مؤتمر لإعادة إعمار درنة .. وهذه هي قصة القاطرة “إيراسا”

مؤتمر لإعادة إعمار درنة .. وهذه هي قصة القاطرة “إيراسا”

 السؤال الآن ــــ وكالات

أعلنت السلطات في شرق ليبيا أنها ستنظم في العاشر من تشرين الاول/اكتوبر المقبل “مؤتمرا دوليا” في مدينة درنة، بهدف إعادة إعمارها.

وقال رئيس حكومة الشرق الليبي أسامة سعد حماد في بيان “تدعو الحكومة المجتمع الدولي الى المشاركة في اعمال المؤتمر الدولي الذي تسعى لتنظيمه الثلاثاء الموافق 10 اكتوبر (تشرين الاول) في مدينة درنة وذلك لتقديم الرؤى الحديثة والسريعة لاعادة إعمار المدينة“.

وجاء في البيان أن الحكومة دعت لهذا المؤتمر “نزولا عند رغبة سكان مدينة درنة المنكوبة والمدن والمناطق المتضررة من الاعصار دانيال”.

وأودت الفيضانات ب 3351 شخصاً بحسب آخر حصيلة رسمية موقتة، لكن يُتوقع أن يكون العدد أعلى بكثير. وتخشى منظمات إغاثة دولية أن يكون نحو 10 آلاف شخص في عداد المفقودين. كما أعلنت المنظمة الدولية للهجرة امس، أن المأساة تسببت بنزوح 43059 شخصاً. وقالت إن “نقص إمدادات المياه قد يكون دفع الكثير من” النازحين داخل درنة إلى مغادرتها للتوجه الى مدن أخرى في شرق وغرب البلاد.

وعادت خدمة الهواتف النقالة والانترنت إلى درنة امس بعد انقطاع استمر يومين عقب تحركات احتجاجية لسكانها الإثنين. وأفادت منظمة العفو الدولية الخميس عن “توقيف معارضين ومتظاهرين” في درنة منددة ب”جهود … لضبط الاطلاع على وسائل الإعلام وتقييده”.

ودعت سلطات شرق ليبيا إلى أن “ترفع فورا القيود غير المبررة المفروضة على وسائل الإعلام وتسهيل وصول المساعدة الإنسانية إلى كل المجتمعات المتضررة”.

والسدان اللذان انهارا كانت تظهر عليهما تشققات منذ العام 1998، وفق ما أعلن المدعي العام الليبي الذي فتح تحقيقا لكشف الملابسات. وقال خبراء من مجموعة الإسناد الجوي العالمي (World Weather  Attribution)  البحثية في تقرير الثلاثاء إن فيضانات بالقوة التي شوهدت خلال العاصفة دانيال في شمال شرق ليبيا حدث يحصل مرة كل 300 إلى 600 عام.

وقد بدت آثار كارثة السيول على كل مدينة درنة، ولم يكن ميناؤها استثناء من ذلك، فقد تحوّل منذ حدوث الكارثة قبل 10 أيام من مرفأ يستقبل السفن والبضائع والركّاب وينطلق منه الصيادون، إلى مقبرة لجثث ومكبّ لسيارات وركام، بعد فيضانات جرفت أحياء كاملة من المدينة نحو البحر.

وخلال الأيام الماضية، خلا الميناء من العمال والصيادين والمارة، وتوقّفت سفن قليلة فيه. وحدها فرق البحث والإنقاذ المحلية والدولية تنشط في المكان للمساعدة في انتشال ما استقرّ في قعر حوضه.

بين هذه السفن، القاطرة “إيراسا” التي كانت موجودة في الميناء أيضا مساء العاشر من سبتمبر/أيلول الحالي عندما ضربت العاصفة “دانيال” شرقي ليبيا وتسبّبت بانهيار سدّين في أعلى درنة، مما أدى إلى فيضانات جرفت في طريقها أبنية وجسورا.

ويروي قائد القاطرة علي المسماري (60 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية أنه فكر في اللحظات الأولى في إخراج السفينة من الميناء لتفادي ارتطام حطام بها، وتجنّب تعريض فريقها للخطر، لكنه أكد أنه لم يرَ جدار الميناء ليتمكّن من تحديد موقع المخرج بسبب ارتفاع مستوى البحر، ويقول “لم يكن هناك إلا الدعاء لا أكثر”.

عندما طلع النهار، ظهر هول الكارثة، ويعدد المسماري ما رآه في حوض الميناء “شاحنات عملاقة، إطارات، ناس، منازل، أشجار نخل كاملة، حطب، غرف نوم، سخانات، غسالات، ثلاجات..”.

وإن كان قسم كبير من كل هذا غرق في المياه بعد ساعات، فعلى الرصيف تتناثر اليوم أغراض شخصية لفظها البحر أو استخرجها غطاسون: علب حليب أطفال، أدوات مطبخ، علب مساحيق تنظيف، علب عصير ممزقة، وقوارير زيت طبخ..

وأكد رئيس لجنة الأزمة في مصلحة الموانئ والنقل البحري الكابتن محمد شليبطة أنه يتمّ تنسيق الجهود “للبحث عن الأغراض العالقة في ميناء درنة، حيث يُتوقع أن يكون هناك أشخاص داخل مركباتهم الآلية التي غرقت”، وأشار إلى أن “الميناء مقسّم إلى قطاعات، وكل منطقة كُلّف بها فريق معيّن”.

ويتولى فريق إماراتي أحد القطاعات، وقد وصل مع معدّاته وبينها قوارب ودباب البحر (جيت سكي)، وبدأ عمليات تفتيش من خلال الغطس والتحسّس، إذ إن “الرؤية معدومة” في المياه الداكنة التي تحوّل لونها إلى البنيّ بسبب الوحل، وفق ما يقول الغطاسون.

وكان قائد الفريق العقيد علي عبد الله النقبي يعطي توجيهاته إلى عناصره، مشددا على ضرورة اتخاذ أقصى إجراءات الوقاية.

من على متن مركب أصفر، نزل 4 غطاسين إماراتيين يحملون على ظهورهم قوارير أكسجين، كل اثنين في موقع يربط بينهما حبل أمان، بعد وقت قصير، خرج أحدهم وقال “ربطنا (الحبل) بسيارة، لا نرى شيئا، ربطنا الباب أو الحاجب العلوي”. كذلك عثر غطاس ثانٍ على سيارة أخرى.

إثر تحديد موقع السيارتين، أُحضرت رافعة بالتنسيق مع السلطات الليبية أَخرجت إحدى السيارتين.

رُفعت السيارة بحبل واحد، ثمّ اقترب الغطاسون مجددا لربطها بحبل ثانٍ من طرف آخر، تمّ إبعاد جميع الأشخاص مسافة لا تقل عن 10 أمتار خوفا من سقوط وحول أو مياه أو حتى أشلاء بشرية من السيارة أثناء إخراجها. وبعد إنزال السيارة المحطمة على رصيف المرفأ، اقترب فريق متخصص في التعامل مع الجثث يرتدي ملابس بيضاء وقفازات ويضع كمامات، للكشف عمّا في داخلها، وأعلن الفريق أخيرا أن لا جثث داخلها.

ويرجح أن تستغرق عملية انتشال ما استقر في قعر حوض الميناء أو حتى في قعر البحر أبعد من الميناء، وقتا طويلا.

وتتكثف جهود الإنقاذ أيضا في البحر قبالة ساحل المدينة المنكوبة كله، بعد أن جرف التيار الكثير من الجثث إلى الناحية الشرقية، بحسب مصادر ملاحية. وقال قائد الفريق الإماراتي حافظ عبيد “التعامل مع جثة في البحر أسهل من التعامل مع الجثث التي تكون على البرّ لأن نسبة الملوحة تشكل عازلا على الجلد”.

في القاطرة “إيراسا”، يروي المسماري أن صيادين على متن “مراكب الصيد الخاصة كانوا أول من هرع لإنقاذ الأحياء ثمّ انتشال الأموات” ليلة الكارثة.

وكان البحار الليبي أُبلغ بقدوم العاصفة دانيال، لكن عند الساعة 2:30 اهتزّت القاطرة البحرية بشكل غير عادي وغير مسبوق، وفق قوله.

إلى جانبه، أكد العامل الفني في القاطرة توفيق أكروش (61 عاما) أن “منسوب المياه ارتفع فوق الرصيف بحوالي متر ونصف المتر مع وصول سيارات وآليات بكمية هائلة“. ومالت السفينة بعد أن اصطدمت بها مياه الفيضانات، فأشعل طاقمها المحرّكات وقطع الحبال لإبعادها عن الرصيف.

 

فجرا، سمع فريق السفينة صوت صراخ يطلب النجدة فهرع للمساعدة، وتبيّن أنها عجوز تحتمي داخل ثلاجة طافية على وجه الماء، وقد نجت بأعجوبة. كانت تسأل “أين أختي؟”، بحسب رواية البحارَين.

لاحقا، أنقذ الفريق أيضا رجلا مصريا، ويروي المسماري أن الناجي قال لهم إنه “بعد النوم وجد نفسه هنا”، مضيفا “ربما كان في غيبوبة“.

 

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة