وساطة الوسطاء لا تجدي المقاومة نفعا ولا فائدة

وساطة الوسطاء لا تجدي المقاومة نفعا ولا فائدة

عبد السلام بنعيسي

    يبدو الحديثُ عن الوساطة المصرية، أو القطرية، أو الأردنية، لوقف الحرب المُشنَّةِ من طرف الكيان الصهيوني على قطاع غزة، حديثا بلا معنى. إذا أردنا التدقيق، فنحن أمام طحنٍ للكلام، ووساطة بلا جدوى، ويمكن الجزم، في ظل المعطيات المتوفرة، بأن هذه الوساطة محكوم عليها، مسبقا، بالارتطام بالجدار المسدود، وأن مفعولها لن يغير شيئا، في مسار الوقائع الميدانية الناتجة عن الحرب. الوساطة مجرد وهم، ولن تجدي المقاومة، لا نفعا، ولا فائدة.

 لسنا إزاء نزاعٍ بين قبيلتين، أو مشاجرةٍ جرت بين فردين من أسرتين متنافستين، يُمكنُ لتدخُّل الوجهاء، والأقرباء، والأحباب، وببوْسِ اللحى، وترطيب الخواطر، إحداث مصالحة بين المتنازعين، ولسنا حتى أمام اصطدامٍ مسلّحٍ يحدث بين جيشين لدولتين متجاورتين حول بئر نفطي، أو حقلٍ للغاز، أو منجم للذهب، أو الفضة، أو النحاس، يوجد على حدودهما المشتركة، وقد يقتضي الأمر ويسمح، باللجوء إلى وساطة طرفٍ ثالث، لسدِّ الفجوة القائمة بين الجهتين المصطدمتين، وبما يُفضي إلى تفاهمهما، ويتيح نجاحَ الوساطة المفترضة…

الحرب الدائرة رحاها حاليا في قطاع غزة، تتخذُ طابعا وجوديا بالنسبة لكلا الطرفين المتصارعين. النتيجةُ الختامية لهذه الحرب لن تسفر عن تعادل الطرفين، إنها صراعٌ مفصلي، سيكون فيه طرفٌ منتصر، وآخر مهزوم. هذا صراع لا وساطة، ولا وسطية، في النتيجة التي سينتهي إليها..

فمن جهة، الكيان الصهيوني يرفع شعار، إبادة حركة المقاومة الفلسطينية والقضاء المبرم عليها، مرفقا بإطلاق سراح جميع أسراه المحتجزين لديها، دون قيدٍ ولا شرطٍ، ولم يعد الكيان الصهيوني يقبل بوجود حتى سلطة محمود عباس في رام الله، أي أنه يريد شطب الشعب الفلسطيني من أرضه، وتهجيره خارجها، إن لم يكن اليوم فغدا، والقتل الجماعي الذي يتعرض له الفلسطينيون بشكل وحشي، والتجويع، والتعطيش، والرمي في العراء، والحرمان من الوقود، والدواء، يندرج في سياق دفع الشعب الفلسطيني للهجرة من القطاع صوب سيناء..

 وفي الجهة المقابلة، لا ترضى المقاومة الفلسطينية إلا بتبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين، وانسحاب القوات الإسرائيلية من جميع المواقع التي دخلتها في القطاع عقب عملية طوفان الأقصى، وهي تُصِرُّ على وقف إطلاق النار أولا، قبل قبول الشروع في أي شكل من أشكال التفاوض حول موضوع الأسرى الموجودين بين يديها..

تشعر إسرائيل أن قبولها وقف إطلاق النار والخروج من القطاع، للتفاوض مع المقاومة حول الأسرى، يعني إعلان هزيمتها المدوية في هذه الحرب، وأن ذلك سيشكل مدخلا للمطالبة، بفتح المعابر، ورفع الحصار، وإعادة الإعمار، والتعويض عن التدمير، والتفاوض حول مستقبل الشعب الفلسطيني، وكيفية تقرير مصيره، وإنشاء دولته المستقلة، ولو في حدود الرابع من يوليو 1967، كمرحلة أولى..

لكن نتنياهو المتعطش للسلطة والمحتاج إليها، لأنه مهدد بالدخول إلى السجن إن افتقدها، ونتنياهو المتغطرس، والذي كانوا يلقبونه (( ملك)) إسرائيل، يصعب عليه بلْعَ الهزيمة التي تلقاها يوم 7 أكتوبر، وفي المواجهات التي حصلت بعدها، والقبول بها، إنه مدعوم باليمين المتطرف الذي يشاركه في الحكم، وبالمساندة الأمريكية المطلقة، ليستمر في هذه الحرب المجنونة، ولن يقبل بوقفها، مختتما حياته السياسية بنهاية فاشلة..

المقاومة الفلسطينية التي تحارب وظهرها على الجدار، وبعد كل التضحيات الهائلة التي قدمتها في ميدان القتال، وعقب كل المجازر والمذابح المُروِّعة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني انتقاما منه على عملية طوفان الأقصى، وإثر هذا التدمير الهائل والشامل الذي عمَّ القطاع، يصعب على المقاومة قبول إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين دون تبادل، ويصعب عليها القبول بأن تستمر، هادئة وساكنة في القطاع، وقد أصبح مدمرا ومحتلا في أجزاء واسعة منه، من طرف القوات الإسرائيلية، لا يمكن للمقاومة أن ترضى بذهاب كل تضحياتها وشعبها، سدى وهباء منثورا، ولذلك فهي ستظل حاملة راية النضال، ومتمسكة بخيار القتال، إلى أن تتحقق أهدافها التي خاضت الحرب من أجلها…

الهوة شاسعة جدا بين رؤى الطرفين المتصارعين، إنها في حجم المسافة التي تفصل الأرض عن السماء، فأي وساطة يمكنها أن تنجح في جسرها وردمها؟؟ بعد ضربة 7 أكتوبر المؤلمة للكيان الصهيوني، هرع إلى عاصمته تل أبيب قادة معظم الدول الغربية وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، وأعربوا عن تأييدهم المطلق لكل التدابير والإجراءات التي سيتخذها ضد الشعب الفلسطيني، وحركوا أساطيلهم وسفنهم، وبوارجهم الحربية، وأقاموا الجسور الجوية لمد الدولة العبرية بكل ما تحتاجه من ذخيرة وأسلحة، وأرسلوا جنودا وخبراء عسكريين منهم، للقتال إلى جانب الكيان الصهيوني، لأنه كيان يرعى مصالحهم في المنطقة، ولم يتحدثوا لا عن وساطة، ولا عن دبلوماسية، أما نظامنا الرسمي العربي فإنه مشغول ومهووس بهاجس الوساطة…

من الممكن للإنسان العربي قبول  وساطة من دول بعيدة عن المنطقة وغريبة عن أهلها، فلو قدمت إسبانيا، أو الهند، أو البرازيل مثلا، وساطتها في هذه الحرب، لقُبلت منها، فهي دولٌ ليست معنية مباشرة بوقائعها والنتائج المترتبة عنها، أما مصر وقطر والأردن اللواتي تحاول التوسط بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، فإنها دولٌ عربية، تجمعها أواصر اللغة، والثقافة والدين، والتاريخ، والمصير المشترك مع الشعب الفلسطيني، وبحكم هذه الاعتبارات، يُفترض في هذه الدول، أن تقف في خندق أشقاءها الفلسطينيين، وأن تقدم لهم الدعم والمساندة، وأن تقاتل معهم الكيان الصهيوني، لأنه يعتدي عليهم، ويخوض ضدهم حرب إبادة. معاهدة الدفاع العربي المشترك تنص على ذلك…

 لكن حين يقرر النظام الرسمي العربي، وعلى رأسه هذه الدول، التوسط بين الأشقاء الفلسطينيين الضحايا، والصهاينة الأعداء الظالمين، ألا تتم المساواة في هذا التصرف، بين الأشقاء والأعداء؟ ألا يقعُ وضعُ الضحايا والجلادين في ذات الكفة؟ ألا يمكن تفسير هذا الموقف بأنه انحياز، بشكلٍ غير مباشر، لهذا الكيان في حربه المستعرة على الشعب الفلسطيني؟؟ ألا تبيع هذه الدول الأوهام، وتخادع شعوبها والرأي العام العالمي، بوجود وساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في حين يعمل الكيان الصهيوني، على تحويل قطاع غزة بأكمله، إلى رماد تذروه الرياح في الجهات الأربع؟

نتيجة الحرب الدائرة رحاها في قطاع غزة، ستحددها ضربات المقاومة وصمودها في ميدان المعركة. وإذا قُدّرَ للمقاومة الانتصار في هذه الحرب التي لا سابق لها، فالفضل في النصر لا يعود لوساطة الوسطاء، وإنما لبسالة هذه المقاومة التي تفوقت على نفسها في النضال والكفاح والتضحية، ولدعم حلفائها في اليمن، والعراق، وإيران، ولبنان، وسوريا. وساطة الوسطاء لن تفيد المقاومة، في الميدان، قيد أنملة، ولعلها تضرُّها، لأنها تخلق الانطباع الوهمي بوجود حراك سياسي، له تأثير مرتقب على سير المعركة.

Visited 5 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد السلام بنعيسي

صحافي وكاتب مغربي