لماذا ساءت العلاقات بين روسيا وفنلندا وماذا يعني ذلك في المستقبل؟

لماذا ساءت العلاقات بين روسيا وفنلندا وماذا يعني ذلك في المستقبل؟

د. زياد منصور   

جولة جديدة من التفاقم  سوء العلاقات بين موسكو وهلسنكي، إذ  وافقت السلطات الفنلندية،  على فرض  قيود لأجل غير مسمى على دخول المواطنين الروس إلى البلاد. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الفنلندية قرارًا بتشديد الدخول إلى البلاد لممثلي دوائر الأعمال من الاتحاد الروسي والمتقدمين وأصحاب العقارات اعتبارًا من 10 تموز.   

 ورداً على الخطوات غير الودية التي اتخذتها هلسنكي والإجراءات التي تهدف إلى التمييز ضد الروس في فنلندا، أعلنت موسكو سحب الموافقة على أنشطة القنصلية العامة الفنلندية في سانت بطرسبرغ واعتبار تسعة موظفين في السفارة الفنلندية أشخاص غير مرغوب فيهم . وفي نهاية شهر أيار، تم إبلاغ الجانب الفنلندي بسحب الموافقة على أنشطة فرعي القنصلية العامة الفنلندية في مورمانسك وبيتروزافودسك، وكذلك إغلاق مكتب السفارة الروسية في لابينرانتا اعتبارًا من الأول من تموز.  

 ربما تشهد العلاقات الثنائية حاليًا واحدة من أسوأ فتراتها منذ عدة عقود. في السنوات الأخيرة، ارتفع مستوى المشاعر المعادية لروسيا بشكل حاد في فنلندا؛ حيث يتم شن حملة إعلامية مناهضة لروسيا بنشاط في وسائل الإعلام المحلية، والتي تغذيها الهجمات المنتظمة على روسيا من قبل النخبة السياسية الفنلندية. وعلى هذه الخلفية، تواصل السلطات الفنلندية اتخاذ قرارات تهدف إلى زيادة تدهور العلاقات الصعبة بالفعل مع روسيا.

في الوقت نفسه، يمكن تسمية السبب الرئيسي للتدهور الحاد في العلاقات الوثيقة والمفيدة للجانبين بين فنلندا وروسيا برغبة النخبة السياسية الفنلندية في حل مصالحها الشخصية، لكسب تأييد رعاتها في واشنطن. وفي مقابل الحصول على موافقة من الخارج، وافقت السلطات في هلسنكي على حرق جميع العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية الطويلة الأمد للبلاد.

 ربما تشهد العلاقات الثنائية حاليًا واحدة من أسوأ فتراتها منذ عدة عقود. في السنوات الأخيرة، ارتفع مستوى المشاعر المعادية لروسيا بشكل حاد في فنلندا؛ حيث يتم شن حملة إعلامية مناهضة لروسيا بنشاط في وسائل الإعلام المحلية، والتي تغذيها الهجمات المنتظمة على روسيا من قبل النخبة السياسية الفنلندية. وعلى هذه الخلفية، تواصل السلطات الفنلندية اتخاذ قرارات تهدف إلى زيادة تدهور العلاقات الصعبة بالفعل مع روسيا.

في الوقت نفسه، يمكن اعتبار السبب الرئيسي للتدهور الحاد في العلاقات الوثيقة والمفيدة بين الجانبين رغبة النخبة السياسية الفنلندية في حل مصالحها الشخصية، لكسب تأييد رعاتها في الغرب. وفي مقابل الحصول على هذا الدعم من الخارج، وافقت السلطات في هلسنكي على حرق جميع العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية الطويلة الأمد للبلاد.

فبمبادرة من الجانب الفنلندي، تم تقليص الحوار السياسي الثنائي، وتم تقويض التعاون التجاري والاقتصادي متعدد الأوجه، وشبكة العلاقات التوأم بين المدن والمناطق، وانقطع التفاعل الوثيق عبر الحدود، وتم إيقاف الاتصالات الجوية والسكك الحديدية.

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن المسار نحو قطع العلاقات بين فنلندا وجارتها قد اتُّخذ قبل فترة طويلة من أحداث السنوات الأخيرة. وفي هذا السياق، استمرت عملية “شيطنة” صورة روسيا لأكثر من عقد من الزمن. إذ  تنقل وسائل الإعلام الرئيسية في البلاد بانتظام إلى القراء أطروحات الناتو حول التهديد المزعوم من موسكو. فقد أظهرت استطلاعات الرأي العام التي تجرى بشكل منتظم أنه تتزايد لدى المواطنين الفنلنديين العاديين المخاوف باستمرار بشأن استعدادات روسيا المزعومة لشن هجوم على بلادهم من أجل إعداد المواطنين لقرار القيادة الفنلندية بالانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي. ولا شك أن عواقب مثل هذه الخطوة لا تسمح بتحسين الوضع الأمني ​​لا في فنلندا ولا في أوروبا ككل.

فالحدود بين روسيا وحلف شمال الأطلسي تضاعفت، الأمر الذي سيؤدي بالتأكيد إلى زيادة خطر وقوع حوادث خطيرة. ولن تكون هذه حوادث روسية فنلندية بعد الآن، بل أسباب للتصعيد بين الكيانات النووية”.

ودون شك فإن إدراج فنلندا في كتلة الناتو على الرغم من موسكو لا يؤدي إلا إلى إضافة مشكلة أخرى في أوروبا، حيث يلغي آخر منطقة عازلة محايدة إلى حد ما بين الغرب وروسيا.

إن رهاب روسيا المسعور والأعمى من قبل السلطات الفنلندية يحول فنلندا في الواقع إلى الدولة الرابعة في منطقة البلطيق المنضمة إلى الحلف. وفي الوقت نفسه، فإن احتمالات تطبيع العلاقات بين هلسنكي وموسكو قد يتعقد ويستمر التدهور في العلاقات بين البلدين بسرعة.

لقد خلقت فنلندا لنفسها مشاكل كبيرة دون سابق إنذار. ولم يكن هناك سبب للاعتقاد بأن روسيا كانت تهدد هلسنكي؛ ولم تكن هناك سوى وحدة عسكرية صغيرة منتشرة على الحدود. ولكن الآن يتم تشكيل فيلق من الجيش يتمتَّع بإمكانات هجومية في كاريليا.

اتخذت القيادة الفنلندية هذا القرار لأسباب سياسية فقط. ونتيجة لذلك، ستعاني البلاد من أضرار اقتصادية جسيمة. لقد فقدت هلسنكي وضعها المحايد، وسيتعيَّن إنفاق مبالغ ضخمة من المال على موازنات الدفاع. علاوة على ذلك، فإن حلفاء الناتو ليسوا بحلفاء ، وهذا يعني أن الفنلنديين سيضطرون إلى شد الأحزمة.

من المتوقع أن يستغرق إنشاء البنية التحتية العسكرية ما يقرب من 20 إلى 30 عامًا. وعليه، فإن العلاقات بين روسيا وفنلندا تغرق في مواجهة طويلة الأمد، لن تنتهي عند المنطقة العسكرية الشمالية الشرقية.

إن خسائر فنلندا من أجل العضوية في الناتو تعتمد على الدور الذي ستلعبه الدولة في الحلف. وإذا اقتصرت على المشاركة السياسية فقط، فإن هذا سيوفر فرصة للمناقشة مع الحلفاء والتأثير على عملية صنع القرار في المنظمة. على الأرجح، سوف تشارك هلسنكي في الجانب العسكري. وإذا نظر الناتو إلى فنلندا على أنها خط المواجهة لحرب محتملة مع روسيا، فإن التكاليف ستكون مرتفعة للغاية والنفقات ستكبر. وعلى وجه الخصوص، سيتعيَّن عليها قبول انتشار قوات التحالف وقواعده على أراضيها، ولا يجب نسيان أنه لا يزال لدى فنلندا  أسلحة سوفيتية. بالإضافة إلى ذلك، قد يتطلب الأمر نشر  أسلحة نووية في البلاد، في مواجهة دولة نووية جبارة هي روسيا.

الأهم إنه في عام 2024، ستقرر هلسنكي أخيرًا الدور الذي ستلعبه ونفقاتها وكامل الأعباء المتأتية عن هذا القرار. وستحاول سلطات الجمهورية التأكد من أن البلاد لن تكون على خط النزاع  في المواجهة مع روسيا، وأنه لن  يعاني اقتصادها من الأعباء والجمود والتراجع وكثرة الانفاق.

روسيا-فنلندا الحسابات  القديمة والجديدةّ

بشكل عام وكقاعدة عامة فإن الطعن في الظهر أمر سهل. لكن ذلك لن يكون  آمنا بل قد تكون له تداعيات. لذلك فإن انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي سيؤثر بشكل خطير على توازن القوى في شمال أوروبا. لكن السويد أبعد جغرافيًّا، والحدود التي يبلغ طولها 1300 كيلومتر مع فنلندا تخضع لحراسة حتى الآن على أساس الحد الأدنى من الاكتفاء، أو الثقة تقريباً.

الآن طارت هذه الثقة ، ولكن بالفعل ما الذي هدَّد فعليًّا الحياد الفنلندي لمدة 75 عامًا؟ وهل تدرك هلسنكي أنَّ الإلغاء الفعلي لمعاهدات عدة منها أساسيتين (معاهدة السلام- اتفاقية الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة  لعام 1948  والتي بموجبها سعى السوفيات لردع الدول الغربية الحليفة من مهاجمة الاتحاد السوفياتي عبر الأراضي الفنلندية، ومنحت الفنلنديين زيادة في  استقلال بلادهم  السياسي عن الاتحاد السوفياتي. وبالتالي فإنه ضمنت بقاء فنلندا كدولة ديمقراطية ليبرالية على مقربة من المناطق السوفياتية الاستراتيجية، مثل شبه جزيرة كولا والعاصمة القديمة لينينغراد. ومعاهدة “أسس العلاقات” لعام 1992) والتي تنص على أن الدولتين تلتزمان بعدم السماح باستخدام أراضيهما لشن عدوان عسكري على إحداهما.، ألن  يثير مسألة مثل عدم امتثال روسيا أيضًا لهذه الاتفاقيات الأخرى التي بدأت في كانون الأول 1917؟

أمام هذه السلوكيات يتبادر إلى الذهن الهدم الأخير للنصب التذكاري لزعيم البروليتاريا العالمية ، فبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا أزالت العديد من الدول تماثيل الزعيم السوفييتي الراحل  فلاديمير لينين، وآخرها ما قامت به الحكومة الفنلندية بإزالة آخر تماثيل لينين من مركز مدينة كوتكا وتم نقله إلى مخزن متحف ” كيمنلاكسو” الذي تدرس إدارته إمكانية استخدام النصب التذكاري في المعارض مستقبلا. ويذكر أن النصب التذكاري للفنان الإستوني ماتي فاريك تم تقديمه لمدينة كوتكا عام 1979 من قبل إدارة مدينة تالين الشقيقة والتي كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي آنذاك.وتم نصبه في مركز مدينة كوتكا في شارع “كوتكانساري نورث بارك” وكان يعتبر جزءا من التراث الفني للمدينة.

وقد ارتبط اسم لينين في فنلندا باستقلال الدولة ولا تزال اللوحات التذكارية قائمة في عدد من المدن تخليدا لذكراه، وهذا الشخص الذي “كرس” لأول مرة في تاريخ فنلندا استقلالها (متمنيا للمبعوثين الفنلنديين حسن الجوار باللغة الألمانية). ومع ذلك ، فإن الفنلنديين على يقين من أنهم حصلوا على الاستقلال دون النظر إلى بتروغراد ولينين.

حسنا ، ماذا عن المشكلة الأمنية المفبركة في فنلندا حول العبور غير الشرعي-وإن كان ذلك استنادًا إلى إرادة الأغلبية البرلمانية. ألا يمنع ذلك من ظهور نفس الهواجس ونفس القلق بشأن نفس القضايا والعبور غير الآمن من فنلندا إلى روسيا وبطريقة أكثر صرامة وحدَّة، واستنادًا إلى نفس الإجراءات الديموقراطية التي تستند إليها فنلندا.

اللافت هو التفسير الدبلوماسي الفنلندي والذي يقوم على: نحن ننطلق من مصالحنا الخاصة ، لكننا لسنا مهتمين برأي أي شخص. على ما يبدو ، عن طريق الصدفة ، تزامن الرأي الفنلندي مع الرأي العام لحلف شمال الأطلسي. واتضح أن روسيا وكأنها قطعة صغيرة جدا بحيث لا تستطيع هلسنكي ملاحظتها. وتقريبا في أصعب فترة من التاريخ الروسي الحديث أي خلال خوضها لعملية عسكرية في أوكرانيا . فهل هناك من يعتقد أنه يمكن نسيان هذا الموقف في العلاقات بين الدول؟

لنضع في الاعتبار الرأي العام القائل بأنه لولا العملية الخاصة في أوكرانيا ، لما اهتم  الفنلنديون بأمنهم. في الواقع فإن العشرات من التدريبات المشتركة الفنلندية مع حلف شمال الأطلسي، ناهيك عن الاتصالات العسكرية شبه الواضحة بين هلسنكي وحلف شمال الأطلسي، لم تؤد قط إلى زيادة استعداد روسيا  القتالي. لكن الدعوة في عام 1974 لإجراء تدريبات سوفيتية فنلندية مشتركة لا تزال تعتبرها فنلندا إلى اليوم بمثابة هجوم على حيادها، إذن هناك ازدواجية في المفاهيم ودليل على مناخ من عدم الثقة عمره عقود وعقود..

صفحات مظلمة من التاريخ

الذاكرة التاريخية تدور دورتها وهي لا  تستثني أي أحد وخاصة لدى الجانبين. يتذكر الفنلنديون الحملة الشتوية 1939-1940 ، حيث لا زال الاعتقاد سائدًا أن نتائج هذه الحرب التي جرت في العام  1941 لا تزال تداعياتها مستمرة إلى الآن.

ولكن لدى الروس أيضًا ما يمكن أن يستحضروه من الذاكرة التاريخية ، منها الأحداث التي تلت كانون الأول 1917 بالطريقة الفنلندية: “اكتساب الحرية من خلال التغلب على الانقسام الوطني”. أليس هذا ما تذكرنا به مذبحة فيبورغ عام 1918؟ عندما، تم قتل أعداد كبيرة من الروس  الذين لم يكن لهم أية علاقة  بالحركة الحمراء”.

تشير الأرقام إلى أنَّ عدد  ضحايا هذه المجزرة وهي أرقام فنلندية يتراوح بين  500 إلى 5 آلاف. لعقود عديدة ، ترك  هذا” العدد الفائض  المجال ” لرؤى وأبحاث المؤرخين الفنلنديين، دون أن يكون هناك اسهامات لباحثين روس خوفًا مما قد يقال إنه دوافع سياسية. إذ خلط الباحثون الفنلنديون الأمور بكل ما في وسعهم، وصولاً إلى قولهم  إن الإعدام للمواطنين الروس لم يقوده فنلندي ، بل سويدي ، بينما لم يحدد أحد جنسية الضحايا ، إلخ.

بالنسبة لسنوات ما بعد الحرب، لم يقم أحد بدراسة تلك الواقعة والتي تقوم على أنه منذ شهر أيلول  1941 إلى بداية عام 1944،عانت  لينينغراد بشكل صارم  من حصار شديد  للغاية من قبل الفنلنديين من جهة الشمال. بدلاً من حساب عدد الضحايا اللينينغراديِّين جراء هذا الحصار، كانت الدوريات تحرص على إظهار مشاعر الود والشراكة والتآخي. على أية حال، بل أن هناك من ذهب إلى التخفيف من مسؤولية الفنلنديين من عواقب الحصار، مركزا على ما ارتكبه الألمان فقط. لكن الفنلنديين فضلوا عدم ملاحظة ذلك، بل وقالوا مازحين إن “معاهدة مولوتوف-ريبنتروب كانت لا تزال سارية المفعول فيما يتعلق بفنلندا حتى نهاية الحرب”.

هناك حقائق تاريخية أخرى غير معروفة، مثلاً عندما طالبت فنلندا، إلى جانب رومانيا واليابان (نظريًا)، ببعض من الأراضي السوفييتية. على الرغم من حقيقة أنه حتى ألمانيا كانت تأمل في إنشاء محمياتها الخاصة على الأراضي الروسية فقط.

إلى جانب ذلك وفي متحف الحرب بباريس، لا تزال تبدو قائمة الملصقات عمن هم حلفاء هتلر وتضم هذه القائمة: فنلندا وإيطاليا وبلغاريا والمجر ورومانيا.

أما الواقعة الأخرى فهي أنه  في عام 1944، عندما تم تحديد مصير الفنلنديين، زُعم أن ستالين نطق بكلمات غامضة: “لقد أرادوا شن حرب كيميائية ضدنا. لكننا قررنا مسامحتهم “. هل كان  ستالين يخادع على الإطلاق، يجب الروس لا:” لم يكن يخادع ولا يفتري”!.

سلام هش تجنبًّا للأسوأ

بالفعل في بداية هذا القرن، تم جمع 100 ألف توقيع في فنلندا لاستعادة  كاريليا. ووعدوا بجمع 500 ألف أخرى من أجل مناشدة موسكو بإعادتها والتأكيد على شرعية هذا المطلب. والحجج هي نفسها التي كانت سائدة في أوائل الأربعينيات من القرن الماضي: إن سيطرة الروس على الجزء الخاص بهم من كاريالي ضعيفة، حيث يعتبرونها أرضهم التاريخية وموطن أجدادهم تقريباً.

وهذه الخطط طويلة الأمد جديرة بالملاحظة: “لن يبقى أكثر من 100 إلى 200 ألف من المندمجين الروس في فنلندا التاريخية”. وحتى نهاية الفترة الانتقالية، “لن يُسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات أو التنقل في بقية أنحاء فنلندا، باستثناء منطقتهم”.

وفي الوقت نفسه، ربما لم تقم ألمانيا الهتلرية بمثل هذه المعاملة كما فعل الفنلنديين مع السكان الروس في كاريليا السوفييتية. فمن حيث النسبة المئوية يذكر أنه من بين 50 ألف سجين في معسكرات الاعتقال الفنلندية، تم  قتل أكثر من 14 ألفًا، بما في ذلك ألفي طفل.

لعل الروس بالغوا في تقدير أهمية الجسر الفنلندي بين الشرق والغرب، والذي رمز إليه مؤتمر هلسنكي عام 1975 حول الأمن والتعاون في أوروبا. وفي مطلع القرن، كان هناك حنو وتعاطف مع الزيارات شبه الإلزامية التي كان يقوم بها  الفنلنديون (بما في ذلك الوفود الرسمية) إلى بقايا التحصينات والمقابر على خط مانرهايم ، فمع  إعلان استقلال فنلندا عام 1917، صنّف المسؤولون الفنلنديون الروس السوفيت كأهم خطر قد يهدد بلادهم مستقبلا. فضلا عن ذلك، اعتبر العسكريون بفنلندا البرزخ الكاريلي كأبرز منطقة قد يتدخل عن طريقها الجيش السوفيتي بالأراضي الفنلندية. وبينما اعتبرت المنطقة الشرقية من البرزخ الكاريلي آمنة بفضل تواجد جانب هام من التضاريس الطبيعية الوعرة بها، صنّف القسم الغربي منه كموقع حساس قد يستغله الجيش الأحمر مستقبلا لمهاجمة الأراضي الفنلندية.

ومع حلول شهر أيار 1918، أوكل قائد القوات المسلحة بفنلندا المارشال كارل غوستاف إيميل مانرهايم (Carl Gustaf Emil Mannerheim) للملازم السويدي راب (A. Rappe) مهمة إنشاء خط دفاعي عند البرزخ الكاريلي. وبناء على خطة راب، تقرر إنشاء تحصينات دفاعية لحماية خطي سكك حديدية بالقرب من الحدود مع الجانب السوفيتي.. تضمّن خط مانرهايم العديد من المكامن، المعروفة أيضا بالكازمات (casemate)، المبنية من الخرسانة والخنادق والتحصينات الأخرى التي صممت لمقاومة القصف المدفعي وزوّدت بالرشاشات. خلال حرب الشتاء، عرقل خط مانرهايم تقدم السوفيات لمدة تجاوزت الشهرين حيث عجزت قوات الجيش الأحمر عن عبوره وتكبّدت خسائر جسيمة، قدرت بعشرات آلاف الجنود، بالقرب منه.

مع نهاية حرب الشتاء وقبول الفنلنديين باتفاقية موسكو، أرسل الاتحاد السوفيتي فرقا من المهندسين نحو البرزخ الكاريلي لتدمير ما تبقى من دفاعات خط مانرهايم.

ورغم كل هذه الوقائع ومع مرور الوقت يبدو أن جيران روسيا لم يروا أي معنى آخر في التبادل والعلاقات عبر الحدود إلا هذا الخط.

أمام هذه الوقائع فإن عواقب توسع الناتو على حساب الفنلنديين والسويديين هي تحويل بحر البلطيق إلى حوض شمال الأطلسي، دون وصول روسي مؤكد إلى كالينينجراد. علاوة على ذلك، فإن الحصار البحري هو أحد الأسباب المميزة للحرب.

سوف يتضاعف طول الحدود مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد انضمام فنلندا إليه. في الوقت الحاضر، يبلغ طوله 1280 كم، على الرغم من أن أكثر من 500 كم من هذه الحدود (مع ليتوانيا وبولندا) تقع على كالينينغراد.

ما يجب القيام به؟ بادئ ذي بدء، يجب تحديث وتحسين قائمة التدابير العسكرية التقنية والسياسية والدبلوماسية والجغرافية الاقتصادية والقانونية والإعلامية، والتدابير الأخرى – وفقًا لدرجة إلحاحها وفعاليتها.

Visited 25 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. زياد منصور

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الروسي