أطفال لبنان ضحايا التحرش والعنف .. وكسر الصمت لا يكفي!
د. سيلفا بلوط
*وفاة الطفلة لين طالب (ست سنوات) بعد مرور ثمانية أيام على إقامتها مع والدتها في منزل جديها في بلدة المنية شمال لبنان، بعد انفصال والديها، وكشف تقريران منفصلين للطب الشرعي تعرضها للاعتداء الجنسي قبيل وفاتها، وتبين لاحقا من التحقيقات ان جدها هو من اعتدى عليها، فيما طالب والدها بإعدامه.
*قامت السلطات اللبنانية، بإغلاق حضانة الأطفال Garderêve التي صور فيها فيديو يظهر تعرض أطفال لا يتجاوز عمرهم السنة للضرب والتعنيف بداخله، من قبل إحدى العاملات.
*تم اقفال جمعية قرية المحبة والسلام في جبل لبنان، وختمها بالشمع الأحمر، بعد ان تبين ان القصار المتهمين بقضايا جنح الأحداث معرّضين للخطر، فقد أظهرت التحقيقات أن مديرة الجمعية ترتكب أشنع الجرائم بحق الأطفال، وهي متواطئة مع أحد العاملين في الجمعية والذي يتحرش بفتاتين ويحثهما على تعاطي المخدرات. كما أن مديرة الجمعية تُخرج القاصرات إلى الملاهي الليلية ليشربن الكحول، وتستغلهن في تنظيف المنزل وتعنفهن معنويًا، وهي متهمة بجرم الاتجار بالبشر بحيث زوّرت مستندات طفل في الجمعية بمساعدة مختار وأحد المستشفيات وباعته.
كل هذه الحوداث المتتالية إضافة الى ظاهرة رمي مولودون جدد عبرت بشكل متتال في ظرف اقل من 15 يوما، وعاش اللبنانيون صدمات جديدة زادت من وجع الأزمات ومن آلام الروح.
هنا مقالة خاصة بــ “السؤال الآن للدكتورة سيلفا بلوط تضىء فيها على هذا الواقع المستجد وتشير الى خطوات معالجة المشكلات هذه والبحث عن الحلول المناسبة حتى لا تتحول حياة الاطفال الة مجرد تراند إعلامي.
توالت في الآونة الأخيرة، سلسلة حوادث “في غاية الفظاعة” حملت معها انتهاكات نالت من حياة الأطفال، وتمثّلت في الاغتصاب الجنسي والتعنيف والرمي في الحاويات والأكياس السوداء… وكان من نتيجتها أن ماتت طفلة بريئة “قتلاً” بعد أن أنهك حياتها وحش بشري.
كان من الطبيعي وأيضاً البديهي أن يطلق كل ما جرى في نفوس اللبنانيين الرعب والقلق والخوف على أطفالهم. فبتنا، كأخصائيين نفسانيين، نلحظ، أكثر فأكثر، هواجس الأبوين التي تركّزت حول البحث عن كل السبل الممكنة لحماية أطفالهما من أي أذى أو خطر قد يتعرضون له سواء في الحضانة، أو الشارع، أو الحدائق العامة.
وقبل مقاربة محدّدات هذه الانتهاكات وسبل معالجتها، كان لا بدّ من عدم إغفال مسألتين أساسيتين .
تمثلت الأولى في أن الكثير من المواقع الاخبارية والوسائل الاعلامية لم يعرض هذه الأحداث “الرهيبة” إلا لكسب الترند، بحيث أنها لم تألُ أي جهد أو محاولة لعرض الحلول أو الاقتراحات ليصار إلى معالجة نتائج هذه الانتهاكات. بمعنى آخر، جرى إهمال، سواء كان عن قصد أم لا، لمسألة في غاية الخطورة، وتم بذلك انتهاك لأخلاقية المهنة.
أما بالنسبة إلى المسألة الثانية، فحملت الوجه الأكثر إجراماً، وتعلقّت بما حملته الأخبار حول وجود جمعيات “مافياوية” مرخّصة يُقال عنها أنها تعنى بالاطفال استباحت حياتهم وباعتهم تاجرت بهم بدلاً من حمايتهم. وهنا، كان لا بدّ من طرح السؤال الآتي: كم من جمعية معنية بحقوق الأطفال مرخّصة تنتهك حقوقهم وتتاجر بهم وتتستّر بزيّ الشرعية؟! وبالتأكيد، هذا السؤال هو برسم الجهات المعنية.
وبالعودة إلى أسباب السلوك الإجرامي تجاه الأطفال ومحدّداته، فيتجلّى أبرزها في الانحراف الجنسي كالبيدوفيليا، واضطراب المحيط الأسري الذي يمكن أن يتسبب باضطرابات نفسية سلوكية عند الأطفال، والادمان على الكحول والمواد المخدّرة التي تطلق الهذيان والهلوسات وتدفع بالمدمن إلى اضطرابات سلوكية خطيرة قد تطال من الأطفال. ويأتي غياب التربية الجنسية التي مازال يعدّ تناولها في المؤسسات التربوية ” تابو”، للأسف، ليجذّر أكثر الانتهاكات التي تطال طفولة لبنان. ويظهر أيضاً عاملاً أساسياً، ويتبدى في الثقافة الذكورية المتجذّرة التي تعزّز النظرة الدونية للفتاة، وتجيز بالتالي، ضمناً، انتهاك حياة الفتيات على المستويات كافة، بالأخص الجنسي.
أما بالنسبة إلى جملة التوصيات أو الاقتراحات التي تفرضها مقاربة هذه الانتهاكات، فإنها تتطلب مسؤولية جماعية وتعاوناً بين المؤسسات الحكومية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية. ونبدأ بتفعيل القوانين الرادعة مع ضرورة تطبيقها، مروراً بالتربية الجنسية والمتعلقة أيضاً بمخاطر اغتصاب الاطفال، وتأهيل المربّين والمعلّمين والعاملين في الحياة الاجتماعية، وصولاً إلى دعم الضحايا الأطفال وأسرهم، بالإضافة إلى الحث على المشاركة في نشاطات جماعية مفيدة.
ومن جهة أخرى، يتبدّى عرض طرق العلاج المخصّصة لدعم الأطفال ضحايا الاغتصاب والتعنيف حاجة ملحّة نظراً لما ينجم عنها من انعكاسات بالغة الخطورة تطال حياة هؤلاء النفسية والجسدية والاجتماعية.
يرتكز العلاج العلاج السلوكي المعرفي على تحويل الافكار السلبية والسلوك المضطرب اللذين نتجا عن التجربة “الصادمة” التي اختبرها الطفل الى أفكار إيجابية وسلوك سليم. ويأتي العلاج بالكلام أو بالتعبير الكلامي ليسهم في مساعدة الطفل على التعبير عن نفسه و تجربته الأليمة التي مرّ بها.
أما بالنسبة إلى العلاج الأسري، فيطال أفراد الأسرة كافة، وليس فقط الطفل الذي تعرّض لانتهاك. وكما نعلم أنه عندما يتعرض طفل ما لأي اعتداء جنسي، فإنه ينعكس سلباً على افراد أسرته. لذلك يمكّن العلاج الأسري، أفراد الأسرة من تخطي أزماتهم واستعادة التواصل السليم فيما بينهم.
ويظهر بدوره العلاج بالفن والرسم حاجة لا سيّما عند الطفل الذي يعجز عن التعبير الكلامي على تجربته المؤلمة وعن نفسه أيضاً. لذلك، يلجأ على سبيل المثال إلى الرسم ليعبّر عن حالته. ويأتي من ثم دور المعالج ليحلّل ما تمّ رسمه، ويصل إلى توصيفها، أي توصيف الحالة.
لا تنحصر انعكاسات الانتهاكات اللاحقة بالأطفال في حياتهم فقط، بل تطال المجتمع بأكمله باعتبارها تؤسس لتكوين شخصيات راشدة مضطربة ومنحرفة فيما بعد، ولا سيّما في حال لم تتم معالجة هذه الانعكاسات بصورة مبكرة.
في الخلاصة، يعدّ السكوت عن الانتهاكات التي تلحق بالاطفال عاملاً قاتلاً لأنه ينال من حياتهم. ولا بدّ أن يتحمّل كل من يتستر على جريمة بحق طفلة أوطفل مسؤولية قانونية، ليصار إلى معاقبته.
ويبقى السؤال أما آن الأوان لكسر تابو هذا الصمت الرهيب الذي يمعن في قتل أطفالنا؟!