أزمة العملة الروسية مستمرة

أزمة العملة الروسية مستمرة

د.خالد العزي

لم يقض رفع سعر الفائدة الرئيسي للعملة في البنوك، على أسباب الخلل المالي في روسيا، حيث أثرت الزيادة في سعر الفائدة الرئيسي من قبل البنك المركزي على الاقتصاد، لكنها لم تلغ الأسباب الرئيسية لأزمة العملة المرتبطة بنقص العملات “غير الصديقة” في البلاد.

يعتقد الخبراء الغربيون أنه لا يمكن تخفيف الأزمة إلا من خلال العودة الإلزامية لعائدات النقد الأجنبي للمصدرين. وليس من قبيل المصادفة تجاهل قرار البنك المركزي برفع السعر الروبل، فيما تنتشر شائعات عن ان عودة أرباح العملات الأجنبية أدت إلى تباطؤ معدل انخفاض قيمة العملة الروسية. ولكن حتى إذا تم تشديد القيود على الصرف الأجنبي، فسوف يستمر ضعف الروبل.

تناقش الإدارات ذات الصلة والبنك المركزي مع الشركات المصدرة تدابير لتحقيق الاستقرار في سعر صرف الروبل، مع الأخذ في الاعتبار عودة المعيار للبيع الإلزامي لأرباح النقد الأجنبي (حتى 90% منها)، بحسب  وكالة إنترفاكس الروسية الصادرة بتاريخ 17اب/اغسطس2023.

المشكلة  المالية الروسية والاجراءات المطلوبة :

لم تنفع كل العمليات التي حاول البنك المركزي فرضها لحماية الروبل من الانهيار من خلال ضبط سوق الصرف ومراقبة العملات الاجنبية والإقبال عليها ومحاولة روسيا فرض تبادل تجاري بالروبل الروسي مع الدول الصديقة لها واقامة فيزا كارت ميل لتسهيل الدفع  لكن الانهيارات باتت تسيطر على الاسواق ولا يمكن الحد منها .

بالرغم من الاجتماعات الحكومية الطارئة  في روسيا لمناقشة الوضع لان السبب الرئيسي لهذه الاجتماعات الطارئة هو أن الروبل لم يتفاعل مع الزيادة الحادة في سعر الفائدة الرئيسي من قبل مسؤولي البنك المركزي. وعلى الرغم من الإجراءات المتهورة للسلطات، استمرت العملية في الضعف حتى اللحظة التي انتشرت فيها شائعات حول إدخال عودة إلزامية لأرباح النقد الأجنبي. واتضح أن هذه الشائعات وحدها أكثر فاعلية من جهود إدارة البنك المركزي، على الأقل من حيث إبطاء تخفيض قيمة العملة.

وبالرغم من عقد اجتماعات متتالية لكبار المصدرين مع قيادة الحكومة والبنك المركزي ووزارة المالية ووزارة التنمية الاقتصادية ووزارة الطاقة. حيث كان الهدف إيجاد تدابير للتغلب على أزمة العملة، ولكن السؤال المطروح على أجندة الاجتماعات حول شفافية توزيع أرباح النقد الأجنبي داخل الشركات واحتمال استخدام “الوسطاء، وقد تم مناقشة إمكانية مراقبة تراكم العملات الأجنبية في الخارج.

إن تزايد عدم الشفافية في تسعير النفط الروسي المُصدَّر هو أحد المشكلات الرئيسية لصادرات النفط الروسية، فعند تصدير النفط الروسي، هناك مخططات رمادية، فمن المستفيدون منها، وهذا شيء من بين أمور أخرى، فإن السلطات الروسية مستعدة لإعادة آلية بيع أرباح النقد الأجنبي في السوق المحلية وقد طرح الخيار الأساسي في هذه الحالة هو العائد للبيع من 70 إلى 90% من أرباح العملات الأجنبية. (يذكر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أدخل مثل هذا النظام بمرسوم فور بدء العملية الخاصة الأوكرانية).

بالإضافة إلى الإعادة الإلزامية للعملة، ويجري النظر في حظر دفع أرباح الأسهم والقروض في الخارج، حتى بالروبل، وإلى الدول الصديقة. في إجراء آخر هو حظر الإقراض الى  أقسام التجارة الخارجية، وكذلك حظر المعاملات الأخرى التي يمكن تصنيفها على أنها سحب الأموال في الخارج.  وهنا نرى بان  المصدرين الذين يتهربون من عودة العائدات قد يواجهون قيودًا على تمويل ما قبل التصدير والدعم وإجراءات الدعم.

 والجدير ذكره بان الرئيس  فلاديمير بوتين ناقش بتاريخ 17اب /اغسطس 2023 مع السلطات الروسية مسألة تشديد ضوابط الصرف الأجنبي بعد فشل رفع سعر الفائدة الرئيسي في وقف انخفاض الروبل. وسيستمع بوتين إلى مقترحات وزارة المالية بالاتحاد الروسي بشأن التحويل الإلزامي لجزء من عائدات النقد الأجنبي للمصدرين، والتي يتم تخزين معظمها في الخارج. من المرجح ألا تتوافق أزمة العملة الحالية في الاتحاد الروسي مع النمط الكلاسيكي لكوارث العملة في الأسواق الناشئة، وبدلاً من الانخفاض الحاد في قيمة الروبل، سيبدأ هبوطه البطيء.

لقد شهدت روسيا ازمة مالية كبيرة في مطلع الأسبوع الحالي حيث ارتفع صع الروبل الى مائة روبل مقابل  الدولار الواحد بالرغم من الوقوف الاصطناعي للروبل على سعر 80 روبل  مقابل الدولار الواحد .

فان رفع المعدل الأساسي إلى 12% إجراء ضار للغاية”. للعملة الروسية، فإن سعر صرف الروبل مقابل الدولار في مواجهة العقوبات والانقطاع عن سوق العملات العالمية لا ينبغي أن يكون مدعوماً بالأدوات التقليدية حاليا.

لكن قيادة البنك المركزي الروسي تتصرف في الظروف الجديدة وفق الوصفات الأمريكية القديمة، والتي لا تعطي اليوم نتيجة إيجابية، بل سلبية. المؤشرات الاقتصادية الموضوعية في الاتحاد الروسي مواتية للغاية: التضخم يزيد قليلاً عن 3% ، ويبقى فائض الميزان التجاري.

لذا تتزايد أرصدة حسابات المراسلين للبنوك، مما يشير إلى تباطؤ سرعة حركة الأموال. في ظل هذه الظروف، من الضار للغاية رفع سعر الفائدة الرئيسي،وهذا سيؤدي إلى زيادة تكلفة القروض وتباطؤ النشاط الاستثماري ، حيث لا يوجد نمو بعد. كما يمكن ضمان الاستقرار في سوق الصرف الأجنبي ، الذي تتعرض روسيا منه للضغط أكثر فأكثر إدارياً دون تقويض النمو الاقتصادي، من خلال توطين هذا السوقز

ووفقًا لذلك، يجب إعادة البيع الإجباري لعائدات النقد الأجنبي من قبل المصدرين، ويجب ألا يتم بيع وشراء العملة نفسها عبر البورصة، ولكن من خلال البنك المركزي بالسعر المحدد. وسيؤدي مثل هذه الآلية إلى إبطال مداخيل ومهارات وإمكانيات المضاربين الأقوياء والمؤثرينز

 ويجب الاهتمام المباشر للمسؤولين الروس بنجاح الأنشطة المدمرة لأكبر اللاعبين في العملة. حيث يجب أن يكون للصادرات إما ما يعادل استيراد سلعة أساسية، أو أن يتم إجراؤها مقابل عملة لها قوة شرائية في السوق العالمية. ويجب تخفيض معدل دوران التجارة الخارجية غير المكافئ إلى الحد الأدنى، والذي تحدده قيود السياسة الخارجية في شكل امتنان للولاء.

لا يزال من غير الواضح ما الذي تسبب في مزيد من الضرر للاقتصاد الروسي: انخفاض بسبب انخفاض الفائض التجاري، أو فائض تجاري قياسي في عام 2022، والذي تحول إلى تدفق رأسمالي إلى الخارج بأكثر من 200 مليار دولار.

الروبل مدعوم بالمعلومات التي تناقشها السلطات مع كبار المصدرين حول تدابير مختلفة لتحقيق الاستقرار في العملة الوطنية. صحيح أن هناك عقبات أمام عودة القيود الفعلية على العملة. فإن حقيقة النية في محاربة الانخفاض غير المنضبط الى قيمة الروبل قد أدت بالفعل إلى انتعاشة الملموس .

إن سداد ديون روسيا الخارجية أصبح المشكلة الرئيسية المزعزعة للاستقرا ، مما يؤدي إلى أزمة عملة ويهدد الاستقرار المالي ، فقبل بدء العملية الخاصة، كان أكثر من 98% من جميع الالتزامات التجارية للديون الخارجية بالعملة الأجنبية بعملات دول غير صديقة وحوالي 96.5% بالدولار واليورو. ويؤدي تخفيض الميزان التجاري بالعملة الأجنبية إلى حدوث عجز في العملة. ومن الممكن إعادة تمويل الدين الخارجي بعملات الدول المحايدة (الاحتمال الوحيد هو الصين)، لكن الصين حتى الآن ليست حريصة على منح روسيا موردًا ماليًا ز

وبحسب آخر البيانات الصادرة عن البنك المركزي، فإنه في الأشهر الـ 12 المقبلة من بداية الشهر الرابع من العام  2023 ، يجب سداد 67.5 مليار دولار من الديون قصيرة الأجل و 62.5 مليار أخرى من الديون طويلة الأجل التي من المقرر سدادها. أي حوالي 130 مليار دولار فقط مقارنة بـ 165 مليار دولار قبل بدء العملية الخاصة.

 

Visited 10 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني