حرب غزة والرقابة المسيرة
تعتبر دار فايار الفرنسية للنشر، أحد أهم الدور الفرنسية التي لعبت دورا مهما ورياديا في الثقافة الفرنسية، في نشرها ودمقرطتها.
تأسست الدار عام 1857 ونشرت أمهات الكتب، سواء في مجال الأدب وبخاصة في مجال العلوم السياسية والاجتماعية. وبفعل النفوذ المالي والسلطة السياسية أصبحت اليوم أحد أجنحة دار هاشيت، وركنا من أركان امبراطورية فانسان بولوري، الذي يتحكم في الغالبية العظمى من المنشورات والقنوات.
تاريخ آخر، ثقافة أخرى بفاعلين جدد وخلفيات ايديولوجية جديدة. وكان لتعيين إيزابيل سابورتا 47 عما كرئيسة-مديرة عامة نفس المخلفات السلبية التي تركها تعيين جوفروا لوجون، المقرب من اليمين المتطرف، تعيينه مديرا للتحرير على رأس لوجورنال دو ديمانش. وتعرف كلا المؤسستين ردة في المبيعات بفعل نفور الجمهور من سياستهما.
اليوم وعلى خلفية حرب غزة، وفي مناخ يشوبه هاجس الدفاع عن إسرائيل، مع تحريك كل الوسائل والوسائط لشيطنة حماس وتبرير سياسة الأرض المحروقة، تموقعت دار فايار إلى حد فرض الرقابة على أحد الكتب الهامة حول فلسطين، مع حذفه من الكاتالوج والمكتبات. فالكتاب غير متوفر واختفى بقدرة قادر سواء من منصة أمازون، لدى الناشر أو المكتبيين.
يتعلق الأمر بكتاب صدر عام 2006 من توقيع المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي، أحد «المؤرخين الجدد والمساندين للقضية الفلسطينية»، الذين أعادوا النظر في التاريخ الهجين لإسرائيل. هذا الكتاب الذي يحمل عنوان “التطهير العرقي لفلسطين” تمت مساندته عند صدوره من طرف العديد من المؤرخين، الذين اعترفوا بصرامة الحقائق التي قدمها وفرادة المقاربة، التي أنجزها وذلك بالاعتماد على وثائق ومادة حية.
عاملان كانا سببا في سحبه وحجبه: المواقف المناهضة لبابي لدولة إسرائيل، حيث وقع المؤرخ رفقة المفكر ناعوم تشومسكي أبحاثا في هذا المجال، كشف الكتاب عن الترهات والمزاعم التي تقدمها إسرائيل في أكثر من واقعة:
مثلا وعلى مستوى الديمغرافيا بلغ عند نهاية 1947 عدد السكان قرابة المليونين: ثلث من اليهود، ثلثين من العرب. قررت الأمم المتحدة تبعا لقرار 181 تقسيم فلسطين إلى دولتين. لكن بعد سنة على هذا القرار، تم تشطيب 500 بلدة من الخريطة مع تهجير سكانها.
هكذا ستبدأ عملية الخياطة على أيدي عدة أطراف محلية ودولية لتطهير فلسطين من سكانها والدفع بهم إلى الشتات. لذا فالنكبة مسلسل تم إعداده مسبقا، ولم يكن وليد طاريء ظرفي. وتظهر لنا حرب غزة أن سيناريو التهجير قد أعد من قبل وتساهم فيه عدة أطراف.
لذا فإن التاريخ يعيد نفسه بالدم، بالحديد والنار على حساب الشعب الفلسطيني.
Visited 10 times, 1 visit(s) today