هل بات الشرق الاوسط على موعد للحرب؟
أحمد مطر
هل ثمة من يدفع منطقة الشرق الأوسط إلى غمار حرب طويلة، بصرف النظر عن حجم الدول والأطراف المشاركة، والمخاطر المترتبة على ذلك.
وفي ضوء البحث عن الاجابات الممكنة، يمكن رصد مصير المواجهة الجارية عند الحدود اللبنانية الإسرائيلية من الناقورة وقراها غرباً إلى مزارع شبعاً جنوباً، وعلى امتداد الخط الأزرق
والأخطر، أن اسرائيل، وخلفها الولايات المتحدة الأميركية وبعض دول الغرب الأوروبي تتحدث عن حرب قد تطول، ولا بأس بين 4 أشهر أو 6 أشهر، ضمن أهداف تبدو بالغة العنصرية والعدوانية كالقضاء على حماس، ولو اقتضى الأمر اقتلاع شعب غزة من أرضه وجذوره، أو إحراقه بالحديد والنار والركام.
والنقطة المحورية في الموضوع أن تطور الموقف جنوباً، باتجاه حرب شاملة، يتوقف إلى حد كبير على ما يجري على جبهة غزة، فإذا انكفأ العدوان، وسقط خيار الحرب البرية، انتفت الحاجة إلى انهيار الهدوء والحذر على الجبهة الجنوبية .
يحبس اللبنانيون أنفاسهم هذه الأيام، وهم يتابعون تطور المناوشات المتصاعدة على الحدود الجنوبية، خوفاً من خروج مفاجئ عن قواعد الاشتباك، وانجرار لبنان إلى حرب عشوائية، تعرض ما تبقَّى من مقومات الدولة لخطر داهم .
موقع لبنان السياسي والدبلوماسي في الحرب الدائرة، وهي حرب غير مسبوقة بكل المقاييس العسكرية والتاريخية، والجيوسياسية يكاد يكون مشتتاً، والاهتمام فيه، يتوقف على طبيعة الوظائف المراد لهذا الموقع أن يستجيب لها، في وقت تذهب فيه الطوائف المكونة لبنيته الاجتماعية، والممثلة لبنيته المؤسساتية، وإدارته ومرافئه ومطاره، ومياهه، وطاقته التي لم يظهر فيها لتاريخه غاز او نفط .
فالولايات المتحدة الأميركية، ومعها دول غرب أوروبا ضمن مجموعة السبع أو حتى مجموعة العشرين، لديها هاجس واحد، يتعلق بجمع المعلومات، وأخذ الضمانات، بأن حزب الله لن يأخذ موقع لبنان إلى جبهة واسعة، هي الجبهة الشمالي، التي يلعب فيها الحزب، على الرغم من الخسائر الموصوفة على مستوى الكادر العسكري ما يقرب من 48 شهيداً لتاريخه دوراً عسكرياً، متعباً لجيش الاحتلال الاسرائيلي، ليس من الوجهة ذات الصلة بالخسائر على صعيد ضباط القيادة والجنود والمستوطنين، والآليات، إنما على مستويات الاشغال والإقلاق، وحجز قوات كانت مهيئة للذهاب الى حرب برية، على الجبهة الجنوبية لإسرائيل، أي قطاع غزة .
يحاذر حزب الله، من الذهاب بعيداً في تعريض الجغرافيا الشيعية، والجغرافيا الديمغرافية لشر مستطير، وهو يقاتل بحرفية عالية عند المواقع الحدودية، المعروفة جيداً لديه، والمكشوفة، والتي تكلفه دماء غالية، ونزفاً ملحوظاً.. ويترك للتطورات ان ترسم مسار المعارك الجديدة أو المقبلة.
تتطلع الغالبية الشيعية، الذي نزح بعضها الى القرى المجاورة أو مناطق بعيدة عن الجنوب، أو ترك البلاد من حيث يعيش في المهاجر، تتطلع هذه الأغلبية الى عدم اتساع دائرة الحرب، على نحو ما حدث في تموز 2006، حيث تدمرت مناطق بكاملها، لا سيما في الضاحية الجنوبية، حيث قيادة حزب الله، قبل ان تتوقف بعد 33 يوماً من القتال، والتدمير الذي لم يوفر لا بشراً ولا حجراً .
في الوقت هذا، تتطلع الطوائف الأخرى، وكلها تأمل أن لا تتسع الحرب، وإن كان السنّة، في موقف أقرب الى الموقف الشيعي، لجهة وحدة المصير والنتائج المترتبة على الحرب الدائرة في غزة، وبين الجيش الاسرائيلي وحركة حماس وحركات المقاومة الشقيقة .
يسعى الدروز، وفي مقدمهم النائب السابق وليد جنبلاط الى إدارة الموقف على طريقته، فهو أعلن منذ اليوم الأول انحيازه الى المقاومة الفلسطينية، داعياً حزب الله الى التبصُّر وعدم فتح جبهة جديدة.
عند الجبهة المسيحية، يعتبر التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل، أن ما يحدث يشكل فرصة للمسيحيين للدفاع عن خيارات مستقبلية، من دون أن يبتعد قيد أنملة عن موقفه الرافض لانتخاب النائب السابق سليمان فرنجية للرئاسة الأولى، أو العودة إلى المشاركة في جلسات مجلس النواب .
أما على مستوى، حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، فهو يترصد التطورات الميدانية، ضمن حسابات مختلفة عن حسابات التيار الوطني الحر، لبناء استراتيجية تخص المسيحيين في مرحلة ما بعد الحرب ، ولعل واقع الانهيارات المتدحرجة في البلد، والغيبوبة التي تشل الدولة، وعجز السلطة المتمادي في إدارة الأزمة، والتخفيف من معاناة الناس ، هي في صلب التحذيرات من مغبة الانزلاق إلى جحيم الحرب، تحت طائلة الامتناع عن المساعدة في ما تدمره الحرب، كما كان يحصل في الاعتداءات الإسرائيلية السابقة. كما أن إدراك حزب الله لهذا الواقع، وغيره من المعطيات الأخرى، قد يكون مساعداً على التريث والتبصر قبل الدخول في حرب جديدة مع العدو الإسرائيلي .
في الحرب هذه، صورة الدولة الجامعة، ما زالت في الواجهة، لكن مخاطر الفوضى، تدق الأبواب، وهنا تبدأ الطوائف مرحلة البحث عن حبال نجاة من خارج الدولة ووحدتها، ضمن ساحاتها وأسلحتها وخياراتها .
Visited 8 times, 1 visit(s) today