2
ترجمة: سعيد بوخليط
النقد الموضوعاتي أو التيماتيكي:
قبل الحديث فعليا عن النقد الموضوعاتي، وجب التأكيد مرة أخرى، بأنَّ الأمر لايتعلق هنا قط بحركة موحَّدة أو مدرسة تأسست في خضم تصميم تعميم بعض المناهج، لكن اشتغل باحثون حسب السياق نفسه وارتبطوا ثانية بطموحات واعتقادات مماثلة دون تأسيس تيار معين.
نصادف بداية مدرسة جنيف التي أرسى لبناتها ألبير بيغان ومارسيل رايمون، اللذين تحدثنا عنهما بجانب جورج بولي، في فصل مستقل تبعا لقراءة جان إيف تاديي، كممثلين لنقاد الوعي. يلزم، أيضا، تعيين نقَّاد ومفكري النقد الجديد الذي طبع سنوات 1950 دون الارتكاز عليهم.
قصد تجنب كل التباس، ينبغي التمييز بين النقد الجديد، البنيوية والنقد الموضوعاتي الذي تطور تقريبا خلال نفس الحقبة، لكنه تبلور مثل تيارات منفصلة ومستقلة.
إذا شَكَّلت مدرسة جنيف (حيث نعتتُ المؤسسين، مارسيل رايمون وألبير بيغان بـ”أول مدرسة في جنيف”) نواة معينة تراكمت انطلاقا منها دراسات مجموعة باحثين، فإنها لاتشمل كل مجال الأبحاث الموضوعاتية، مادام جورج بولي أو جان بيير ريشار لم يعملا قط في سويسرا. صحيح، أن أغلبية هؤلاء وطدت بينهم علاقات مهنية وروابط الصداقة، لكن خاصة طريقة مقاربتهم الأعمال الأدبية التي تتيح إمكانية ترتيبها وفق تكتل معين حول “تيمات”، دون إمكانية الفصل نهائيا بين نقد الوعي والنقد الموضوعاتي.
ينبغي، قبل كل شيء، البحث عن النقط المشتركة في الأصول والتأثيرات البارزة، يلزم العودة ثانية إلى الرومانسية وكذا فلسفة غاستون باشلار. مثلما أوضح ذلك دانييل بيرغيز: ”يبتعد منظور الموضوعاتية عن كل عقائدية؛ لايتمحور حول جسم نظري، لكنه يتطور مثل بحث انطلاقا من حدس مركزي. بالتأكيد، نقطة بدايته استبعاد كل تصور للأدب ترفيهي أو شكلي، ثم رفض التعامل مع النص الأدبي مثل موضوع يستنزف معناه بمجرد استقصاء علمي.الفكرة الأساسية، أنَّ الأدب موضوع للتجربة، أكثر من المعرفة، والتجربة ذات ماهية روحية”(32).
ارتكز اتخاذ موقف نظري لدى كل واحد من هؤلاء على تجارب شخصية، ومعاش يذكِّر أحيانا بنوع من الإيحاء، مثلما الشأن عند مارسيل رايمون الذي اكتشف روسو نتيجة: ”تجربة ذات منحى صوفي”(33)، أو اكتشاف مهم لحقبة الشباب،كما الوضع بالنسبة إلى جورج بولي الذي استحضر في هذا السياق شبابه: ”يبدو لي الأدب منفتحا في نظري تحت مظهر وفرة ثراء روحي تجلى أمامي بسخاء”(34).
يتضح، بأنهم انجذبوا جميعا إلى الرومانسية،والقصيدة الرومانسية، وكذا الجنوح الشعري لكبار مبدعي القرن التاسع عشر وفكر غاستون باشلار.
أكد جان ستاروبنسكي بين فقرات مقدمة دبَّجها لكتاب إيف بونيفو الذي يحمل عنوان”عن حركة وسكون الخندق”: (1953) “منذ أقل من قرنين، تهيئ القصيدة بوعي وظيفة وجودية – أودُّ القول- في الوقت ذاته تجربة للكائن وتأمل حول الكائن”.
استُلهم مفهوم التيمة من البلاغة، وليس بمرادف لمفهوم الموضوع، ويبدو أكثر قربا من الموضِعِ. بما أنها مقاربة،ليست شكلية، بكيفية قبلية، لكنها تضع الفن ضمن التجارب الإنسانة الأكثر أهمية، وتحدِّد جوهر الفن كباعث لمعانٍ جديدة، مثلما يتجلى ذلك بوضوح من خلال تعريف جان روسي للعمل الفني في كتابه”الشكل والدلالة”: “التفتح المتزامن لبنية وفكر،خليط الشكل والتجربة حيث تآلف النشأة والنمو ”(35).
وفقا لهذا الاختيار، سيرتكز عمل النقد على تأمل الرؤى كما توحي بها الأعمال: “إذا كان العمل مبدأ اكتشاف وعامل تنظيم، يمكنه توظيف وإعادة تركيب مختلف صنف العناصر المستعارة من الحقيقة أو الذكرى، يفعل ذلك باستمرار تبعا لاقتضاءاته وحياته الخاصة؛ يمثل عِلَّة قبل أن يكون نتيجة، تجليا أو انعكاسا، هكذا أحبَّ بول فاليري التذكير بذلك؛ أيضا هل تحيل القراءة النقدية على العمل وحده،ضمن عزلته التي لاتضاهى، باعتبارها منفذا صوب: “فضاءات داخلية حيث الفنان يتجرَّد كي يبدع” (بروست). وإذا لم تتبلور النصوص سوى نتيجة تعايش بين الشكل والرؤيا،ستتجه قراءتنا كي تقاربهما معا بتناولها الرؤيا من خلال الشكل. لكن كيف يمكن تناول الشكل؟كيف نكتشفه؟نتناوله بداية قصد الاطمئنان بأنه ليس دائما صفرا، نتخيَّل رؤيته، كانبثاق من الأعماق وإيحاء ملموس للعمل في ذاته، ولن يكون سطحا، ولاقالبا ، ولا وعاء، وليس قط بالتقنية التي ينضِّدها الفن ولايختلط حتما مع البحث عن الشكل، ولاالتوازن المتوخى من لدن الأجزاء ولاجمال العناصر. مبدأ فعَّال وغير متوقع للانكشاف والتجلي، يتجاوز القواعد والحيل، ولايمكن اختزاله سواء إلى مخطَّط أو تصميم، ولاهيكل من الإجراءات والوسائل”(36).
لقد انكب مارسيل بروست على مفهوم التيمة سواء في روايته وكذا المقالات النقدية المسماة: ”ضد سانت بوف”. أبان عن حصيلة تأملاته الشخصية من خلال تأملات الراوي في الماهية التي تصنع أسلوب الكتَّاب.
عَبَّر مارسيل، راوي رواية البحث عن الزمن المفقود، من خلال أسلوب يشتغل على حقيقة مزدوجة غير قابلة للانفصال،تجمع بين الإبداع اللساني وكذا الفضاء الحسي: “هذه الخاصية المجهولة لعالم فريد… ربما لهذا السبب،أخبرتُ ألبيرتين، عن دليل العبقرية الأصيل جدا، أكثر حقا من مضمون العمل نفسه. أوضحتُ له بأنّ الأدباء الكبار أنجزوا فقط عملا واحدا أو بالأحرى نفس ارتدادات الجمال الذي وفروه إلى العالم، عبر أوساط متعدِّدة. ستلاحظون لدى ستاندال نوعا من الشعور بالارتفاع يرتبط بالحياة الروحية. المكان المرتفع موقع سجن جوليان سوريل، البرج الموجود في الأعلى واحتجاز فابريس، برج الجرس حيث الكاهن بلانيز يهتم بالتنجيم ومن هناك يحظى فابريس بنظرة خاطفة جميلة”(37).
بخصوص هذه النقطة، تلتقي تأملات راوي السرد بما ورد عند الناقد بروست، لاسيما الفقرة الواردة في كتابه ”ملاحظات حول ستاندال” التي يشرح في إطارها انجذاب ستاندال نحو المرتفعات ودلالة الارتفاع لديه: ”تذوق استثنائي لأحاسيس الروح، انتعاش حيوي للماضي، فتور الطموحات، ضجر الحبكة، سواء بجوار الموت(جوليان في السجن: لاطموح. عشق السيدة رينال، للطبيعة وكذا التأمل الشارد) سواء فيما بعد الفتور الذي يحدثه الحبّ (يقبع فابريس داخل السجن لكن الأخير لايعني هنا الموت، بل مشاعر الحبّ نحو سليليا).يرتبط هذا الارتقاء الروحي بارتقاء وجهة الأعلى المادي (سجن جوليان، في مكان عال جدا، بالتالي منظر جميل، سجن لفابريس عال جدا، من ثمة إطلالة جميلة). الانتقال إلى سبب ثالث للفتور (مؤقتا، كالتالي): إحساس أمام الطبيعة وبشكل عام في الأمكنة المرتفعة”(38).
يستشهد بروست بنموذج مغارة جوليان وكذا برج الجرس، الصخرة التي يرى من خلالها بحيرة كومو (39) . يمضي بطريقة منهجية جدا بين صفحات عمله ”ضد سانت بوف”، حينما يرصد مختلف الأخطاء البديهية لسانت بوف ضمن تقييماته الجمالية، بيد أنه لم يقارب أبدا التيمة كأساس لأسلوب الكُتَّاب، لكن الأنا المبدعة تعتبر حصيلة تمييز بين الأنا اليومية وكذا المبدعة، مكمن جمالها، ثم يغفل عنها النقد(40) .
*الرومانسية ومصادر النقد التيماتيكي:
اشتُقَّ مفهوم التيمة من حقل البلاغة بل يمتد إلى العصور القديمة، في حين ارتبط أصله المباشر قبل أيِّ شيء ثان،بالحقبة الرومانسية تحديدا الرومانسية الألمانية.
التأكيد على استبعاد كل فكرة مسبقة، تبلورت قبل تأويل العمل، وكذا أولوية الوعي الإبداعي والذاتية، تصورات من هذا القبيل، جعلت المشتغلين على التيمة قريبين من الفلاسفة الرومانسيين الألمان، الذين تصوروا الفن، أولا وأخيرا، باعثا للتجارب، مبدعا ومنتجا لمعاني جديدة وليس مجرد بناء شكلي.
يختزل جان ستاروبنسكي بكيفية جيدة هذا الموقف في كتابه ”الوعي النقدي”: “إذا لم يكتشف عالَم وحياة المؤوِّلُ نفسيهما ضمن نطاق تخصيب للمعنى، لحظة الخروج من التجربة (القراءة والتأويل)،فلماذا خوض مشقة المغامرة ؟”(41).
تتجدد ثانية التجربة جراء القراءة، بعد إبداع العمل وإثراء القراء بمغامرة ترتبط عن كثب بالتعبير اللساني.
اعتبر جان ستاروبنسكي روسو ضمن طليعة من اختبر: ”ميثاقا للأنا مع اللغة”، وفق معنى تجاوزه لوجوده حين التعبير. هكذا، يولد نتيجة انسيابه خلف الكلمات والأدب.مدَّدت الرومانسية الألمانية، هذه المغامرة مقتفية خطى جان جاك روسو: “حينما اقترحوا مفهوما روحيا ودينامكيا في الوقت نفسه للفعل المبدع: العمل الإبداعي مغامرة مصير روحي، يتحقق خلال ذات لحظة إنتاجه”(42).
رغم أنَّ سانت بوف لم يكن حقا ناقدا أكاديميا بالمعنى الخالص للكلمة، ولا ناقدا عقائديا مهيمنا خلال حقبته، مثلما حاولنا توضيح ذلك، بداية هذه الدراسة، فقد جعل مارسيل بروست من بوف رمزا للنقد المحافظ، لاسيما الاهتمام بالسيرة الذاتية، سواء في روايته البحث عن الزمان المفقود، أو مقالاته المختلفة، الصادرة بعد وفاته، بين طيات كتاب تحت عنوان: ”ضد سانت بوف”(1954).
تجلت الأفكار الجمالية لمارسيل بروست،وفق صيغة خيالية كما أوضحتها أبحاثه ومقالاته، أيضا اختبرت بعض مقاطع الرواية تصوره للإبداع الفني. اقترح تمييزا واضحا بين الأنا اليومية والانا المبدعة، مما قاده كي يعَرِّفَ بشكل مختلف المبدع عن أسلافه: “الكتاب حصيلة أنا أخرى غير التي نكشف عنها من خلال عاداتنا، داخل المجتمع، ورذائلنا. إذا توخينا، فهم هذه الأنا، سيتحقق الأمر داخل ذواتنا نفسها، بمحاولة إعادة خلقها داخلنا فيتحقق لنا المبتغى”(43) .
المثال الأكثر إقناعا المشار إليه من طرف مارسيل بروست، يتجلى في تقييم مغلوط صاغه سانت بوف حول بودلير الذي كان ابنا لأخيه أو أخته وصديقه واستدعاه غير مامرة بهدف التماس مساعدته إبان محاكمته سنة 1857، وكذا قبوله في الأكاديمية الفرنسية.
يحتقر بروست الجبن الذي أبان عنه سانت بوف، بحيث لم يعلن موقفا جريئا واضحا بخصوص رفضه طلبات بودلير، رغم تحاشيه التعرض للشاعر الكبير، كما أبرز بروست أخطاء التقييم البديهية عند الناقد حين قراءته لنصوص الشاعر.
عندما لخص الرسالة التي كتبها سانت بوف قصد مساعدة الدفاع (دون الإفصاح عن هويته) ثم أعاد إصدارها مرة ثانية بين صفحات كتابه: ”أحاديث الاثنين”،سيوظف بروست لهجة لاذعة: ”لم ينطو حديث سانت بوف على شتم واتخذ طابع المجاملة، حين تمهيده لقصائد أزهار الشرِّ، دون أن يكلف نفسه عناء مخاطبة صديقه الشاعر بكيفية مباشرة: “قضى الشاعر بودلير سنوات كي يستخلص خلطة سامَّة من موضوع الأزهار (يقصد بذلك المجموعة الشعرية أزهار الشرِّ)، لكن وجب الإقرار، بأنها مسمومة بكيفية رائعة جدا”. رغم ذلك (مثلما جرى عليه الوضع دائما!) أظهر بأنه رجل فكر !، بحيث بدا وِدِّيا للغاية خلال لحظة كتابته هذه العبارة: ”احتجتُ إلى رؤيتكَ مثل أنتي (عنتي) عند ملامسته الأرض”. قادرا جدا، على إبداء المودَّة (هذا كل مافي جعبته عن صاحب إزهار الشر. قبل ذلك، أخبرنا سانت بوف عن سمة التواضع في شخصية ستاندال و فلوبير شاب طيب). كم حاولنا مع سانت الصراخ بما يلي: أيُّ حماقة شائخة أو أيُّ وضاعة مترهِّلة”(44).
لاتنضب ملاحظات بروست المتهكِّمة عندما يقارب منهجية سانت بوف،أساس ذلك في رأيه، نزوح(نتيجة عدم تمييز الأنا المبدعة عن الإنسان اليومي) يفضي بنا وجهة رؤية خاطئة، تؤثثها بعض مدائح الأصدقاء، ننتهي وفق سياقها إلى خلاصة تصنف المبدعين ضمن خانة: ”أشخاص أكثر نعومة،وأصدقاء أكثر وثوقا”(45).
يستطرد بروست مؤكدا:” يأتي هذا قصد تعضيد ماقلته لك، بأنَّ الإنسان الذي يحيا داخل نفس الجسد مع عبقرية كبيرة، لاتجمعه به سوى صلة ضئيلة، معطى يدركه ويشاطره إياه أقرباؤه الحميمون، لذلك، يبدو عبثيا الحكم مثل سانت بوف على الشاعر من خلال الإنسان أو خطاب أصدقائه. فيما يتعلق بالإنسان نفسه، يبقى إنسانا، ويمكنه تماما تجاهل مايريده الشاعر الذي يسكنه. ربما أفضل هكذا”(46).
وضع يفترض ببداهة، ضرورة أن يكون الناقد نفسه مبدعا ويقتضي التأويل تماثلا عاطفيا مبدعا. ينبغي الإصغاء إلى تعريف دانييل بيرغيز، قصد التخفيف من التناقضات الكامنة التي يتضمنها الباطن، بناء على معنى: ”تتبلور الأنا المبدعة في خضم حركة حديثها. إنها تعبِّر، فتتجاوز نفسها، والفعل المبدع غير منفصل عن هذه الحركة المبدعة”(47) . تعكس الشخصيات الفنية (بيرغوت، إلستير، فينتوي) التي تكشف عنها الرواية، هذا التباين بين نموذجي الأنا، كما يحدث طابعها التافه خيبة أمل لدى السارد في الحياة اليومية نظرا لافتقاده ثانية نفس الفكر، مثلا مع بيرغوت، متحدِّث الصالون الذي حظي بإعجابه عبر صفحات كتبه. تشكِّل ازدواجية المبدع، ثم التمييز الجوهري بين أصناف وجوده المختلفة، إحدى مرتكزات نظرية بروست حول الإبداع.
تعتبر النظرة حسب أنصار نظرية التيمة، بمثابة بيان أساسي عن الإدراك،ترتكز عليه الأنا ويكيفها كي تتمثَّل وجودها عبر كل السياق التاريخي والمجتمعي. هكذا، حظيت النظرة بتمييز عند جورج بولي جان روسي وجان ستاروبنسكي.
تصور باشلار النظرة: ”مبدءا كونيا”، وخصَّص جان روسي كتابا بأكمله لأهمية المشهد الوهلة الأولى في الرواية(48).ثم ذهب جان ستاروبنسكي أبعد من ذلك حينما وضع كل نشاط نقدي تحت رمز ”العين المتوقِّدة”(49).
بهذا الخصوص، لاحظ دانييل بيرغيز،سمة ظاهراتية هوسرل وميرلوبونتي حول مجمل نقد الوعي وكذا النقد التيماتيكي. لقد، انصب اهتمام الأخير، على وقائعية ماهيات الوجود التي وحدها تسمح بفهم العالم والبشر(50) . أيضا، يدعم ميرلوبونتي وظيفة النظرة في كتاب ”العين والفكر”(51) .
تبيَّن لدانيل بيرغيز، بأنَّ هذا التوجه الفلسفي يمثل نقطة مشتركة تصل بين ممثلي الاتجاه: ”تتبلور غالبا القراءة الموضوعاتية للأعمال على ضوء تصنيفات للإدراك والعلاقة: الزمان، المكان، الأحاسيس. سؤال من أنا؟ يتداخل طبيعيا بالنسبة إلى جورج بولي مع سؤال متى أكون؟ كما يماثله أيضا بكيفية طبيعية سؤال آخر: أين أوجد؟ أجابت عن هذا المشروع، الأجزاء الأربعة من دراسته للزمن الإنساني. إذا كان انشغال من هذا القبيل أقل منهجية لدى باقي رموز النقد التيماتيكي، فإنه يرشد مع ذلك ضمنيا تأملاتهم؛ هكذا يميز جان روسي بين موقفين حيال الحقبة الباروكية، واضعا في جهتين متقابلتين الذين يمنحون أنفسهم باهتمام إلى تجربة التعدد المتحرِّك ثم الرافضين له أو سعيهم للتجاوز” (52).
نعاين نفس المفهوم لدى كل ممثلي النقد التيماتيكي، في علاقة مع الديناميكية المبدعة، لاسيما عند جان بيير ريشار الذي يستشهد بجملة لصاحبها مالارميه، واقتبسها لكتابه حول الشاعر(53): “أمام الورقة، يتحقق الفنان”، يستعيد مفهوم الأسلوب، وقد أعيد تحديده سلفا مرات عديدة من طرف بروست، كي يرى عبر ذلك جوهر المخطَّط الشعري: ”الأسلوب، الإنسان دؤوب بكيفية غامضة على تليينه، ينظِّم بواسطته لاواعيا تجربته، يتشكَّل مرة أخرى في خضمه، يبدع ويكتشف الحياة الحقيقية خلال الوقت نفسه”(54).
هوامش المقالة:
مرجع المقالة:
Ilona Kovacs :introduction aux méthodes de la critique littéraire ;Budapest . 2006
Page :42-59.
(32) مدخل إلى المناهج النقدية للتحليل الأدبي،باريس، بورداس،1990 ، ص 86
(33)جان جاك روسو،البحث عن الذات والتأمل الشارد،باريس،جوزي كورتي،1962 ،ص 15 .
(34) الوعي النقدي، باريس، جوزي كورتي،1971 ،ص 19
(35) جان روسي : الشكل والدلالة، ص 10
(36) نفسه ص 10 – 11
(37)مارسيل بروست : السجينة،باريس، غاليمار،1988،ص 879
(38) ضد سانت بوف : ص 414
(39) نفسه ص 413 -416
(40) نفسه ص 413 -416
(41) ستاروبنسكي الوعي النقدي،ص 24
(42) دانييل بيرغيز : مدخل إلى المناهج النقدية من اجل التحليل الأدبي،باريس 1990 ،ص.88
(43) ضد سانت بوف : ص 137
(44) نفسه ص 172- 173
(45) نفسه ص 174
(46) نفسه ص 176- 177
(47)دانييل بيرغيز : مدخل إلى المناهج النقدية من أجل التحليل الأدبي،باريس 1990 ،ص.89
(48)تقابلت أعينهم : باريس، جوزي كورتي،1984 .
(49) العين المتوقِّدة(دراسات حول كورني، راسين، روسو، ستاندال)،باريس، غاليمار1961 .
(50) الظاهراتية بحسبه فلسفة تضع الماهيات داخل الوجود، ولاتظن بإمكانية فهمنا الإنسان والعالم بطريقة مختلفة سوى انطلاقا من وقائعيتهما”، ظاهراتية الإدراك، باريس، غاليمار،1945 ،الطبعة الثانية،ص 18 .
(51) باريس غاليمار 1983،يمكن أيضا في هذا الإطار العودة إلى مؤلفات : ”أولوية الإدراك ونتائجه الفلسفية”،”مشروع الاشتغال على طبيعة الإدراك”(1933) ، ”طبيعة الإدراك”(1934) .
(52)أدب العصر الباروكي في فرنسا،باريس، جوزي كورتي،1954 .
(53) جان بيير ريشار : عالم مالارميه المتخيَّل،باريس سوي 1961 ،ص 24
(54) نفسه.