كيف تخلص زعماء الأنظمة الشمولية من المقربين .. آل الاسد نموذجاً فظاً (حلقة ثانية)

كيف تخلص زعماء الأنظمة الشمولية من المقربين .. آل الاسد نموذجاً فظاً (حلقة ثانية)

حسين قاسم

يتشابه سلوك الانظمة الشمولية التي سادت العالم بعد الحرب العالمية الثانية، كان النظام السوري في عهد حزب البعث، النموذج والمثال للأنظمة الديكتاتورية، شهدت الدولة السورية الفتية انقلابات عسكرية متتالية، وكل انقلاب يُكيل شتى انواع التهم للانقلابيين اللذين سبقوه، فيلجأ لتصفيتهم او رميهم في السجون دون محاكمات، كان لكل نظام أساليبه الخاصة في ممارسة الحكم، هذه شهادات مكثفة لمرحلة عايشناها، بهذا الشكل او ذاك، لا سيما بعد إماطة اللِّثام عن العديد من احداثها والتفاصيل.

أصدر حافظ الاسد أمراً بصفته وزيراً للدفاع في حرب حزيران ١٩٦٧، للقوات السورية التي كانت تخوض المعارك في الجولان،  بالانسحاب من بلدة القنيطرة قبل وصول الجيش الاسرائيلي إليها، ثم حمَّل مسؤولية الهزيمة لرفاقه في قيادة الحزب والدولة، وكرر الاسلوب ذاته عند تعرض الفدائيين الفلسطينيين لمجازر ايلول في العام ١٩٧٠ في الاردن، ارسلت القيادة السورية قوة من الجيش لمناصرة المقاومة الفلسطينية، رفض حافظ الاسد تأمين التغطية الجوية للقوات السورية المتقدمة بصفته قائداً لسلاح الطيران، مُنيَ الجيش السوري بهزيمة فادحة اثر تصدي الطيران الحربي الاردني له، حمَّل الاسد المسؤولية للقيادة العليا بالتدخل واعتبره مغامرة يسارية غير محسوبة، كان يُطلق على جناح الاتاسي (رئيس الدولة) وصلاح جديد (الامين العام لحزب البعث) بالجناح اليساري، مما ساهم بانتاج اجواء مناسبة للقيام بانقلابه الشهير في العام ١٩٧٠ واطلق عليه الحركة التصحيحية، نجح الانقلاب وكان مصير رفاقه في قيادة حزب البعث والدولة السورية، اعتقالاً وقتلاً ونفياً،  دون محاكمات ولا تقييمات او مراجعات، وهكذا صار بطل الهزائم رئيساً للدولة السورية.

لم تُجمِع المراصد ولا مؤسسات الابحاث عن العدد الحقيقي لضحايا المجزرة التي ارتكبها نظام الاسد في مدينة حماة السورية في العام ١٩٨٢، لكن جرى منذ حينه ترداد ان العدد فاق الثلاثين الفاً، بهذا الاطار ممكن التوقف عند ملاحظتين هامتين للدلالة على أسلوبه في القيادة، الأولى هي ان الرئيس الاسد الذي اصدر اوامره شخصيًا بتنفيذ الهجوم على المدينة، حرص ان يُشرِك قطاعات الجيش كُلِّها بتلك المجزرة، لتلويث ايادي كل ضباط القوات المسلحة فيها ، كي لا يبقى احد يقول يوماً انا بريء من دم هذا الصديق. الملاحظة الثانية والمهمة والتي اغفلها الاعلام لا سيما الاعلام الغربي وسببها الدهاء الذي ميَّز حافظ الاسد عن غيره من الرؤساء ، وهي ان المجزرة التي حصلت في شباط ١٩٨٢ اي انها سبقت الاجتياح الاسرائيلي للبنان بأربعة أشهر، فأراد ان يرسل اشارات بانه غير معني باي حرب تستهدف المقاومة الفلسطينية في لبنان، لقاء سكوت الغرب عن مجزرة حماة، فعلاً وحتى اليوم ما نبس احد ببنت شفة عن تلك المجزرة الرهيبة. بيد ان بطل المجزرة الذي لمع اسمه كأبرز مرتكب ومشترك بها، وهو قائد وحدات سرايا الدفاع رفعت الاسد شقيق رئيس النظام حافظ الاسد، وللدلالة على صحة الملاحظة الثانية الآنفة الذكر، فقد صال رفعت وجال في بلاد الغرب ولم يتعرض له احد سوى التعرض الخجول مؤخراً بان قامت عدد من الدول الاوروبية بمصادرة املاكه وإبعاده بدل اعتقاله ومحاكمته وإعادة ثروته الى الشعب السوري، علماً انه حاول الانقلاب على اخيه في العام ١٩٨٣ اثر تعرض رئيس النظام لنوبة قلبية، لكن المحاولة فشلت ولم تشفع لرفعت الاسد دوره في مجزرة حماة ولا دوره في حماية نظام شقيقه، فجرى تجريده من صلاحيته وابعد من سوريا ليعيش في ترفٍ في اوروبا بما جمعه من نهب للمال العام في سوريا.

رجلٌ آخر، لمع اسمه في نظام حافظ الاسد، وهو قائد الوحدات الخاصة السورية علي حيدر، هذه الوحدات كان لها ادوار عسكرية مختلفة في حروب الجولان وفي لبنان وفي مجزرة حماة، لكن الدور الابرز لها كان في اعتبارها احد اعمدة حماية نظام آل الاسد ويعود لها الفضل الاساس في افشال المحاولة الانقلابية لرفعت الاسد في العام ١٩٨٣، ومع ذلك فقد تم تجريده من صلاحياته باسلوب مافيوي، بسبب انتقاده للطريقة التي يصعد بها باسل ابن حافظ الاسد سُلَّم الحكم، تقول الرواية انه عندما قرر الرئيس الاسد ابعاده استفسر من هو اكثر مسؤول امني تجمعه علاقة شخصية ودية مع علي حيدر، جاءه الجواب انه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية العماد علي دوبا، جهّزَ الاسد قرار الاعتقال  والفصل والتجريد بحق علي حيدر واستدعى علي دوبا، دخل دوبا عليه وهو في مكتبه كالعادة، فامره الاسد بتأدية التحية العسكرية وتنفيذ القرار الموجود على مكتبه، حاول التكلم فلم يسمح له وأمره بالانصراف، وهكذا تم اعتقاله ومن ثم تجريده من صلاحياته واحالته لاحقاً على التقاعد. واللاَّئحة تطول والامثلة لا تُحصى.

اخيراً، في مطلع ثمانينات القرن المنصرم أنشأ المرحوم الصحافي طلال سلمان في صحيفته “السفير” زاوية المجالس بالامانات، نشر فيها سلسلة حلقات عن رئيس النظام السوري آنذاك حافظ الاسد، وهي اتت بعدما وافق الاسد استضافة سلمان في قصره بمحلة المهاجرين بدمشق، كانت الحلقات متشعبة، فيها الخاص والعام، السياسي والتاريخي، لفت نظر الاستاذ طلال ان الغرفة التي تقع ما قبل غرفة نوم الرئيس، تحتوي على ١٦ عشر آلة هاتف لمجموعة خطوط هاتفية ساخنة اي خطوط مباشرة مع مسؤولي الاجهزة الامنية والعسكرية الاساسية في الجيش والدولة، سأله لماذا عددها ١٦، اجابه الاسد بالحقيقة وفعلياً هي ثمانية، لكن انا عندما انشأ جهازاً لمهمة معينة فأنشأ معه مباشرة الجهاز المنافس فالمنافسة تعزز الجودة بالعمل، علَّق سلمان، المقصود الجودة ام قوة الولاء، اجاب الاسد الاثنتان. تابع ناشر السفير سائلاً هذه طريقة متعبة لك فلماذا لا تجمعهم بشخص او اكثر، قاطعه مَضيفه هل تستعجل عليَ الرحيل، ثم استطرد من السهل ان يتفق ضدي اثنان او ثلاثة لكن من الصعب بمكان ان يجتمع ضدي ستة عشر شخصاً، ثم تابع الاسد استطراداته التي كان يشتهر بها، انني لا احب الظهور بمناسبات عامة بل ما يحصل هو مفروض من اصول القيادة لرئيس الجمهورية، انما انا احب وارغب بقرأة التقارير، لا سيما تقارير الاجهزة المختلفة، وليس سراً ان قلت بأنني أقرأ اصل التقارير الملخصة لكي اعرف كيف يلخص المسؤولين تقاريرهم ولكي افهم خلفياتهم ايضاً وكيف يفكرون.

يتبع حلقة ثالثة عن مصر عبد الناصر والعراق صدام وليبيا القذافي

 

Visited 8 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين قاسم

ناشط وكاتب سياسي لبناني