هنري كيسنجر: تألق ديبلوماسي وبؤس أخلاقي
رضا الأعرجي
“رغم تألقه الدبلوماسي، لم يتمكن قط من إخفاء بؤسه الأخلاقي العميق”..
هذا هو التعبير الذي استخدمه سفير تشيلي لدى الولايات المتحدة، خوان غابرييل فالديس، في الإشارة إلى وفاة وزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كيسنجر، يوم الأربعاء، عن عمر يناهز 100 عام.
وذكّر السفير بتصريحات لكيسنجر قال فيها: “لن ندع تشيلي تغرق في البالوعة”.. بعد وقت قصير من انتخاب سلفادور الليندي رئيساً لتشلي عام 1970 مما دفعه إلى العمل على انتزاع السلطة من الرئيس الاشتراكي، وتجاهل مخاوف كبار مسؤولي وزارة الخارجية بشأن القمع الذي مارسه بينوشيه بعد انقلابه على الشرعية.
وكانت وثائق رفعت عنها السرية وكالة المخابرات المركزية (سي آي ايه) كشفت عن مدى التورط الأمريكي في الانقلاب ضد الليندي. بما في ذلك وثيقة تعود ليونيو/حزيران لعام 1970، أي قبل فوز الليندي في سبتمبر /ايلول في انتخابات ذلك العام، تفيد بأن كيسنجر علق، خلال إحدى جلسات “لجنة الأربعين” المجموعة رفيعة المستوى في النظام السياسي الأمريكي: “لا أفهم لماذا يتعين علينا الانتظار والسماح لبلد ما بأن يصبح شيوعياً بسبب عدم مسؤولية شعبه”.
بعد أقل من أسبوع من فوز الليندي بالانتخابات، طلب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون من كيسنجر “تقييم الخيارات المتاحة” لمنع السياسي الاشتراكي من الاستمرار في ولايته.
شاهدت على التلفزيون العديد من المتحدثين عن كيسنجر هذا. هناك من وصفه بـ “الدبلوماسي اللامع” و”المفكر”، وهناك من قال: “كان يعاني من جنون العظمة، وقد شعر دائماً أنه قادر على حل أعقد المشاكل.” وهناك من تساءل: لا أعرف ما الذي كان يفكر فيه النرويجيون عندما منحوه جائزة نوبل للسلام؟
وعلى هذا المنوال، عبر كثيرون عن الازدراء حيال شخصيته النرجسية مذكرين بجرائمه التي راح ضحيتها الملايين من الفيتناميين والكمبوديين.
ومن بين من شاهدتهم المفكر والوزير اللبناني الأسبق غسان سلامة الذي حمل كيسنجر مسؤولية تعطيل أية خطوة للسلام بين العرب واسرائيل على مدى عشرين عاماً باتفاق سري عقده مع رئيس وزراء الكيان رابين.
وعلى العموم، كان أنصار كيسنجر يرونه “رجل دولة عظيماً أنهت مبادراته الجريئة حرب فيتنام، وعززت السلام العالمي، وساعدت في الانفتاح على الصين” فيما هو في رأي منتقديه “مجرم حرب، شرير ومتغطرس، وغير أخلاقي، يتساهل مع الطغاة، ويسمح بمذابح مروعة في ثلاث قارات”.
لقد حظي بالاحترام والتحقير في نفس الوقت..
في كتابها “حوارات مع التاريخ والسلطة” تذكر الصحفية الايطالية أوريانا فلاتشي أن كيسنجر لم يكن يخشى النقد أو يشعر بالقلق جراء ما يرسمه من سياسات، وقد اعترف بذلك في المقابلة التي أجرتها معه حيث قال “الحكم العلني على ما أفعله لم يزعجني قط”.
عرف كيسنجر بدوره غير المسبوق كمستشار للأمن القومي ووزير للخارجية الأمريكية الذي جعل منه نوعاً ما شريكاً للرئيس الأمريكي، خصوصاً خلال فترة الاضطرابات التي شهدتها الإدارة الأمريكية بعد فضيحة “ووترغيت” الشهيرة. ووفقاً لرواية انطوني سمر في كتابه “غطرسة القوة: عالم ريتشارد نيكسون السري” لم يكن نيكسون يثق بكيسنجر، وكثيراً ما شكك في صدقه، وكانت رغبة كيسنجر في الشهرة، وطموحه من أجل خدمة مصالحه الذاتية، جعلت نيكسون يشعر بالتوتر بشأن ولائه، وقد اشتبه على وجه التحديد في أن كيسنجر الذي يرى نفسه “مثقفاً متفوقاً” يحاول أن يتلاعب برئيس مرن، وكان نيكسون يطلق لقب “الولد اليهودي” خلف ظهره وأحياناً في وجهه، كوسيلة لإذلاله وتقييد حركته.
يمكن اختصار كيسنجر بكلمتين: عقل شرير..
لقد غلب يهوديته على منصبه الرسمي في كل ما يتعلق بالشرق الأوسط، وكان يرى من مصلحة اسرائيل أن تظل المنطقة في حالة صراع دائم ومواجهات، وقد عمل بسياسة الـ(خطوة.. خطوة) وليس على حل شامل وعادل لإبقاء جذوة الصراع مشتعلة، وهو الذي لعب الدور القذر للتغطية على انتصار مصر وسوريا في حرب أكتوبر 1973 بتلك السياسة التي لم تسفر عن نتيجة ملموسة رغم الجولات المكوكية التي قام بها للمنطقة.
Visited 17 times, 1 visit(s) today