دريدا: احتواء بنكهة القداسة

دريدا: احتواء بنكهة القداسة

كاركاسون- المعطي قبال

      أية علاقة روحية، فكرية، عاطفية تجمع جاك دريدا بالجزائر، مسقط رأسه؟ عن هذا الموضوع كتبت العديد من الدراسات أغلبها أيديولوجي وبعضها فلسفي أو أنثروبولوجي رصين. وسبق للفيلسوف نفسه أن أدلى ببعض الإرتسامات الفلسفية في الموضوع، حيث ميز بين الانتماء الوطني والتعلق بالدولة-الأمة وبين القلب، والفكر. وهذا ما أعرب عنه خلال اجتماع اللجنة الدولية لمساندة المثقفين الجزائريين عام 1994، وكانت الحرب الأهلية آنذاك على أشدها بالجزائر، حيث دعا إلى «تأسيس نظام علماني راديكالي» بمنأى عن أي إرهاب، سواء كان إرهاب الدولة أو إرهاب الأفراد.. ».

   على أي كانت علاقته مثل العديد من الكتاب والمثقفين من أمثال ألبير كامي، جان دانيال، جيل روا، بينجمان ستورا، هيلين سيكسو وغيرهم، الذين رأوا النور بالجزائر علاقة مركبة، مثخنة بالتنافر أكثر منها بالجاذبية.

   ولد جاك دريدا بمنطقة لبيار بالقرب من الجزائر عام 1930 وينحدر من عائلة يهودية. تابع دراسته إلى غاية سن التاسعة عشرة ليغادر الجزائر نهائيا إلى فرنسا بعد أن طرد من المدرسة وسحبت منه الجنسية الفرنسية التي استفاد منها يهود الجزائر تبعا لقانون أدولف كريميوه المؤرخ بـ 1870.

كان سحب الجنسية الفرنسية بمثابة سلخ لجلده بل نفيه إلى «بلد البدون». لا هو مغاربي ولا هو فرنسي بل يهودي مجرد من اي انتماء. لم تبق له إذا سوى الهجرة لفرنسا بحثا عن اعتراف لهوية مسلوبة. بعد وفاته عام 2004، وبعد أن أصبح علما فلسفيا بوزن عالمي، تذكر بعض الجزائريين من السياسيين والمثقفين الإعلاميين، حتى لا نقول الفلاسفة، أن دريدا «ابن البلد»، ولهذا الغرض وبمساندة السلطات والسياسيين الدائرين في فلك النظام البوتفليقي آنذاك نظمت في 25-26 نوفمبر 2016 مناظرة دولية سهر عليها مصطفى الشريف، «احتفاء بجاك دريدا وانتمائه وتعلقه بالجزائر». حضر طبعا من فرنسا أصدقاء الفيلسوف وزوجته الفيلسوفة جاكلين دريدا. من الجانب الجزائري حضر الأعيان والوزراء وكل من لا علاقة له بالفلسفة وبالأخص بفلسفة دريدا. وقد افتتح المناظرة آنذاك الإسلامي عبد العزيز بلخادم الذي كان رئيسا للوزراء. مرر الفريق الجزائري عن دريدا تصورا مفاده أنه «منظر مناهض للاستعمار»! الحقيقة أن هذا الأخير ليس هو فرانز فانون وإنما فيلسوف قام نشاطه الفلسفي لعدة عقود على هدم الميتافيزيقا واللاهوت منذ الإغريق إلى هيدجر وبول دومان. من ناحية أخرى، لم تترجم، باستثناء بعض النصوص، أعمال ودراسات دريدا إلى العربية. وتشير صحيفة لوموند إلى أن المكتبة الوطنية بالجزائر كانت في تلك الفترة تحتوي على كتاب واحد للفيلسوف!

   هذا النوع من الاحتواء رائج ومنتشر في أكثر من بلد عربي، حيث يمجد بل يقدس هذا الكاتب أو ذاك الفنان أو الفيلسوف لمجرد كونه ولد بالبلد وقضى به سنوات الطفولة!

Visited 6 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".