الحكومة المغربية تلعب بالنار مع التعليم
اسماعيل طاهري
يبدو أن وزارة التربية الوطنية في المغرب تلعب بالنار، وهي مصرة على عدم الاستجابة للملفات المطلبية للشغيلة التعليمية، سواء المادية أو المعنوية.
وهذا الإصرار على عدم الاستجابة لأهم مطلب يتعلق بأساتذة وأستاذات التعاقد. فالإصرار على التعاقد في صيغة “الموظف الأكاديمي/الجهوي،” هو إصرار على استدامة الأزمة. كما أن التنكر للاتفاقات الموقعة مع النقابات منذ 2011، على الأقل، يبين النية السيئة للسلطة في خنق التعليم العمومي، وتحطيم كرامة ومعنويات مدرسي المدرسة العمومية، وبالمقابل فتح المجال أمام التعليم الخاص لنهب مدخرات الطبقة الوسطى.
وعوض أن تكون الطبقة الوسطى “ثرة الأمم” كما قال كانط، تحولت في المغرب إلى العكس. وأصل هذه المصيبة التي حلت بالتعليم، منذ سن مخطط المسار (التقويم الهيكلي) في الثمانينيات من القرن الماضي، مرورا بتوصيات البنك الدولي للخروج من السكتة القلبية منتصف التسعينات من القرن ذاته، هي إملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي يتم تطبيقها بالنقطة والفاصلة، حتى تتمكن الدولة من الحفاظ على خط ائتماني لأخذ الديون الخارجية. وخلاصة هذا المخطط هي تقليص الوظيفة العمومية وخوصصة التعليم والصحة والخدمات الإجتماعية والعمومية (قانون الخوصصة ÷ قانون ميثاق المرافق العمومية)
لهذا، فإذا لم يفك المغرب ارتباطة التبعي بالدوائر المالية الدولية فلن يكون له قرار وطني سيادي ومستقل في مختلف المجالات.
فإذا كان هناك إجماع وطني على ضرورة إلغاء نظام التعاقد في التعليم، فلماذا تتشبث الدولة به إلى آخر رمق. ولو كانت دعواها بكونه يدخل في إطار تنزيل ورش الجهوية المتقدمة، فلماذا اقتصر الأمر على التعليم، ولم يطل باقي القطاعات الحكومية الاخرى؟
وإذا كانت الحكومة تتحدث عن جهات سياسية تقف وراء الحراك التعليمي غير المسبوق، فلماذا تتلكأ في حل مشكل التعاقد الذي لن يكلفها درهما واحدا؟
ولماذا خلق نظام تعليمي بقطبين، واحد تابع للوظيفة العمومية والثاني تابع للأكاديميات الجهوية؟
ما بدا اليوم أن الوزارة ماضية في إعادة إخراج نسخة منقحة ومزيدة من مرسوم النظام الأساسي المجمد، وبعد نجاحها في استقطاب نقابة التوجه الديمقراطي FNE لأغراقها في خماسية النقابات الأكثر تمثيلية، واستبعاد التنسيقيات صاحبة الكلمة الفصل في الميدان، فإنها تسير في الطريق الخطأ لحلحلة الأزمة. وفعلا إن الحكومة تلعب بالنار التي قد تحرق الأخضر باليابس. لأن احتمال انتقال شرارة الاِحتجاجات قد تطال قطاعات أخرى.
فالنقابات لا تمثل تنسيقية المتعاقدين، التي تضم 140 ألف أستاذ حرموا من المشاركة في الانتخابات المهنية لاختيار اللجان المتساوية الأعضاء. مما يعني أن التمثيلية إياها منقوصة بما يقارب 50% من الشرعية والمشروعية.
والحكومة التي ترفض محاورة التنسيقيات، وعلى رأسها تنسيقية المتعاقدين، هي نفسها مطعون في تمثيليتها، لأنها منتوج انتخابات برلمانية مزورة.
ولو كانت في المغرب دولة ديمقراطية، لما عرفت مثل هذه الحكومة التي تفتقد إلى الشرعية والمشروعية، ولا تستند على السيادة الشعبية، فالسيادة للأمة (الشعب) تمارسها عبر الانتخابات النزيهة.
ولو كانت هذه الحكومة، بالمعنى نفسه، حكومة سياسية، لما أعابت على المواطنين جماعات وأفراد ممارسة السياسة في الدفاع عن مصالح مشروعة يضمنها الدستور والمواثيق الدولية ذات الصلة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية.
لهذا من الصعب تصور قبول هذه الحكومة بتحقيق مطالب شرعية ومشروعة للشغيلة ااتعليمية التي تراكمت لعقود. فرغم أن موازين القوة ليست لصالح الحكومة والمدارس في شبه إضراب لأكثر من شهرين، فالحكومة لازالت مصرة على حماقاتها البيروقراطية، ولازالت ماضية في غيها ولوك الكلمات والمصطلحات التربوية والتقنية خلال جلسات الحوار المراطونية، للاِلتفاف على الاستجابة للمطالب الواضحة والمسطرة في الملف المطلبي للتنسيق الوطني، الذي يضم 23 تنسيقية. مع أن هذه الحوارات دامت لأكثر من سنتين، دون نتيجة ترضي الشغيلة التعليمية، وأسفرت هذه الحوارات وما رافقها من كولسة عن نظام أساسي تراجعي، وصف عن حق بـ”نظام المآسي”.
واليوم، تحاول الحكومة من خلال الحوار مع النقابات الأربع ثم الخمس، أن تعطي الانطباع بقبولها تغيير كل شيء شكلي وجزئي، لكي لا يتغير أي شيء في مضمون النظام الأساسي القائم على التعاقد وحرمان معظم الفئات المتضررة من حقوقها غير القابلة للتصرف.