عبث الترجمة الذي لا ينتهي .. نور الدين حجي ماسخًا كتاب “الأنتربولوجيا” لفرانسوا لابلانتين
خليد كدري (*)
أصدرت دار النشر المغربية “إفريقيا الشرق”، خلال السنة الجارية (2023)، ترجمة عربية لكتاب “الأنثربولوجيا” لفرانسوا لابلانتين (1987، 1995 ــــ 2001)، وهي من إنجاز نور الدين حجي، أستاذ علم الاجتماع والأنثربولوجيا بجامعة شعيب الدكالي المغربية.
وعلى الرغم من بساطة الكتاب الفرنسي وطابعه شبه التعليمي، فإن نقد ترجمته العربية يكتسي في اعتقادنا أهمية بالغة، ذلك لأن أيّ خلل في ترجمة كتاب من هذا القبيل سيتضرر منه الطلاب العرب قبل غيرهم، وسيدفعون ثمنه من تكوينهم ومستواهم ومسارهم.
ولقد سبق لي أن كتبت مقالًا نقديًّا عن ترجمة كتاب “إطار التفاوض” للسوسيولوجي الأمريكي أنسلم شتراوس والتي أنجزها المترجم نفسه، وأصدرتها الدار نفسها قبل سنةٍ. وكشفت بطائفة من الأمثلة عن العبث الجسيم الذي تنطوي عليه ترجمة الكتاب الطّفحى بفوادح الأخطاء وألوان التصرّف المَعِيب. ولكن لا حياة لمن تنادي، إذ أبى المترجم ـــ بعلم ناشره على الأرجح ـــ إلا أن يتصرف بإفراط في هيكلة كتاب لابلانتين، مثلما تصرف بإفراط في هيكلة كتاب شتراوس، من دون أن يسند تصرفه بأدنى مبرر. لقد حوّل أقسام الكتاب إلى فصول، وحوّل الفصول إلى مجرّد فِقْرات… وأقل ما كان يجب عليه، رعاية للأمانة، أن ينبه القارئ على هذا الأمر في تقديم الترجمة، لكنه لم يفعل! فهل يا ترى يمكن أن يوافق الناشر الفرنسي على مثل هذا التصرف الهجين؟
علاوة على الركاكة المفرطة، والأخطاء النحوية والاملائية التي لا يحصيها عدد، وسوء ضبط كثير من أسماء الأعلام الأجنبية، والخرق المتصل لقواعد استعمال علامات الترقيم… تحفل ترجمة نور الدين حجي بعشرات المصائب الترجمية التي تقشعر منها الأبدان. ونكتفي منها بالأمثلة الآتية التي نورد فيها طائفة من العبارات المترجمة ونقابلها بالأصل الفرنسي (بايو، 2001) ثم نبدي في شأنها ملاحظاتنا مشفوعة بتصويبات وبدائل:
1ــــ من المماثل إلى الذات
نقرأ في ترجمة حجي، ص. 19: “وبذلك يتضمن المشروع الأنثربولوجي الاعتراف ببشرية تعددية، ثم فهمها. وهو ما يفترض، في نفس الوقت، القطيعة مع صورة رتابة الثنائي، و”من المماثل إلى الذات”، والمطابق، ومع الإقصاء من “من مكان آخر” غير قابل للاختزال”.
أما في الأصل الفرنسي، ص 18، فنقرأ:
Le projet anthropologique consiste donc dans la reconnaissance, puis la compréhension d’une humanité plurielle. Ce qui suppose à la fois la rupture avec la figure de la monotonie du double, du “pareil au même”, de l’identique, et avec celle de l’exclusion dans un irréductible ailleurs.
ونلاحظ هنا أن المترجم قابل عبارة “monotonie du double” بعبارة “رتابة الثنائي” والصواب: “رتابة الصّنو (أو النظير أو المِثْل)” ، ذلك لأن كلمة “ثنائي” إنما تفيد هنا معنى العدد لا معنى المشابهة أو المطابقة، وقابل عبارة du pareil au même بـعبارة “من المماثل إلى الذات” والصواب: “الشيء نفسه (أو ذاته أو عينه)”.
والظاهر أن المترجم لم يفهم وظيفة حرف المعنى الفرنسي duفي هذا الموضع، وهي الإضافة، فظن أنه يفيد ابتداء الغاية.
ثم إنه قابل عبارة et avec celle de l’exclusion dans un irréductible “ailleurs” بعبارة “ومع الإقصاء من من مكان آخر” غير قابل للاختزال” بينما المراد: “ومع تنحية [الغير] بصرفه نحو “مكان آخر “لا يقبل الاختزال”.
ونقرأ في الصفحة نفسها من ترجمة حجي: “وعلى حد تعبير روجيه باستيد في عمله “تشريح أندريه جيد”: “أنا ألف إمكانية في ذاتي، لكن لا يمكنني الانقياد لإرادة واحدة فقط”.
أما في الأصل الفرنسي، ص. 18 أيضًا، فنقرأ:
Comme l’écrit Roger Bastide dans son Anatomie d’André Gide : “Je suis mille possibles en moi, mais je ne puis me résigner à n’en vouloir qu’une.
ونلاحظ هنا أن المترجم قابل عبارة “je ne puis me résigner à n’en vouloir qu’une“ بـعبارة “لا يمكنني الانقياد لإرادة واحدة فقط”، والصواب: “لا يمكنني الرضا بواحدة منها فقط (والضمير المتصل يعود على “الإمكانية”، والأفصح: “إمكان”)”. ثم إن الأصح أن تُترجم عبارة “Comme l’écrit Roger Bastide” بعبارة “وكما كتب روجيه باستيد”، بدلًا من “وعلى حد تعبير روجيه باستيد”. وهذا أقل ما ينبغي، ذلك لأن الأمر يتعلق بقول لأندريه جيد في بعض يومياته، وباستيد إنما ينقل عنه بأمانة في مقدمة “التشريح”. وكأني بالمؤلف الفرنسي، أعني لابلانتين، قد سها عن تدقيق عبارته. ولكن ألم يكن حريًّا بمترجمه العربي أن يتحقق؟
2ـــ الافتراض المتوحش
نقرأ في ترجمة حجي، ص. 19-20 :ويتمثل اكتشاف الغيرية في الكشف عن علاقة تسمح لنا بعدم إرساء تطابق بين منطقتنا الصغيرة للبشرية والبشرية جمعاء، وبشكل ترابطي، رفض الافتراض “المتوحش” خارج ذواتنا أبدا.
أما في الأصل الفرنسي، ص. 19، فنقرأ:
La découverte de l’altérité est celle d’un rapport qui nous permet de ne plus identifier notre petite province d’humanité avec l’humanité, et corrélativement de ne plus rejeter le présumé sauvage hors de nous-même.
ونلاحظ هنا أن المترجم قابل عبارةle présumé “sauvage” ” بعبارة “رفض الافتراض “المتوحش” والصواب: “نبذ “المتوحش” المزعوم”.
ونقرأ في ترجمة حجي، ص. 20:
“إذ كانت الفلسفة الكلاسيكية (الأنطولوجية مع سانت توماس، والتأملية مع ديكارت، والنقدية مع كانط، والتاريخية مع هيغل) تشكل فلسفة اجتماعية، مثلما أن الأديان الكبرى لم تقدم أبدا، كهدف لها، التفكير في الاختلاف”.
أما في الأصل الفرنسي، ص 19، فنقرأ:
En effet, la philosophie classique (ontologique avec Saint Thomas, réflexive avec Descartes, criticiste avec Kant, historique avec Hegel fut-elle philosophie sociale, de même que les grandes religions ne se sont jamais donné comme but de penser la différence…
ونلاحظ هنا أن المترجم لم يستوعب التركيب الفرنسي برمته، فقابل عبارة fut-elle philosophie social بعبارة “تشكل فلسفة اجتماعية” والصواب: “ولو كانت فلسفة اجتماعية”. وكتب اسم الفيلسوف اللاهوتي هكذا: “سانت توماس” والصواب: القديس توما “الأكويني” كما هو مشهور. وهذا أسلم حتى لا يُخلط بينه وبين القديس توما الرسول.
ويمكن تصويب الترجمة على النحو الآتي:
“والواقع أن الفلسفة الكلاسيكية (الأنطولوجية مع القديس توما “الأكويني”، والتأملية مع ديكارت، والنقدية مع كانط، والتاريخية مع هيغل)، ولو كانت فلسفة اجتماعية، لم تحدد لنفسها أبدًا هدف التفكير في الاختلاف، شأنها في ذلك شأن الأديان الكبرى”.
ونقرأ في ترجمة حجي، ص 22:
“وإذا كانت الأنثربولوجيا بمثابة “علم طبيعي للمجتمع” كما أكد ذلك راد كليف-براون، فإنها تعد، وفق التصور الثاني، مجرد فرع معرفي من “الإنسانيات”.
أما في الأصل الفرنسي، ص. 21-22، فنقرأ:
Pour ces derniers, loin d’être une “science naturelle de la société” (Radcliffe-Brown), l’anthropologie doit plutôt être considérée comme un “art” (Evans-Pritchard).
ونلاحظ هنا أن المترجم قابل كلمة art بكلمة إنسانيات والصواب: “فن”. وهذا ما يؤيده كلام الأنثربولوجي البريطاني في أحد كتبه حيث قال:
social anthropology is best regarded as an art and not as a natural science.
(E. E. Evans-Pritchard [1951], Social Anthropology, Routledge, 2004, p. 85)
ويظهر من هذا أن المترجم لا يفرق بين “الفن” و”الإنسانيات” (Humanities) التي تضم حقولًا شتى ليس الفن سوى أحدها.
ونقرأ في ترجمة حجي، ص 23:
“ذلك أنه في هذا الإطار، فإنه بالشمال الشرقي من البرازيل الذي شرعت فيه في تأليف هذا الكتاب، منذ سنة 1933، فإن مؤلفا مثل “جيلبرتو فريري” (الترجمة الفرنسية، 1974)، وفي ارتباط بمحاولة فهم تكوين المجتمع البرازيلي، قد عمل على إبراز المزايا التي يمكن أن يجنيها عالم الأنثربولوجيا من المعرفة التاريخية”.
أما في الأصل الفرنسي، ص 22، فنقرأ:
Ici, dans le Nordeste du Brésil où je commence à écrire ce livre, dès 1933, un auteur comme Gilberto Freyre (trad. Fr. 1974) s’attachant à comprendre la formation de la société brésilienne, a montré quel bénéfice l’anthropologie pouvait tirer de la connaissance historique.
وقد يفهم القارئ التعيس من ترجمة حجي أن 1933 هو تاريخ شروع فرانسوا لابلانتين في تأليف كتابه الحالي بينما المراد بحسب التركيب الفرنسي، وبناء على المعلوم من سيرة فريري، هو كتاب هذا الأخير Ca sa-Grande & Senzal الذي ترجمه روجيه باستيد من البرتغالية إلى الفرنسية، في سنة 1974، وجعل له عنوان “سادة وعبيد” (Maîtres et Esclaves).
ونقرأ في ترجمة حجي، ص 24 :وفي الجانب الآخر من المواقف “المعبر عنها”، والتي أشرنا إليها سابقا، يتموقع الوضع الصارم لكلود ليفي-ستراوس”.
أما في الأصل الفرنسي، ص 23، فنقرأ:
A l’extrême opposé des attitudes engages que nous venons d’évoquer, se situe la position vigoureuse de Claude Lévi-Strauss.
ونلاحظ هنا أن المترجم قابل عبارة engages بعبارة المعبر عنها والصواب: “الملتزمة (أو المتجنّدة)”. وقابل كلمة la position بكلمة “الوضع” ! والصواب: “الموقف”.
3 ــــ طيور شريرة
نقرأ في ترجمة حجي، ص 34: وفي نفس الحقبة الزمنية (1955) كتب أوفييدو في مؤلفه “تاريخ الهنود”: “إن شعب هذا البلد بطبيعته بمثابة طيور شريرة، حيث ناذرا ما يشتغل الناس”.
أما في الأصل الفرنسي، ص 37، فنقرأ:
“A la même époque (1555), Oviedo écrit dans son Histoire des Indes: “Les gens de ce pays, de leur naturel, sont si oiseux, vicieux, de peu de travail…”.
ونلاحظ هنا أن المترجم استبدل تاريخ 1955 بتاريخ 1555، وقد يعود ذلك إلى السهو. وترجم عنوان كتاب أوفييدو (دي أوبييدو عند الإسبان( بـ “تاريخ الهنود” بدلًا من “تاريخ بلاد الهند” (وبلاد الهند هو الاسم الذي أطلقه أوائل الغزاة الإسبان على القارة الأمريكية)، وقد يُغفر له ذلك. وكتب “ناذرا” بدال معجمة بدلًا من “نادرًا” بدال مهملة، وقد يسامحه بعض القراء على ذلك أيضًا… ولكن الجريرة التي لا تُغتفر هي ترجمته لعبارة “si oiseux, vicieux“ بـعبارة “طيور شريرة” بدلًا من “تافهون جدًّا وأراذل” أو “قوم جُفاء وفُسَّاق”، أو ما شابه ذلك فليت شعري ما الذي ساق ذوات المناقير إلى خيال المترجم؟!
4 ـــــ الذين أضحوا مستقرين
نقرأ في ترجمة حجي، ص 89:
“إذ يمكن اعتبار الأنثربولوجيا الفرنسية، منذ تلك الفترة، وحدها، قد بلغت مرحلة من النضج، تحت تأثير من أضحوا مستقرين بالخصوص”.
أما في الأصل الفرنسي، ص. 102، فنقرأ:
“A partir de cette époque seulement, on peut considérer que, sous l’impulsion notamment des hommes qui viennent d’être cités, l’anthropologie française est entrée dans sa maturité”.
ونلاحظ هنا أن المترجم قابل عبارة qui viennent d’être cités بعبارة “من أضحوا مستقرين”! والصواب: “الذين أتينا على ذكرهم”.
5 ـــــ الموهوبون
نقرأ في ترجمة حجي، ص 145:
“غير أن هذا التقليد الاحتفالي، البسيط للغاية أيضا، في ظاهره، يبقى غير قابل للفهم، بشكل تام، إذا لم يكن مرفقا باحتفالات مناسبة للمجال، والتي تشمل، بالمجتمعات التقليدية، تضحية بحيوان، أو تقديم مشروب كحولي للموهوبين”.
أما في الأصل الفرنسي، ص 170، فنقرأ:
Or, ce cérémonial, lui aussi très anodin, en apparence, demeure totalement incompréhensible si l’on ne se rapporte pas aux cérémonies d’appropriation de l’espace qui, dans les sociétés traditionnelles, consistent en un sacrifice animal ou une libation d’alcool aux génies.
ونلاحظ هنا أن المترجم قابل عبارة appropriation de l’espace، بعبارة “مناسبة للمجال” والصواب: “حيازة أو (تملّك) المكان” وكأني بالمترجم (الذي يدرّس الأنثربولوجيا) يجهل تمامًا ما كتبه عدد من الأنثربولوجيين، علاوة على علماء النفس والفلاسفة وغيرهم، في إطار ما يسمى بــ”نظرية الحيازة” (بشلار، هول، سومر، لورنتس، بروشانسكي، كوفمان، فيشر…). والمصيبة أنه ترجم كلمة genies بكلمة “الموهوبين” بدلًا من “الجن” أو “الأرواح”.
ويكرر المترجم الخطأ نفسه في موضع آخر، وتحديدًا ص. 153، حيث نقرأ:
“كما أن ما أثارني كثيرا، عند أول مهمة إثنولوجية لي ببلاد باولي، هو احترام المسنين، والمكانة الاعتبارية لذوي المواهب”.
وفي الأصل الفرنسي، ص. 181، نقرأ:
De même, ce qui m’a beaucoup frappé lors de ma première mission ethnologique en pays baoulé, c’est le respect pour les vieillards, la place tenue par les génies
كان الله في عون القارئ.
6 ـــــ علوم للكل
نقرأ في ترجمة حجي، ص. 151:
“سيكون من غير اللائق الختم – كما قال بذلك، على سبيل المثال، فوكو – بأن العلوم الإنسانية، وبالنظر إلى التشوهات الإدراكية التي تنسب إلى رابطنا مع الاجتماعي، “تعد علوما زائفة، وليست علوما للكل”.
أما في الأصل الفرنسي، ص. 177، فنقرأ:
On aurait tort de conclure – comme le fait par exemple Foucault – que, du fait des distorsions perceptives imputables à notre lien avec le social, “les sciences humaines sont de fausses sciences, ce ne sont pas” des sciences du tout.
ونلاحظ هنا أن المترجم قابل عبارة On aurait tort de conclure بعبارة “سيكون من غير اللائق الختم”! والصواب: “سيكون من الخطأ الاستنتاج”، ذلك لأن الأمر يتعلق باستنتاج وليس بختم، وهل كل ختم عبارة عن استنتاج؟ وأقبح من هذا أنه قابل عبارة ce ne sont pas des sciences du tout بعبارة “ليست علوما للكل” والصواب: “ليست علومًا على الإطلاق”.
7 ــــ حالة ذعر
نقرأ في ترجمة حجي، ص 153:
“قدرة هائلة للرجال والنساء على الدخول في حالة ذعر، أو بشكل أدق، “تلبسهم” من طرف أرواح أجداد الجماعة الاجتماعية”.
أما في الأصل الفرنسي، ص 181، فنقرأ:
l’aptitude considérable qu’on les hommes et les femmes à entrer en transe, ou, plus précisément, à être “possédés” par les esprits ancestraux … du groupe.
ونلاحظ هنا أن المترجم قابل كلمة transe، بكلمة ذعر والصواب: “جذب” وقابل عبارة être “possédés” par les esprits ancestraux بعبارة “تلبسهم” من طرف أرواح أجداد الجماعة الاجتماعية”، والصواب: أن “تستحوذ” عليهم أرواح أسلاف الجماعة”.
8 ــــ الملاحظة الملحقة
نقرأ في ترجمة حجي، ص 159:
“كما أن الإثنوغرافيا، من خلال تصورها، قد خيبت آمالي فقط: يبقى العلم الإنساني علما، كما يمكن للملاحظة الملحقة، وحدها، أن تقود إلى الاحتكاك؛ حيث يعبر موقف العقل الخاص بالملاحِظ، والذي قد يضفي كذا! ، بحكم التعريف، إلى العكس، عن موضوعية نزيهة ضد كل تدفق”.
أما في الأصل الفرنسي، ص. 188، فنقرأ:
Ainsi conçue, l’ethnographie ne pouvait que me décevoir: une science humaine reste une science et l’observation détachée ne saurait, à elle seule, amener le contact; peut-être, par définition, implique-t-elle même le contraire, l’attitude d’esprit propre à l’observateur étant une objectivité impartiale ennemie de toute effusion.
ونلاحظ هنا أن المترجم قابل عبارة “Ainsi conçue” بعبارة “من خلال تصورها”! والصواب: “بهذا المعنى” أو “متصوَّرة على هذا النحو”، وقابل عبارةl’observation détaché بعبارة “الملاحظة الملحقة”، والصواب: “الملاحظة المتجرِّدة”. ونقرأ في الترجمة: “كما يمكن للملاحظة الملحقة، وحدها، أن تقود إلى الاحتكاك”، وهذا عكس ما يقوله المؤلف تمامًا! وللقارئ النبيه أن يقف بنفسه على العبث الذي يَسِمُ بقية الترجمة
ويمكن تصويب الترجمة المذكورة على النحو اللآتي:
“وما كان يسع الإثنوغرافيا بهذا المعنى إلا أن تخيب ظني: فالعلم الإنساني يظل علمًا، ولا يمكن للملاحظة المتجرِّدة، في حد ذاتها، أن تؤدي إلى الاتصال؛ بل لعلها، بحكم التعريف، مستلزمةٌ للعكس، إذ إن الموقف الفكري المناسب للملاحظ هو عبارة عن موضوعية محايدة تمقت كلّ اندفاع “عاطفي”.
9ــــ الحساس والواضح
نقرأ في ترجمة حجي، ص 180:
“ويشكل الفصل اللاهوتي، والفلسفي، والعلمي، للإنسان عن الطبيعة (وخاصة الحيوانات، بل وأيضا حيوانيتنا)، وللإنسان عن مثيله، إلى جانب الفصل بين الذات والموضوع، وبين الحساس والواضح، ألفاظا مفارقة لا تقبل، في نظري، انصهارا في وحدة عليا مثلما هي عند هيغل”.
أما في الأصل الفرنسي، ص 210، فنقرأ:
La séparation théologique, philosophique puis scientifique de l’homme d’avec la nature (en particulier les animaux, mais aussi notre animalité), de l’homme d’avec son semblable, la séparation du sujet et de l’objet, du sensible et de l’intelligible, constituent les termes d’une tension qui, à mon avis, n’admet pas de résolution dans une unité supérieure comme chez Hegel.
ونلاحظ هنا أن المترجم قابل عبارة du sensible et de’intelligible بعبارة “بين الحساس والواضح” والصواب: “الفصل بين المحسوس والمعقول”، وقابل عبارة les termes d’une tension بعبارة “ألفاظا مفارقة” والصواب: “عناصر توتر”.
تُظهرنا هذه الترجمة على هول المأساة التي صار يتخبط فيها حقل الترجمة العربية في ظل غياب شبه تام للنقد الترجمي الصارم وشيوع المحاباة وضروب الجشع في صفوف طائفة من الناشرين والمنتسبين إلى الثقافة في بلادنا. ومن لم يَسْتَحْيِ، فليصنع ما يشاء والله نسأل السلامة والعافية.
خليد كدري أستاذ باحث ومترجم من المغرب*