الوجه الآخر لسياسة “سلاح الغذاء”!

الوجه الآخر لسياسة “سلاح الغذاء”!
 
عبد العلي جدوبي 
     كما هو معتاد في معالجة الكثير من المشاكل السياسية والاقتصادية، التي تبرز هنا وهناك في البلدان الفقيرة، نجد أن التحركات الدولية لمعالجة مثل هذه المشاكل لا تأخذ أبعادها المطلوبة إلا في أوقات متأخرة وبعد أن تكون قد تسببت في وقوع كوارث لا حصر  لها ..
   فبسبب تعطيل صادرات الحبوب من أوكرانيا وروسيا تأججت الأسعار في السوق الدولية حسب الخبراء، وما تزال تداعياتها تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي، بعد انسحاب روسيا من الاتفاق الذي يسمح بتصدير القمح الأوكراني عبر البحر الأسود، كما أن قرار الهند ثاني أكبر منتج للقمح في العالم بحظر تصديره وبسبب تراجع الانتاج لديها، قد زاد الوضع تأزما، مما ينذر بكارثه غذائيه عالمية.
   ومعلوم أن روسيا تتربع على رأس قائمة مصدري القمح عالميا، بحجم صادرات يصل إلى 35 مليون طن سنويا.
   كل التقارير الصادرة عن منظمة التعاون والتنمية تقر بأن الحرب الروسيه الأوكرانية خلقت أزمات اقتصادية عالمية، وعجلت بالركود الاقتصادي في عدد من دول مجموعة العشرين، وفي عدد من دول العالم، وعملت على تعطيل الإمدادات العالمية من الغذاء والوقود والأسمدة، وأدى ذلك إلى تفاقم الوضع المأساوي لملايين الأشخاص في بقاع المعمور..!
   من أين ينبع هذا التناقض المرير، بين امتلاك جميع إمكانيات الرفاه وبين واقع المجاعة الذي يهدد العالم؟! فلم تعد  مشكلة الغذاء مجرد مشكلة اقتصادية  لأنها أصبحت في المقام الأول مشكلة سياسية كما يبدو الآن إبان الحرب الروسية الأوكرانية، بعدما فشلت خطط التنمية في البلدان الإفريقية وفي وبعض دول أمريكا اللاتينية، والتي تعاني أكثر من غيرها من نقص كبير في التغذية وفي سد الفجوة الغذائية أو تضييقها، فقد ظلت هذه الفجوة تتسع وأصبحت في الوقت الراهن في خضم هذه الحرب واحدة من أكبر التحديات التي تواجه ساكنة العديد من الدول الفقيرة في العالم.
   مشاكل القارة الافريقية على وجه الخصوص وبعض دول أمريكا اللاتينية ليست جوعا وجفافا فقط، بل إنها ترزخ تحت عبء ديون سنوية تبلغ في المتوسط 35 مليار دولار، ولا شك أن مشاكل بهذه الضخامة والخطورة، لم تكن وليدة عقد أو عقدين من الزمان، لقد كانت هذه المشاكل قنابل موقوتة زرعها الاستعمار قبل مائة عام تقريبا، حينما حدد مؤتمر برلين مناطق النفوذ الاستعماري، وفي عقد الخمسينات أخدت الدول الاستعمارية تتسابق لاِجتثاب ثروات القارة السمراء بالخصوص قبل الرحيل وتهريبها، من ذهب وألماس منغنيز ونحاس ويورانيوم.
   وهناك أكثر من تفسيرات جاءت في تقارير البنك الدولي لسبب هذا العجز، ركزت في مجملها على أن  النمو الديموغرافي لعدد من الدول الفقيرة هو الذي يتسبب في عرقلة عملية التنمية الاقتصادية والثقافية، ونتيجة لاِتساع الفجوة، وانخفاض الاكتفاء الذاتي للسلع الغذائية ازدادت الحاجة إلى استيراد السلع الرئيسية، في مقدمتها القمح الذي أصبح بعض الحرب الروسية الأوكرانية سلاحا في يد الدول الغربية، وأصبح الحصول عليه صعب المنال وفق شروط الأقوى!
   والواقع أن تقارير البنك الدولي ترقص دائما على النغمة المحببة عند القيادات السياسية الاقتصادية في الدول الغنية، نغمة الانفجار السكاني ومسؤوليته الرئيسية في تخلف الدول الفقيرة وحاجتها الملحة للغذاء، وفي هذا الصدد قال الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك قبل سنوات حول هذا الموضوع، في مؤتمر اليوم العالمي للغذاء: “يوجد في العالم 4 مليارات شخص يأكلون، ومليار شخص لا يأكلون، بسبب أنانية أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية “.
   فإلى متى ستظل  المجاعة ذلك الشبح الذي يهدد البشرية؟ وكيف الوصول إلى محاصرة هذا الداء المخيف الذي يهدد بانقراض سكان المعمور؟! إلى متى  ستتوقف الحرب الروسية الأوكرانية؟! وأيضا إلى متى ستظل الدول الفقيرة والنامية تحت رحمة  الدول الغنية لإطعامها؟! فأراضي الدول العربية لوحدها إذا ما استغلت استغلالا مثاليا تستطيع الحصول على الاكتفاء الذاتي، بل وتصدر الفائض، بحكم تواجد الأراضي الزراعية الشاسعة لديها، وتوفرها على اليد العاملة، وفرشة مائية هامة..!!
Visited 7 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد العلي جدوبي

صحفي مغربي