خودوركوفسكي خصم بوتين العنيد: حظ ضيئل وربح بالوكالة

خودوركوفسكي خصم بوتين العنيد: حظ ضيئل وربح بالوكالة

ريم ياسين

كان الرجل الأكثر ثراء في روسيا. ثم عرف السجن والنفي. بعد ذلك، أصبح ميخائيل خودوركوفسكي الخصم الأكثر تصميما لفلاديمير بوتين.  يحاول جمع تيارات المعارضة ويريد أن يفعل كل ما باستطاعته للإطاحة بالرئيس الروسي.

صباح يوم من شهر حزيران 2023، في مدينة بروكسل أمام مدخل البرلمان الأوروبي. كان وقت اللقاء، لقاء المعارضين الروس في المنفى بدعوة من برلمانيين أوروبيين. سلام ثم قبلات، كثيرون لم يتقابلوا منذ أشهر. بينهم قامة مألوفة، شعر قصير ونظارات مستديرة ورأس بلا رقبة  ووجه بلا تعبير. إنه ميخائيل خودوركوفسكي الذي كان الأكثر ثراء في روسيا ثم دخل السجن لمدة عشر سنوات. أراد فلاديمير بوتين تحطيمه وحرمانه من كل ثروته. 

وضعت الدولة الروسية يدها على شركته النفطية يوكوس وسمح له بالسفر سنة 2013. لكنه يبقى شخصية على حدة من بين الأوليغارشيين الروس فقد اختلف مصيره عنهم وأصبح معارضا للرئيس الروسي قبلهم بكثير.

يقول الصحفي الأمريكي ديفيد هوفمان الذي كان مراسلا لجريدة واشنطن بوست من سنة 1995 إلى سنة 2001 أنه “كان طموحا جدا وكان عنده أفكار ويريد أن يؤثر في السياسة الروسية. كان من الأوائل الذين لاحظوا أن شكلا من الدكتاتورية بدأ يرسم وكانت لديه الجرأة لقول ذلك بصوت عالي  في اجتماع في الكريملن. وقد عوقب بسبب ذلك”.

يعتبر حاليا أشد خصوم فلاديمير بوتين وداعم أساسي للمعارضة الروسية.  تقول والغا بروكوفييف من جمعية روسية-حريات التي تتحدث باسم المجتمع المدني الروسي في فرنسا أنه يساعد الروس الذين يغادرون بلدهم إلى مختلف العواصم الأوروبية ويدعم المؤتمرات التي تهدف إلى الحوار بين تيارات المعارضة والمجتمع المدني الروسي في المنفى.

ينضوي اجتماع اليوم في هذا الاتجاه. في قاعة في برلمان بروكسل، يلتقي جميع الذين أراد النظام الروسي إسكاتهم، محامون وصحفيون ونواب ووزراء سابقون وناشطون بيئيون ونسويون.  بالرغم من العداوة القديمة والتنافس بينهم، الجميع يتحدث عن الحاجة إلى الوحدة وإلى التصدي للبروباغندا الرسمية ويتمنى انتصار أوكرانيا كوسيلة وحيدة تفتح الطريق أمام تغيير النظام في روسية.

 بين اجتماعين، في الرواق، يركز خودوركوفسكي انتقاده على فلاديمير بوتين ويتهمه بافتعال تفكيك روسيا، ويعتبر أن عمل الجيش الأوكراني يؤثر كثيرا على تغيير نظرة الروس إلى النظام وهو يدعم عودة روسيا إلى حدودها المعترف بها دوليا بما يعني انسحابها من جزيرة القرم. 

عندما نسأله عن أمله بالعودة إلى بلاده، يقول: “أحب أن أعتقد ذلك، ولكن الحياة علمتني أن لا أتفاءل كثيرا. هدفي هو المساهمة في تغيير النظام في روسيا، مما يسمح لأمثالي بالعودة الآمنة”.

بوجه خالي من التعبير وصوت واثق وبرودة أعصاب، يعبر عن تصميم كبير. هل يوجد عنده رغبة شخصية الانتقام أو طموح ليصبح رئيس جمهورية؟

 “إنه أكثر ذكاء ليجيب على ذلك، لكنه يقول ببساطة ان دوره في المرحلة الحالية هو مساعدة المعارضة للتوصل إلى موقف مشترك حول الحرب ومستقبل الديمقراطية في روسيا. يصبح عمري قريبا 60 عاما وهذا عمر متقدم في روسيا. هذا يعني أنه يجب أن نسمح للجيل الجديد بلعب الدور على الساحة السياسية. لهذا السبب، هو يلعب اللعبة الديموقراطية. يقضي ساعات مستمعا إلى نقاشات المجتمع المدني وهو جالس في كرسيه. يتكلم قليلا ولا يصفق عندما تشتعل الصالة. لا يرافقه أي حارس شخصي ويرتدي بدلة غير مكوية ويحمل حقيبة قديمة في يده. لا يملك يختا ولا سيارة مع سائق.عندما خرج من السجن وذهبنا لاستقباله، أراد أكل قطعة لحم مع بطاطا مقلية”، هذا ما يقوله الناطق باسمه الفرنسي بوريس دي راند أيام وجوده في السجن. خودوركوفسكي لا يشبه سائر الأغنياء الروس. فهو يهتم بالسلطة أكثر من اهتمامه بالمال.

يعيش حاليا في لندن في فيلا فخمة جدا هي رفاهيته الوحيدة. وهو متزوج للمرة الثانية من محاسبة في شركته وله منها توأمان. وعنده صبي من زواجه الأول يعيش في نيويورك ويعمل في مجال التكنولوجيا الحديثة. بالنسبة لأعماله، ما يزال مخلصا لأعضاء فريق أعماله الذي كان يحيط به في إداره شركته

 لم يبق له شيء في روسيا. توفي أهله ودار الأيتام التي أنشأها في منزله في موسكو لم تعد موجودة. لا أحد يعرف ما هي ثروته ولا مكان وجودها. هناك صراع قضائي بين المساهمين القدامى في الشركة وروسيا. رسميا، هو ليس معني بذلك لأنه باع جميع حصصه عندما دخل السجن.  أما شريكه القديم ليونيد نيفزلين والذي بقي قريبا منه فهو يعيش في إسرائيل ويطالب دولة روسيا بدفع تعويضات له بقيمة 50,000,000,000 دولار.

يستمر الصراع أمام المحاكم الهولندية منذ 16 عاما. في نوفمبر 2021، ربحت روسيا جولة  ولكن المساهمين في شركة يوكوس يكملون المعركة. من الصعب الاعتقاد أن  خودوركوفسكي لا يكترث بذلك.

 إذا كان هذا الأوليغشاري الكبير وضع حدا لمهنته كرجل أعمال، ما تزال لديه قدرات مالية كبيرة.وهو يخصصها لمركز خودوركوفسكي ولمؤسسته الروسية المفتوحة. 

في نبذة عن حياته على تويتر، يقدم نفسه كأحد قادة المعارضة الروسية إصلاحي وسجين سياسي سابق من سنة 2003 إلى سنة 2013. في كل مناسبة، يدافع عن فكرة روسيا التي ستصبح جمهورية برلمانية وفيدرالية حقيقية حيث المناطق تتحكم فعلا بمواردها.

 يذهب بعيدا جدا في رغبته في طرد بوتين من السلطة. في شهر حزيران الماضي، عندما بدأ قائد مجموعة فاغنر بالزحف نحو موسكو، دعا إلى دعمه وأعطى التفسير الآتي: “هذه ضربة لشرعية بوتين وكل شيء يكسر النظام هو جيد”.

 بعد الثورة الأوكرانية سنة 2014، راهن على هذا البلد ليصبح منصة للمعارضة الروسية ونموذجا معاكسا لروسيا الحالية. وحاول أن يجد مكان له فيها. استقبل بشكل مهذب ولكن بدون حماس. أشار الحكام المحليون له بأن معركته ليست معركتهم، فهم كانوا ينظرون إلى أوروبا ويريدون فصل مصيرهم عن مصير روسيا. فطلبوا منه أن يواصل نشاطاته السياسية بعيدا عن أوكرانيا.

في روسيا، الأثرياء ليس عندهم شعبية. منذ فترة قصيرة، أكد أنه لا ينوي تولي رئاسة البلاد. أنه يعرف أن حظوظه محدودة، بالمقابل، هو يراهن على ممثلي المعارضة الشباب في المنفى. هذا ما تؤكده أولغا بروكوفيفا.

حظ هذا الملياردير ضئيل جدا في لعب دور مباشر في التغييرات المقبلة في روسيا ولكن خسارة بوتين هي بالنسبة له ربح بالوكالة. وهذا هو هدفه الأساسي.

بتصرف عن “لوموند” الفرنسية

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة