لبنان وحلول الشرق الاوسط المقبلة

لبنان وحلول الشرق الاوسط المقبلة

 أحمد مطر

يغلي الشرق الأوسط بتطورات سياسية وعسكرية واقتصادية اليوم، إذ يتفاوض الجميع مع الجميع ميدانياً، لتكريس المكاسب قبل إبرام الصفقات: الولايات المتحدة والسعودية وإيران وإسرائيل. وفي النتيجة، الأقوياء هم الذين سيتقاسمون الحصص ويرسمون معاً مستقبل الكيانات الضعيفة والغارقة في أزماتها بلا أفق. ولبنان واحد منها، فهو شهد حركة موفدين خارجية تسعى للتوصل إلى تسوية في الملف الرئاسي، وتتقدمها زيارة جان إيف لودريان، تواكبها اتصالات قطرية موازية، لا تظهر مؤشرات ملموسة يمكن أن تقود إلى إنضاج تسوية رئاسية تشكل مدخلاً للحل، خصوصاً مع ارتفاع سقف المواقف الخلافية وظهور مزيد من التجاذبات الداخلية، وعدم نضوج البدائل المقترحة للرئاسة، فيما الوقت يدهم الجميع في ظل استمرار الفراغ وقبل أن تتبلور صفقة إقليمية ودولية تكسر المراوحة التي تهدد البلد بوجوده.  

لا يظهر في الأفق ما يشير إلى إمكان نجاح لودريان في جمع الأفرقاء، مع رفض أطراف أساسيين وكتل معارضة من المسيحيين حواراً بشروط حزب الله. وبينما يراهن بعض أفرقاء الممانعة على إمكان أن يحقق لودريان تقدماً في الملف الرئاسي، بعزل القوى المعترضة على الحوار، إلا أن الأولويات الخارجية تجاه لبنان اختلفت وفق مصدر ديبلوماسي لبناني خصوصاً بعد الزيارتين الأخيرتين لكل من الموفد الأميركي آموس هوكشتاين ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إلى بيروت، وإطلاقهما مواقف تتخطى الشأن الرئاسي،إضافة إلى دول اللقاء الخماسي الذي بات الفرنسيون وكأنهم يغردون خارجه .

حتى الآن لم تعلن باريس فشل مبادرتها الأولى على رغم التغيير في طرح لودريان بعد لقاء الدوحة، وهي تصر على ممارسة دور تعتبره راعياً أكثر من وسيط للتسوية، وإن كانت مبادرتها لا تحظى بتأييد الفرقاء المسيحيين.

سعت فرنسا إلى الحصول على جرعات دعم لمهمة لودريان، بهدف تحقيق نتائج إيجابية لمبادرتها. عقد لقاء فرنسي  سعودي في باريس، وتزامن مع اتصالات فرنسية- أميركية للتفاهم على وجهة محددة لتحرك المبعوث الفرنسي، لكن من دون التوصل الى اتفاق على طرح أسماء للرئاسة، لكن باريس لا تزال أسيرة مبادرتها السابقة التي لم تستطع الخروج منها كلياً .

ويبدو أن الاهتمام الدولي المستجد بلبنان والذي يشدد من خلال بيانات الدول المعنية على ضرورة انتخاب رئيس ، لا يعني اتفاقاً على قرار بفرض تسوية، طالما أن الأمور لم تنضج بعد في ملفات مرتبطة بالتوازنات الإقليمية والدولية. ويظهر أنه لا تزال هناك اختلافات في وجهات النظر بين فرنسا ودول الخماسية حول الوضع اللبناني، خصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية التي لم تدعم مبادرة المقايضة الفرنسية بتبنيها لخيار فرنجية. وعلى رغم تنسيق باريس مع دول لقاء الدوحة الخماسي تأتي زيارة لودريان في لحظة تحولات في المنطقة، خصوصاً مع تقدم الأميركيين وعودتهم إلى لبنان عبر ملفات الترسيم الحدودية والملف المالي، فيما الإيرانيون يرتكزون في تحركهم على قوة حزب الله وما يفرضه من هيمنة على المسار اللبناني وقدرة على التعطيل .

يتضح من خلال هذه الوقائع أن الفرنسيين لا يستطيعون وحدهم إدارة حوار للوصول الى تسوية للاستحقاق الرئاسي، إذ أن تأثيرهم اليوم بات ضعيفاً وينعكس على مبادرتهم. ويتبين من خلال المعطيات أن الولايات المتحدة هي اللاعب الأكثر تأثيراً وفق ما تقرره من أولويات حول الملفات المطروحة. وإذا كانت لم تحسم خياراتها الرئاسية أو أنها لم تقرر في هذا الاستحقاق، فإن أولويتها لبنانياً على ما أظهرته جولات هوكشتاين الأخيرة ومواقفه حول ترسيم الحدود البرية، يبقى الحدود اللبنانية ، الإسرائيلية والتنقيب عن الغاز والنفط كملف ضامن للاستقرار في المنطقة، اي أن هذا الأمر مرتبط بأولويات واشنطن الاستراتيجية، وليس التسوية الرئاسية .

لم يعلن الفرنسيون موقفاً واضحاً من عودة اسم قائد الجيش الى الواجهة كمرشح تسوية، أما التطور الذي حدث بلقاء جوزف عون والنائب محمد رعد، فلا يبدو أنه سيفرض نفسه على جدول الحوار الفرنسي، لكن لقاء حزب الله بعون ليس رفعاً للفيتو عنه، انما له وفق سياسي لبناني متابع حسابات ضمن أجندة الحزب ترتبط بالحوار مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وأيضاً تجاه الأميركيين للقول أن الجيش لن يكون تحت العبائة الأميركية. أن هذا اللقاء يستثمره حزب الله لرفع الاتهامات عنه بأنه غير منفتح على أسماء أخرى للرئاسة، ولا يعني التخلي عن سليمان فرنجية، وهو ما أكده الشيخ نعيم قاسم أخيراً عندما حدد الشروط التي يريدها وهي ليست متوافرة إلا عند فرنجية.

سيبقى الوضع اللبناني في دائرة الفراغ خلال الأشهر الثلاثة المقبلة التي تشكل مخاضاً صعباً في ظل الفراغ فحتى لو حققت الحركة الديبلوماسية الدولية تقدماً، إلا أن التسوية تحتاج وقتاً لتتبلور أقله حتى نهاية السنة وفي هذا الوقت تشارف ولاية جوزف عون على الانتهاء فيما الأولويات الأميركية لبنانياً أو الاهتمامات المباشرة لواشنطن على هذه الساحة تتصل بحزب الله وإيران، انطلاقاً من الحدود التي يسيطر عليها الحزب والمقرر بشأنها، فالحسم فيها يفتح مباشرة على الاستحقاقات الأخرى.

ختاماً سيكون على لبنان أن ينتظر تبلور الصفقات الإقليمية والدولية ليتقرّر مصيره كدولة، بل ككيان ربما.

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني