غزة هاشم .. اول من أدخل الحجارة في الحرب الحديثة (2)

غزة هاشم .. اول من أدخل الحجارة في الحرب الحديثة (2)

 جورج الراسي

يقع قطاع غزة عند الطرف الجنوبي الشرفي للبحر المتوسط وهو على شكل شريط ضيق، يبلغ طوله نحو 45  كلم،  ولا يزيد عرضه في احسن الحالات على 21 كلم شمال شرق شبه جزيرة سيناء، وتبلغ مساحته  حوالي ٣٦٥ كيلومترا مربعا، تحيط به الدولة العبرية من الشمال والشرق،  وسيناء من الجنوب.

شعب من اللاجئين

عند اندلاع  “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023  كان يعيش في القطاع نحو 2 مليون و300،000 نسمة من أصل  300000 فقط كانوا السكان الأصلييين ، بينما تشكل الباقون من اللاجئين على دفعات ابتداءا من لاجئي  عام النكبة 1948، حين لجأ إليها 200 الف لاجئ  من الأراضي المحتلة، مرورا  بمئات الآلاف الذين هربوا من المناطق التي ضمتها إسرائيل، وصولا إلى عملية التهجير المستمرة حاليا، بحيث يمكن القول اننا أمام رقعة ارض ضيقة يشكل المهاجرون الأغلبية الساحقة من  سكانها.

ويشهد القطاع واحد من أعلى معدلات الكثافة السكانية في العالم بمعدل  لا يقل عن حوالي 30  الف شخص لكل كيلومتر مربع  وتصل إلى نحو ضعف هذا العدد في مخيماتها الثمانية، هذا في حين تصل الكثافة السكانية في مستوطنات غزة البالغة حوالي 25 مستوطنة الى 665 نسمة فقط في كل كيلومتر مربع.

ويعيش معظم السكان تحت خط الفقر بما يوازي دولارين في اليوم، و غالبا ما تتجاوز نسبة البطالة 50 في المئة، وذلك يعود اساسا إلى الحصار الأمني الخانق الذي تمارسه دولة الإحتلال، والذي يعيق التجارة عبر الحدود والوصول إلى أماكن العمل حتى الصيادين يمنعون من البحث عن رزقهم  في أعالي البحار.

على التلال الرملية داخل القطاع شيدت مبان اسمنتية وسط أحياء فقيرة تغطي واجهاتها صور جدارية لناشطين فلسطينيين قتلتهم إسرائيل، وتتكاثر بينها بساتين النخيل وأكوام القمامة التي لم تجمع. ونتيجة انتشار الفقر عادت من جديد العربات التي تجرها الحمير لتصبح وسيلة النقل الأكثر انتشارا في القطاع، وحدها الشواطئ كانت تشكل حتى اليوم متنفسا ترفيهيا.

وتعتبر طريق صلاح الدين التي تخترق القطاع من أقصاه إلى أقصاه، أي من معبر رفح إلى معبر Eretz على مسافة 45 كلم، من أقدم طرق العالم ، مرت عليها جيوش مصر والإسكندر الكبير وصولا  إلى نابليون  الذي سلكها في طريقه إلى المشرق.

وفي ظل الحكم العثماني كانت الطريق سالكة من العريش وصولا حتى تركية ، وكانت تصل مصر بلبنان وسورية. وقد بنى الإنكليز سكة حديد لنقل السلاح استكمالا لسكة حديد الحجاز.

معظم سكان غزة اللاجئين كانوا موزعين على 44  تجمعا سكانيا بينها خمس مدن رئيسية هي: غزة و رفح و خان يونس و جباليا و دار البلح.

ارض لم تعرف السكينة يوما واحدا

يمكن القول أن تاريخ غزة الحديث يبدأ مع الحرب العالمية الأولى حين  استولى عليها الجنرال الإنكليزي اللنبي، بعد معركة غزة  الثالثة في تشرين الثاني / نوفمبر عام 1917، و بقي ذلك الإحتلال حتى صدور قرار تقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 .

في الفترة الممتدة بين 1948 و1967 وضعت غزة تحت الإدارة المصرية، وفي ظل الإدارة المصرية أصبحت غزة  أرضا خصبة لمقاومة الفلسطينية،  حتى احتلتها إسرائيل فيما عرف  “بحرب الأيام الستة  ” حين عاد القطاع ألى  الإحتلال  من جديد، وبدأ المستوطنون ينتقلون إلى غزة في أوائل السبعينيات، فيما نشط فدائيو منظمة التحرير في تحركهم بين اعوام 1967 و1970، وقد قابل الجيش الصهيوني ذلك بعمليات  دهم وهدم للمنازل في مخيمات اللاجئين.

وكانت غزة دوما نقطة ساخنة في مقارعة الإحتلال. وحاول شارون عام 1971 عندما كان قائدا للمنطقة  الجنوبية تصفية المقاومة لكنه فشل .

واستمر هذا الحال حتى العام 1972 ، قبل أشهر من اندلاع حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973.

 في الفترة الممتدة بين عامي 1976 و1981 نشطت حركة حماس في تأسيس المراكز الإسلامية  في القطاع، وكان أبرزها: الجامعة الإسلامية (التي تعرضت للقصف) والمجمع الإسلامي، والجمعية الإسلامية.

الحجارة تدخل المعركة

 في كانون الأول/ديسمبر1987 اندلعت اول انتفاضة في غزة من مخيم جباليا حين صدمت شاحنة اسرائيلية  سيارات  مدنية عند معبر  Eretz وقتلت 4 عمال فلسطينيين وكانت اول مرة في التاريخ تدخل فيها الحجارة  لمقاومة اسلحة الفتك الحديثة وامتدت إلى كل الأراضي المحتلة واستمرت حتى 13 أيلول/ سبتمبر 1993 حين   تم التوقيع على إتفاقيات اوسلو، التي حققت فترة من الرخاء أواخر التسعينيات مع تنامي حركة التجارة  وفرص العمل  .

 وفي 4 أيار/ مايو 1994 اعادت القوات الإسرائيلية انتشارها في القطاع،  وإنتقلت السلطة  في حوالي 40 بالمئة من الأراضي إلى منظمة التحرير.

وكان قد اختارها الرئيس عرفات عام 1995 مقرا له إلى جانب قيادة السلطة الوطنية ووزارات السلطة ومؤسساتها المختلفة، والمقر المؤقت للمجلس التشريعي الفلسطيني، ومقر البعثات الدبلوماسية.

وتضم غزة جامعتين: الجامعة الإسلامية  وجامعة الأزهر، بالإضافة  إلى كلية التربية الحكومية وفرع جامعة القدس المفتوحة، لكن الأبواب ما لبثت أن أوصدت من جديد  إثر اندلاع الانتفاضة الثانية عقب دخول آرييل شارون، زعيم المعارضة آنذاك، حرم المسجد الأقصى مع عشرات من انصاره الرعاع، ومنذ اندلاع تلك الانتفاضة عام 2000 ، شن الناشطون الفلسطينيون آلاف الهجمات بالحجارة  والرصاص والقنابل والصواريخ  و قذائف المورتر على المستوطنين والجنود في غزة، وتكررت منذ ذلك الحين محاولات التسلل إلى المستوطنات  وعبر السيج الحدودي.

وقد رد الحيش الإسرائيلي على ذلك بشن عمليات مداهمة وغارات جوية  ذهب ضحيتها الكثير من المدنيين في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، وشرد الآلاف من سكان غزة الذين فقدوا قوت يومهم وقامت إسرائيل بهدم المنازل وتدمير المزارع، بحجة حرمان الناشطين من المخابئ  في حين كان الفلسطينيون يصفونها العقاب الجماعي يعني، “بروفه  مصغرة جدا لما تقوم به اليوم. وقد ساهم إتفاق هدنة ابرم في في شباط /فبراير 2005 خلال قمة إسرائيلية ــــ فلسطينية عقدت في مصر في تراجع اعمال العنف إلى حين. 

رفح باب الفرج

يرجع تاريخ تأسيس رفح إلى  آلاف السنين  ، وكانت تحمل اسم “رافيا ” الذي أطلقه عليها العرب .ومنذ ضمها إلى قطاع غزة عام 1967 أقامت إسرائيل على أراضيها اربع مستوطنات رئيسية هي بني عتصمونة وموراج ورفيق يام وبات سدي .

وتقول بلدية رفح ان هذه المستوطنات تقع على أجود الأراضي الزراعية التي تحتوي على خزان مياه جوفية كببر لا سيما منطقة المواصي الساحلية.

 تقع المدينة التي يكثر الحديث عنها هذه الأيام كباب للفرج إلى مصر، ومخيمها للاجئين الذي يحمل الإسم نفسه، بمحاذاة الشريط الحدودي بين الأراضي الفلسطينية  ومصر، جنوب القطاع. يحدها من الناحية الجنوبية  خط النار الذي يشهد باستمرار مواجهات مسلحة .

لا تتجاوز مساحة المدينة أربعين كيلومترا مربعا بطول ثمانية كيلومترات  وعرض خمسة. وهي موزعة على شطرين يحملان الآسم نفسه أحدهما في الجانب الفلسطيني والآخر في الجانب المصري. وهي لا تبعد عن قرية الشيخ زويد في سيناء إلا 16 كيلومترا، وعن مدينة العريش المصرية جنوبا سوى 45 كيلومترا مما يسمح بحركة تجارية نشطة في الظروف الطبيعية. وتبعد رفح ومخيمها عن مدينة غزة 38 كيلومترا ولا تبعد عن مدينة خان يونس التي تقع شمالها سوى 13 كيلومترا ورغم قربها من البحر المتوسط إلا أن مناخها شبه صحراوي.

وكان سكان المخيم بحدود مئة الف لاجئ منذ سنوات قليلة، في حين أن سكان المدينة نفسها نحو نصف هذا العدد.

وقد اعتمدت سلطات الإحتلال منذ عام 1967 الى انتهاج سياسة تدمير وهدم المنازل على طول الشريط الحدودي للبحث عن انفاق (القصة قديمة) تقول أنها تستخدم لتهريب السلاح من مصر.

وكان الجيش الإسرائيلي يقوم بحملات توغل منذ اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول/ سبتمبر عام 2000، بحيث أن منطقة بعمق مائتي متر على الحدود مع مصر مكشوفة ومدمرة منذ ذلك الحين وكان قد سقط في مخيم ومدينة رفح جلال انتفاضة الأقصى نحو 500 شهيد. وحسب احصائية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الاونروا) فقد دمر الجيش الإسرائيلي خلال تلك الانتفاضة أكثر من ألف ومئتي مبنى ومنزل لأكثر من ثلاثة آلاف عائلة فلسطينية.

ما يجري اليوم  تدرب عليه الإحتلال منذ نشأته والمقاومة تتدرب على اقتلاعه منذ نشأته أيضا.

يتبع

Visited 9 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

جورج الراسي

صحفي وكاتب لبناني