علال الفاسي .. الزعيم (1 – 4)

علال الفاسي .. الزعيم (1 – 4)

جورج الراسي

بعض الأسماء ارتبطت بأوطانها ارتباطا  وثيقا فلا تذكر الواحد دون أن تذكر الآخر. فعندما تقول الصين تفكر تلقائيا بماو تسي تونغ، وعندما  تذكر فرنسا لا بد ان يخطر على بالك اسم ديغول، وعندما  تتحدث عن تاريخ انكلترا لا يمكنك تجاهل ونستون تشرشل، وعندما تراجع تاريخ المغرب الحديث يقفز تلقائيا على سطح الأحداث اسم علال الفاسي.. الزعيم.

اسقاط “الضهير البربري” أولا

لقد رافق علال الفاسي تاريخ المغرب منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي مع نمو الحركة الوطنية المغربية .فكان من أوائل الذين أرادوا إعطاء وجه جديد للدين داعيا إلى ما اسماه “الدين الصحيح” من خلال مداخلاته في مجلس الفقيه العربي العلوي في فاس حيث رأى النور عام 1910.

 لقد حارب “الصورة الأخرى” للإسلام التي أعطاها الدراويش ورجال الزوايا في حماية الإحتلال.

وقد بدأ مساره السياسي عام 1926  من خلال المساهمة في انشاء عدة منظمات سرية  انتهت عام 1930 إلى  تأسيس “لجنة العمل المغربية ”  Comité d’Action Marocaine” ، التي تعتبر أول حزب سياسي  منظم اخذ على عاتقه مقارعة نظام الحماية   .

أهم معارك تلك المرحلة كانت ضد “الضهير البربري” الذي اصدرته سلطات  الإنتداب الفرنسي في 16  أيار/ مايو عام 1930 بغية إثارة الانقسام بين أفراد الوطن الواحد. وكان اسقاط هذا الظهير البداية الفعلية للحركة الوطنية المغربية الحديثة.

 تسبب له ذلك بدخول السجن مرات عديدة، وصدر قرارعام 1936 يقضي بحل ذلك التنظيم، فما كان منه إلا ان جمع اعضاء اللجنة المنحلة واسس  معهم “الحزب الوطني” الذي تعرض للحظر بدوره عام 1937 .

              اللقاء مع شكيب ارسلان والمنفى

من العلامات الفارقة لتلك المرحلة لقاؤه مع الداعية النهضوي اللبناني  شكيب ارسلان في جنيف عام  1937 ، بصحبة رفيق دربه الحاج محمد بنونه  

وكان أرسلان الصوت الجامع الذي التفت حوله في تلك المرحلة كل   زعامات الجيل الجديد في مغرب الوطن ومشرقه من أجل النهوض بالأمة، وإزاحة قيود الإستعمار بكل أشكاله.

ووسع علال الفاسي دائرة اتصالاته على امتداد المشرق العربي الأمر الذي حفز سلطات الإحتلال إلى نفيه إلى الغابون، فكان الزعيم الوطني المغربي الثاني، بعد الأمير عبد الكريم الخطابي، الذي يسلك طريق المنفى،  فبقي في ذلك البلد الإفريقي  طيلة ثماني سنوات. 

                        حزب الإستقلال

في 11  يناير/كانون الثاني 1944 تم الإعلان عن تأسيس “حزب الإستقلال”، وتم اصدار “بيان الإستقلال” في ظل غيابه. لكن مؤسسيه اعتبروه هو “الزعيم” وهو “المؤسس”، ونما الحزب وتتطور وقائده في المنفى .

عام 1947 استقر علال في القاهرة حيث ساهم مع رفاقه الوطنيين المغاربة والجزائريين والتوانسة في تأسيس “مكتب المغرب العربي” الذي ترأسه بطل الريف عبد الكريم  الخطابي .

وبين عامي 1947 و1955 كان علال يتنقل بين القاهرة وطنجة، واستفاد من تلك المرحلة للقيام بالعديد من الرحلات الى آسيا وأوروبا والأمركيتين بصفته ناطقا بلسان الحركة الوطنية.

                         نداء القاهرة

في 20 آب/أغسطس 1953، تاريخ نفي الملك محمد الخامس والعائلة المالكة، اعلن علال من القاهرة نداءه الشهير، داعيا للمقاومة المسلحة . وقد قامت إذاعة “صوت العرب” من القاهرة ببث ذلك النداء .

دان علال إقدام الجنرال الفرنسي Guillaume على توقيف الملك وولي عهده مولاي الحسن والأمير مولاي عبد الله،  وارسالهم على متن طائرة عسكرية الى جزيرة كورسيكا، بعد أن قطعوا الطريق على رجال القبائل المتوجهين إلى القصر لتهنئة الملك بالعيد الكبير.

ودان البيان حكم  “الحديد  والنار” الذي تفرضه السلطات الفرنسية على البلاد، منتهكة كل مبادئ الحق والعدل، ومعتدية على سيادة المغرب وعرشه، وعلى الإسلام والعروبة وبكل ما التزمت به في المواثيق والمعاهدات.

 وذكر النداء ان فرنسا لم تنتهك كرامة المغاربة وحدهم بل كذلك شرف المؤمنين ونبل العروبة.

ويضيف علال في ندائه الشهير: “بصفتي زعيم حزب الإستقلال واحد علماء جامعة القرويين، الذين يحق لهم وحدهم تنصيب الملوك أعلن على رؤوس الشهود ان ملك المغرب كان وما زال جلالة الملك محمد الخامس، وان ولي عهد المملكة الشريفية هو مولاي حسن إبنه البكر، ونحن لا نتعرف على أي ملك او رئيس آخر تسميه السلطات الفرنسية. كما لا نعترف بأي قانون صادر عن فرنسا او عن أحد أعوانها.

اتوجه إذن إلى الشعب المغربي بمواصلة النضال من أجل الإستقلال وبذل كل الجهود لعودة الملك إلى عرشه”.

ويختم علال نداءه بفعل إيمان بمقومات الشخصية المغربية قائلا: “إن المغرب وملكه وشعبه يعملون على الدفاع عن الإسلام وعن اللغة العربية،  ويعانون من الغضب الذي يعتري فرنسا بسبب تمسكهم بالمؤسسات الإسلامية وبالأمة العربية العظيمة إن الله معنا والنصر سيكون حليفنا”.

ولم يعد علال إلى المغرب إلا بعد عودة السلطان واعلان الإستقلال ببضعة أشهر  في نوفمبرــــ تشرين الثاني  1955 .

 يتبع ــــ الجزء 2 علال الفينيقي

Visited 36 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

جورج الراسي

صحفي وكاتب لبناني