تفكيك أسطورة اسمها ألبير كامي
باريس- المعطي قبال
إلى حد قريب تباهى الجزائريون بالكتاب والمثقفين الذين أبصروا النور في الجزائر وهم كثرة. وكانت عائلات هؤلاء قد اضطرت إلى مغادرة البلد تحت ضغط الثورة وتفاقم العنف ومخافة تهديدات التصفية أو السجن. بقي هؤلاء المنحدرون الذين سموا بالأقدام السوداء يجترون الحنين للجنة المفقودة.
ألبير كامي واحد من هؤلاء الكتاب الذين تماهوا مع الأرض، البحر، الشمس، الروائح التي جعل منها مادة حكي ثري ونفيس في مختلف أعماله، جعل منها أساطير وثنية.
ولد كامي في السابع من يناير 1913 بقرية الذرعان التي تعرف أيضاً ببلدة مندوفى بمدينة الطارف في اقصى شرق الجزائر. عاش حياة الفقر والفاقة إلى جانب والدته كما عانى من مرض السل الذي أصابه وهو في سن 17 من عمره. تمكن بفضل ذكائه أن يحصل على منح دراسية كانت سندا ماديا ومعنويا لمتابعته لدروس الفلسفة والآداب التي تفوق فيها عن جدارة. بعدها التحق بصفوف المقاومة لمحاربة الغزو النازي لفرنسا. كانت جريدة كفاح التي أطلقها إحدى ركائز هذه المقاومة. بعد مغادرته للجزائر وتحرر فرنسا من الاحتلال النازي خاض كامي في بناء نتاجه الفلسفي-الأدبي الذي تضمن كلا من الرواية، النص الفلسفي، النص المسرحي، النقدي الخ… توج هذا النشاط بعدة نصوص شهيرة مثل: السقطة (1956)، الغريب، المقصلة، الإنسان المتمرد، أسطورة سيزيف، الموت السعيد، المنفى والملكوت. بعد حصوله على جائزة نوبل تحول كامي إلى أسطورة عالمية أدخلت نتاجه إلى صرح عظماء الكتاب. حيث ترجمت نصوصه إلى أزيد من مائة لغة، كما عرضت نصوصه المسرحية على العديد من الخشبات. لكن هذا النتاج لم يحظ دائما باستحسان الجميع حيث ربى أعداء من الأدباء والنقاد والفلاسفة وعلى رأسهم جان بول سارتر، أما الحزب الشيوعي الفرنسي فكان ينظر نظرة ارتياب وجفاء. رأى الشيوعيون في تصوراته وتحاليه رؤى ساذجة لزمن سياسي يحكمه صراع الطبقات.
اليوم يطلع علينا أوليفييه جلواج Olivier Gloag بدارسة تفكيكية لأسطورة كامي. يعمل جلواج أستاذا مساعدا للغة الفرنسية والثقافة الفرنكوفونية بجامعة كارولين الشمالية بالولايات المتحدة . قامت رغبته على تعرية المواقف المبهمة، الغامضة لكامي تجاه بلد مسقط الرأس. لذا اقترح هذه القراءة لهدم وتفكيك أسطورة كامي وذلك بالتركيز على المواقف السياسية التي دافع عنها خلال حرب الجزائر. في التقديم الذي كتبه الناقد لهذه الدراسة، يشير إلى أن النقاد يسعون إلى تخليد كامي وصورته بدل الحديث عن نتاجه.
كل الذين يعتبرون كامي مثقفا دافع عن النزعة الإنسانية بصفته «قديسا علمانيا، مناضلا مناهضا للاستعمار، رجلا متشبثا بالعدالة ومعارضا للإعدام الخ… ينسون أنه كان مناصرا للمراقبة الفرنسية للجزائر وعليه «لم ينجح في حل التعارض القائم بين الإنسية الجمهورية والاستعمار» يقول جلواج. على المستوى الأدبي يلاحظ أن شخصياته العربية وبالأخص في رواية الغريب هي عبارة عن أشباح، بلا قول ولا حركة. كما يتميز نتاجه الأدبي بنكران للإنسان العربي بصفته كائنا بشريا.
ويخلص أوليفييه جلواج إلى نتيجة مفادها أن ألبير كامي هو «آخر كاتب روائي استعماري عظيم يتموقع ضد مجرى التاريخ». السؤال اليوم هو هل سيعيد الجزائريون على ضوء العمل الذي أنجزه أوليفييه جلواج، النظر في صورة وتصورات كاتب اعتبروه إلى الآن «أيقونة نضالية ساهمت في الدفاع عن تحرر البلد؟».
Visited 3 times, 1 visit(s) today