الانتخابات الإسبانية.. متاهات سياسية معقدة!

الانتخابات الإسبانية.. متاهات سياسية معقدة!
مدريد  –  عبد العلي جدوبي
 
     أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية  المبكرة في إسبانيا (اقتراع 23 يوليوز 2023) أن إسبانيا ما تزال لم تخرج من أزمتها السياسية، إذ أن هناك تقاربا في النتائج المحصل عليها من طرف الحزبين التقليديين، الاشتراكي والشعبي، أفرزت تلك النتائج  انقساما حادا في المشهد السياسي، دون حصول أي طرف على الأغلبية المطلوبة  (176 مقعدا)، وهذا الوضع حسب المحللين الإسبان سيضعف أية حكومة إئتلافية قادمة!   
    هذا ومن المرجح أن تواجه اسبانيا أسابيع من المفاوضات الإئتلافية، والتي قد لا تسفر عن أي انفراج سياسي، وقد يظهر مأزق سياسي آخر، كالذي حدث بعد انتخابات العام 2015 و2019، وفي كلتا الحالتين سيضطر الناخبون مره أخرى إلى الإدلاء بأصواتهم بعد الجمود السياسي، وقد ينفر الناخب الاسباني من حالات هذه السيناريوهات المكررة، التي قد تكون لها انعكاسات سياسة واقتصادية واجتماعية سلبية، الأمر الذي قد يضعف حضور اسبانيا على المستوى الأوروبي!
    وبعد ظهور  النتائج النهائية للانتخابات، (حصول الحزب الشعبي على 136 مقعدا في البرلمان والحزب الاشتراكي على 122 مقعدا وفوكس 33 مقعدا سومار 31 مقعدا)، بعد ظهور النتائج سارع رئيس الحكومة  بيترو سانشيز للتاكيد على أن حزبه تمكن من الحد من مكاسب المعارضة اليمينية التي هزمت، كما قال في الانتخابات التشريعية (حزب فوكس اليمني المتطرف فقد 19 مقعدا في انتخابات الحالية مقارنة مع انتخابات 2019).
    هذا ويخشى العديد من الإسبان، حسب محلل سياسي بالقناه الأولى للتلفزيون الإسباني، عودة اليمين المتطرف إلى الحكم  _ بالرغم من أن حكم الحزب الشعبي من قبل لم يكن سيئا  _ وكل ما يخشاه الإسبان، سيناريو يعيد إلى أذهان الإسبان ارتباط اليمين المتطرف بالديكتاتورية وحقبة الاغتيالات وقمع الاقليات..!!
    ومن جهه أخرى  أدلى العديد من أفراد الجالية المغربية المقيمة باسبانيا لبعض وسائل الإعلام المحلية تخوفهم في حاله تصدر الحزب الشعبي المشهد السياسي في اسبانيا، خصوصا وأن هذا الحزب يتبنى سياسة  مناهضة للهجرة  وللمهاجرين، وهو أيضا ما حذرت منه الأحزاب اليسارية خلال حملتها الانتخابية،  من أن فوز الحزب الشعبي قد يفتح الباب أمام اليمين المتطرف  لتضييق الخناق على المهاجرين، والتراجع عن الحقوق التي اكتسبوها.. ونشير إلى أن البرنامج الانتخابي لرئيس الحزب الشعبي ألبرتو نونيت فيجو، حمل تراجعا عن الكثير من الإصلاحات التي تبنتها حكومه سانشيز، وخصوصا منها الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وقد أظهرت نتائج الانتخابات ميول الإسبان أكثر من أي وقت مضى نحو اليمين، وهو ما تظهره نسبة التصويت بحصول الحزب الشعبي على 31% من الأصوات، مقابل 28% الاشتراكيين في تصويت البلديات، كما تحصل على سبع مناطق من أصل 12 منطقة في اسبانيا، وهي نتائج جعلت الحزب الشعبي القوة السياسيه الرئيسيه في البلاد.. وبالنسبه لسياسة الحزب في علاقاته مع المغرب أكد ألبرتو نونيت فيجو لوسائل الإعلام الإسبانيه أن العلاقات مع المغرب ستكون على رأس أولويات سياسته الخارجية..
    وما يمكن تأكيده بهذا الصدد، هو أن موقف الحزبين معا، الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي، من قضية الصحراء المغربية هو موقف دولة وليس موقف حكومة، والحزبان  يتبنيان موقف المغرب من الحكم الذاتي، لكن لن يعلنا عنه بشكل رسمي، لأن الموضوع بالنسبه لهم يثير كثيرا من حساسية الرأي العام الاسباني.. وليس من مصلحة اسبانيا، كما جاء في تقرير المعهد الملكي الكانو (وهو معهد للتفكير الاستراتيجي الاسباني، مهمته صنع السياسات، وقراراته يصادق عليها مجلس الوزراء)، ليس من مصلحه اسبانيا قيام كيان هجين في منطقة الصحراء قد يهدد أمن المنطقة برمتها، كما أن الحكم الذاتي كما يراه تقرير المعهد المذكور بالصحراء المغربية، هو الخيار الوحيد الممكن تطبيقه.. وسواء تشكلت الحكومه الإسبانية من طرف الحزب الشعبي، أو تشكلت من طرف الحزب الاشتراكي، فإن موقف الحزبين معا بالنسبه للحكم الذاتي بالصحراء المغربية، لن يتغير بحكم أن قضية الصحراء هي بمثابه الجسر الذي تنبني فوقه العلاقات المغربية الاسبانية، وأن أي مساس بهذه القضية، ستخلق ضررا بالعلاقات بين الدولتين اللتان تشتغلان معا على ملفات هامة اقتصادية واجتماعية وأمنية وثقافية، وملزمتان باتفاقيات عديدة،  حيث تم التوقيع خلال فبراير 2023 أكثر من 20 اتفاقية جديده تهم عدة مجالات،  وهذه العلاقات الثنائية إذا ما وقع فيها توتر سيتضرر  مصالح البلدين وخاصه اسبانيا..
    من جهه أخرى حذر محلل سياسي بالقناة الإسبانية الخامسة من صعود اليمين المتطرف في أوروبا، ووصف هذا الحضور لليمين بالزلزال السياسي، حيث باتت التحالفات اليمينية المتطرفة  كما قال، تحكم دولها وتهيمن على برلماتها وهو لم تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية ..
    الملاحظ هو صعود أحزاب قومية متعطشة “لأمجاد ” الماضي، منها الشعبوية والمحافظة والمتشددة ذات جذور فاشية جديدة،  وغيرهما من الأحزاب المتطرفة  التي باتت تحظى بشعبية لا يستهان بها في أوروبا.
  ومع اقتراب انتخابات الأوروبية المقررة في 2024 شكل فوز اليمين في اسبانيا، التي تعد رابع أكبر اقتصاد في منطقه اليورو،  ضربة قاسية للأحزاب اليسارية الأوروبية، وستكون لذلك طابعا رمزيا كبيرا،  لأن اسبانيا تتولى الرئاسه الدورية للاتحاد الاوروبي..
والخلاصه أن نتائج التصويت في الانتخابات الإسبانية، لم تترك لكتلة اليسار أو اليمين طريقا سهلا لتشكيل الحكومة، وستجد اسبانيا نفسها أمام انسداد جديد في الأفق السياسي، ويرجح أن تكون مرغمة على الدعوة إلى دورة اقتراع جديدة، منتصف ديسمبر القادم.
Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد العلي جدوبي

صحفي مغربي