“حل الدولتين” ما بين التحقيق الفاعل والتأجيل المستمر

“حل الدولتين” ما بين التحقيق الفاعل والتأجيل المستمر

 أحمد مطر

     الجميع بمن فيهم الولايات المتحدة، موافقون على حل الدولتين، كما ان المجتمع الدولي مقتنع بانه لا سبيل للسلام الا بحل الدولتين، المبادرة العربية بدورها موجودة، إلا أن الرافضة أن والمعرقلون أحزاب اليمين المتطرف الاسرائيلي وحماس، نحن أمام إجماع غير مسبوق إقليمي ودولي، فالقضية الفلسطينية قضية دولية واضحة تعترف بها معظم دول العالم، ولن يتحقق للفلسطينيين ما يريدون إلا بالتماسك والتضامن واتباع أساليب جديدة غير المقاومة المسلحة واللجوء إلى سياسات ومبادرات يستمع إليها العالم بلغة جديدة وتفكير مختلف ورؤية واقعية تستوعب المتغيرات الدولية والإقليمية.
   انطلقت المرحلة الثانية من الحرب على غزة بعد سبعة أيام من الهدنة. تبدو هذه الانطلاقة مطلوبة أمريكياً بعد أن استشعرت واشنطن إن الهدن الانسانية التي ساهمت بانعقادها قد جعلت إسرائيل تنزلق الى التفاوض غير المباشر مع حركة حماس، بما يسقط كل الأهداف المعلنة للحرب. وفي هذا السياق لم تكن توصية وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن بتجنب استهداف المدنيين سوى وسيلة لإخراج إسرائيل من مأزق الجمع بين الأهداف الإسرائيلية والجلوس مع حركة حماس، وإعطاء الضوء الأخضر الأميركي للعودة إلى القتال.
   لا تكفي تجزئة القطاع الى مربعات لتبرئة الجيش الإسرائيلي والإدارة الأميركية من دماء الفلسطينيين العزل وهدم المنازل والمدارس والمستشفيات، كما أن غياب الدبلوماسية الأميركية، التي واكبت المرحلة الأولى للحرب عن رام الله وتل أبيب والقاهرة لا يترك مجالاً للشك أن الولايات المتحدة تريد أن تنقل الصراع الى مرحلة جديدة لها أهدافها التي تتجاوز مسألة أمن إسرائيل وتشكيل السلطة الفلسطينية الجديدة بعد انتهاء الحرب. وبهذا  المعنى يتماهى الفشل الإسرائيلي بالفشل الأميركي  وتصبح الحرب على غزة مسؤولية أميركية مفتوحة الأفق والاحتمالات، وتصبح شروط وقف إطلاق النار أكثر تعقيداً ويصبح التساؤل حيال الأهداف الكامنة لاستحضار عظيم القوات البحرية الأميركية الى المنطقة مشروعاً.
   تريد الولايات المتحدة أن تكون الحرب الدائرة في غزة هي آخر  فصول الصراع العربي الإسرائيلي، وآخر الحروب في المنطقة بهدف إعادة تشكيلها، بعد جهد أميركي موصوف منذ ثمانينيات القرن الماضي لإفشال النموذج الذي كرسته معاهدة سايكس بيكو وتحول كياناتها إلى دول فاشلة بكل المقاييس. بهذا المعنى يمكن فهم العلاقة العضوية والتقاطعات المعقدة بين واشنطن والجمهورية الإسلامية في إيران التي أسقطت حتى الآن أربعة من دول المنطقة ثلاثة منها لبنان وسوريا والعراق تشكلت بموجب الاتفاقية المذكورة، بالإضافة الى دورها في إنهاء نموذج الدولة القومية لصالح نموذج الدولة المذهبية المتفجرة في الداخل والمقتتلة مع محيطها. وبهذا المعنى يمكن فهم الترحيب والاطمئنان الأميركي الدائم للتمدد الإيراني في المنطقة منذ حرب الخليج الأولى بعد احتلال الكويت عام 1991، ويمكن فهم الرعاية المشتركة الإيرانية الأميركية لولادة وتسليح كل الميليشيات المذهبية في المنطقة.
   لقد كان لافتاً تأكيد طهران على تنصلها من طوفان الأقصى منذ اليوم الأول، ولكن اللافت أكثر لم يكن التأكيد الأميركي على عدم وجود أي علاقة لطهران بما جرى، بل القبول بما ادعته بأنها لا تمارس أي وصاية على الميليشيات التي تدعمها، وأن كل ما تقوم به هذه الميليشيات إنما يتم بقرار مستقل عن طهران.
   ومن أجل إضفاء المزيد من السوريالية على المشهد وتحت عنوان تخفيف الضغط عن غزة، تمارس الأذرع الإيرانية في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن نمطاً مشهوداً من الانضباط العملي الدقيق يراعي حضور طهران في كل المسارح من البحر الأحمر الى القواعد الأميركية في العراق وسوريا وصولاً الى جنوب لبنان، ولا يلامس التهديد الحقيقي بتغيير قواعد الاشتباك المرعية الإجراء. من جهة أخرى تقابل الولايات المتحدة، بالرغم من قدراتها العسكرية المنتشرة في المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي والقواعد العسكرية العديدة، رعاية أبوية لتهديدات الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر، وتسأل الحكومة العراقية التي أنتجها الإطار التنسيقي المدعوم من إيران معالجة الهجمات التي تقوم بها الميليشيات على القواعد الأميركية فيما تلوح بإقفال الطريق بين سوريا والعراق دون أن تقفله، وتطالب الحكومة اللبنانية بعدم توسيع الاشتباكات على الحدود الجنوبية.
    لقد أضحت الميليشيات الإيرانية أحد متممات الحضور الأميركي في المنطقة وأهم مسوغات نجاحه التي يعاد استخدامها لفرض استحقاقات قاسية، انطلاقاً من غزة، على دول المنطقة لا سيما تلك التي تجمعها…

Visited 6 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني