لقاء بفاس يقارب إشكاليات التواصل في حائطين واحد فيزيقي وآخر افتراضي
الحيحي السملالي
نظمت الجمعية المغربية لتربية الشبيبة AMEJ فرع فاس عشية أمس السبت ثاني دجنبر 2023 بدار الشباب البطحاء بالمدينة العتيقة، لقاء فكريا خصص لقراءة مؤلف ” حفريات صحفية من المجلة الحائطية الى حائط فايس بوك ” للكاتب الصحفي جمال المحافظ ساهم فيه الأستاذين الجامعيين ومحمد الزوهرى ومصطفى اللويزى ، وذلك بحضور عدد من الفعاليات التربوية والثقافية والاعلامية والجامعية.
وقال الأستاذ محمد الزوهري، في مستهل مداخلته خلال هذا اللقاء الذي أشرف عليه وأداره باقتدار الفاعل الجمعوي والحقوقي حسن بنعدادة عضو المكتب المركزي السابق للجمعية المغربية لتربية الشبيبة، بأنه من الصعب الإلمام بمختلف الجوانب التي يتضمنها كتاب ” حفريات صحفية من المجلة الحائطية وحائط الفايس بوك” موضحا أن هذا المؤلف الواقع في نحو 400 صفحة من الحجم المتوسط، ” تجربة حياة وكفاح، وجمع شتات معرفي مفيد، يربط بينهما خط ناظم رفيع للعناوين المائة التي يشتمل عليها”.
وفي معرض تحليله لمضامين الكتاب الذي كتب تقديمه ادريس اليزمي رئيس المجلس الوطني للجالية المغربية بالخارج، لاحظ أنه يمكن تقسيمه الى سبعة محاور رئيسة، حددها بالخصوص في غناه المعرفي والعلمي، من خلال ما يزخر به من وثائق وشهادات حول تاريخ المغرب المعاصر متوقفا في هذا السياق عند عدد من المحطات يأتي في مقدمتها على سبيل مثال لا الحصر، مخطوط ناذر لمحمد بلحسن لحجوي الثعالبي حول حرية الصحافة وواجبات الصحفيين، فضلا عن تناوله للإعلام داخل محيطه السياسي والثقافي والحقوقي وأخلاقيات المهنة والعمل النقابي .
تواصل جيلين
كما وصف الزوهري، المحور الخامس من الكتاب الذي خصصه المؤلف لتحليل العلاقة الجدلية القائمة ما بين المجلة الحائطية وحائط الفيس بوك، ودورها في نطاق التواصل، بأنه موضوع نفيس، وأن المجلة كانت منصة للجيل الماضي، في حين أصبح الفيس بوك وسيلة للتواصل الاجتماعي للجيل الحالي مسجلا بأن الكاتب ركز كذلك على مستقبل الصحافة والصحفي في التحولات التكنولوجية الراهنة، وتحديات الخدمة العمومية في الاعلام، وأهمية الاستثمار في الفضاء الرقمي ووضعية اللغة العربية في وسائل الإعلام.
وباعتباره من بين الفاعلين المدنيين والنقابين ، أكد الزوهري أن الكاتب جمال المحافظ، لم يغفل في مؤلفه ” الاحتفاء بالتأطير الجمعوي” من خلال نموذج الجمعية المغربية لتربية الشبيبة AMEJ التي كان عضوا سابقا بمكتبها المركزي إبان رئيسها محمد الحيحي ( 1928-1998 ) فضلا عن استحضاره لشخصيات وطنية بصمت تاريخ المغرب من قبيل المهدي بن بركة، وعلال الفاسي، وعبد الرحمان اليوسفي وعبد الكريم غلاب ومحمد عابد الجابرى ومحمد العربي المساري، وآخرون فضلا عن انشغال خاص بالقضية الفلسطينية وتطوراتها والأغنية الملتزمة من خلال مجموعة “جدل”.
الكاتب والراصد
ومن جهته أشاد الأستاذ اللويزي، وهو صحفي سابق بوكالة المغرب العربي للأنباء. وقال إن الكاتب الذي تمكن في مؤلفه من ” تجميع متلاشيات في كتاب واحد، متعدد المواضيع والاهتمامات، على الرغم ليس من السهل القيام بذلك”، الاشتغال بخلفية الباحث والكاتب والصحفي، والراصد لعدد من القضايا وتحويلها إلى محطة للتفكير والتأمل العلمي حول مختلف التحديات التي تواجه الصحافة والاتصال والعمل الجمعوي راهنا، وذلك من خلال استحضار فترات من التاريخ وتوظيفها، بإتقان وبسلاسة للاستفادة من دروسها.
اختلاف وتقاطع
وبعدما تساءل عن معنى الحفريات التي كانت أول كلمة في عنوان الكتاب، سجل الأستاذ اللويزي بأن الانطلاق من المجلة الحائطية إلى الفايس بوك ” مسار طويل لعالمين مختلفين”، لكنهما في نفس الوقت يتقاطعان في محاولتها خلق التواصل والنقاش والعيش المشترك” متوقفا بإسهاب عند المدلولات الصور الثلاث التي تضمنها غلاف الكتاب التي وصفها بأن اختيارها ليست مجانية بل تبين – في نظره – هوية الكاتب في مجال ” النضال والصمود”.
وخلص المتدخل الى القول بأن ” حفريات صحفية من المجلة الحائطية الى حائط فايس بوك ” الذي يعد ” سفرا ممتعا في محطات تاريخية متنوعة”، تمكن فيه صاحبه جمال المحافظ، أن يتحول إلى راصد لتموجات الحقل السياسي والإعلامي والمجتمعي، وذلك من خلال نجاحه في وضع اليد على فترات حاسمة من تاريخنا المعاصر.
عالمان مادي وافتراضي
وبعد ذلك أوضح صاحب الكتاب، أن المجلة الحائطية و الفيس بوك، يتشبهان في عدة خصائص أبرزها كتابة كل منهما على الحائط، رغم أن حائط المجلة عالم مادي فيزيقي، في حين أن حائط الفيس بوك افتراضي رقمي، ورغم اختلاف أزمنة نشأتهما ودعاماتهما، فإنهما يتقاسمان خاصية “الفعل التواصلي” الذي لا يقوم على تبادل المعلومات، وإنما يقوم بفعل التأويل لما يحدث ويستطيع بلورة القواعد والأليات التي تسمح بالعيش الجماعي.
وقال ليس الغرض، من تأليف الكتاب تفكيك ” لغة” المجلة والفيس بوك، ارتباطا بسياقاتهما التاريخية والاجتماعية، ولكن اثارة الانتباه إلى أن المجلة الحائطية رغم محدودية امكانياتها، كانت احدى آليات التواصل والإخبار والتثقيف والترفيه في “الزمن الورقي” والكتابة ب” خط اليد” لجمعيات ومنظمات الشباب ولنشر مواقفها وتحسيس أعضائها وروادها بدور الشباب والتعريف بأنشطتها الثقافية والتربوية، وذلك قبل عصر “الزمن الرقمي” ووسائط التواصل الاجتماعي التي أنهت على ما يبدو أنهت مرحلة وفتحت مرحلة جديدة في مجال الاتصال والتواصل.
همزة وصل
فكما هو شأن ” فيس بوك” اليوم، الذى أضحى “همزة التواصل” الرئيسة بين الأفراد والجماعات، فإن المجلة الحائطية، كانت في زمانها فضاء مفتوحا للحوار والنقاش حول العديد من القضايا التي كانت تستأثر باهتمامات الفاعلين التربويين والثقافيين، وجدالاتهم حول هموم الميدان التربوي والثقافي والفني الاجتماعي والبيئي، وهي السجالات التي كانت تحتضنها وتعكسها المجلة الحائطية التي كانت تعتمد “خطا تحريريا” منسجما مع أهداف وتوجهات أقلام الهيئات الناشرة لها، ويتولى على الصعيد التنظيمي، تصنيف مواد المجلة الحائطية وتحرير زواياها “كتابا مهنيين قارين” غالبتهم من اللجنة الثقافية، ويشرفون أيضا على إخراجها في قالب فني بديع لاستمالة القراء.
ناطق رسمي
فالمجلة الحائطية التي يعود لها الفضل في تكوين رموز ثقافية وتربوية مخضرمة، لها مكانتها في ميادين السياسة والابداع والفكر والثقافة والعلوم، كانت “ناطقا رسميا” لناشريها، وفضاء للتعبير عن الآراء حتى المتعارضة منها ووسيلة للتنشيط الفكري التربوي والثقافي، والتعريف بالثقافات الأخرى عربية ودولية، فضلا عن القيام بمهام التحسيس بالقضايا الوطنية والقومية خاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي كانت تحتل مكانة متميزة وتحظى بزاوية قارة للتعريف بنضال الشعب الفلسطيني ومقاومته السياسية والثقافية، وصموده أبناءه ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وخلص جمال المحافظ الى القول أنه على الرغم من مواصلة المجلة الحائطية صمودها “وسط أعاصير ” الرقمنة، فإن اغراء وسائط الاتصال، أرخى بظلاله الكثيفة في زمن التواصل والاعلام الرقمي، على فئة الشباب التي أشاحت بوجوهها عن سبورة هذه المجلة المعلقة، وانغمست في الإبحار في شبكة الإنترنيت، مما جعل المجلة الحائطية، تظل نوستالجيا لجيل وقصة موت غير معلن.
وفي تفاعلهم مع المداخلات خلال هذا اللقاء الذي يندرج في اطار الأنشطة الثقافية لفرع فاس للاميج، تطرق عدد من الحاضرين الى الأهمية الخاصة التي يكتسيها هذا الإصدار ، والدور الذي يضطلع به العمل الجمعوي ماضيا وحاضرا في تأطير الشباب، وضعية الصحافة والاعلام، وانعكاسات الثورة الرقمية التي أولاها الكاتب اهتماما استثنائيا.
ثقافة وترافع
وهكذا توقف عبد القادر شرف الرئيس السابق للجمعية المغربية لتربية الشبيبة، والمسؤول السابق في قطاع الشباب والطفولة عند بعض المحطات التي جمعته بالكاتب، خاصة في المجال الجمعوي، داعيا الى إيلاء الاهتمام بذاكرة الشباب، وفي مقدمتها المركز الوطني للشباب بالمعمورة بسلا، معبرا عن اعتقاده بأن اشتغال مؤلف الكتاب بالصحافة، بعد قضائه فترة تدريبية بالمحاماة يرجع بالأساس إلى التجربة التي راكمها في التواصل عبر المجلة الحائطية، التي كانت تهدف إلى الرفع من الشأن الثقافي والثقافي، وترافعه عن حقوق الأطفال والشباب.
أما الحبيب قابو رئيس جمعية الأوراش المغربية للشباب التي تأسست سنة 1961، فأشار إلى أن الفيس بوك أصبح في ظل المتغيرات الراهنة، ” المتنفس الوحيد للشباب” منتقدا ” ما أصبح يروج من ضحالة وارتزاق بالفضاء الأزرق”، مبرزا الأدوار الطلائعية التي اضطلعت بها المجلة الحائطية، في التأطير الثقافي والتربوي وترسيخ قيم المواطنة والعمل الجماعي ودعم الابداع والابتكار. أما نور الدين الوردي الاطار بجمعية لاميج، وفرعها بفاس، فأكد بدوره على أن الكتاب يعد في حقيقة الأمر محصلة تجربة متميزة داخل كل من العمل الصحفي والمدني، وفي ذات الوقت خلاصة مسار فترة تاريخية لمرحلة غنية في الاعلام الوطني والحركة التطوعية، تشكل مادة خام، في إمكانها أن تفتح الباب للدارسين والباحثين للاشتغال العلمي، عليها ولاستفادة الفاعلين الميدانيين من عنفوانها والتفاعل مع خلاصاتها والاستلهام من قيمها النبيلة.
وكان طارق موفق رئيس فرع فاس للجمعية المغربية لتربية الشبيبة، قد أكد في كلمة ترحيبية في مستهل هذا اللقاء بأن الاحتفاء بالكتاب وصاحبه، هو في الواقع احتفاء بجيل كامل، كانت له وما زالت مساهمات فعالة في ترسيخ قيم الوفاء والتضحية ونكران الذات، ويعود له الفضل في صيانة ذاكرة الحركة التطوعية والعمل التربوي الجاد، في مرحلة صعبة من تاريخنا الوطني.
Visited 19 times, 1 visit(s) today