سوسيولوجيا انخراط أساتذة البادية في الحراك التعليمي

سوسيولوجيا انخراط أساتذة البادية في الحراك التعليمي

إسماعيل طاهري

     يتعرض أساتذة التعليم الابتدائي في العالم القروي، لضغوط كبيرة من المخزن المحلي وأعيانه وأعوانه وأزلامه وحوارييه وكذا النخب المحلية المنتخبة في العالم القروي.

لذلك تنخفض نسبة انخراطهم في إضرابات واحتجاجات الحراك التعليمي الحالي.

فهناك ترهيب حقيقي وتهديدات متواترة تطال الأساتذة والأستاذات بالمباشر من طرف أعوان وزارة الداخلية والنخب المحلية، علاوة على كون عدد منهم يتحدرون من الدواوير التي يشتغلون بها ويؤثرون ويتأثرون سلبا بشطط المنظومة المحلية ومنهم من صار من هذه النخب المحلية.

ورغم كل ذلك فهذه الارقام الخاصة بإضراب التنسيقيات لأيام 26/27/28/29 تدين الحكومة والنقابات الخمس التي صارت ” أقل تمثيلية” بعدما تعتبر رسميا أكثر تمثيلية.

لم يسبق في تاريخ العمل النقابي، منذ الإستقلال، ان عاشت النقابات التعليمية مثل هذه العزلة القاتلة، والمثير للتسجيل أن المنتفض الاول ضدها هو أساتذة سلك الثانوي التأهيلي الذبن كانوا يتمتعون بأفضلية خارج السلم خلاقا للسلكين الثانوي الإعدادي والابتدائي والاولي.

وهذا عنوان آخر لاضمحلال وضعف مؤسسات الوساطة التقليدية التي من المفترض أن تقوم بها الأحزاب الديمقراطية والقطاعات الموازية لها بما فيها النقابات التابعة لأحزاب وطنية وديمقراطية غير إدارية خصوصا الاحزاب ذات المرجعية الوطنية وألإسلامية الراديكالية.(“)

ولم يبق اليوم سوى التنسيقيات للعب دور الوساطة واذا تعنتت الحكومة في عدم فتح حوار مباشر معها فالمغرب مقبل على كارثة سنة بيضاء وقد يرافقها من تداعيات خطيرة على الأمن العام.

أما عزلة الحكومة فهي مسألة لن يترتب عنها تعديل حكومي أو تغيير السياسات العمومية والعامة في قطاع التعليم لأن الدولة تضع هيبتها فوق كل اعتبار خصوصا وان قطاع التعليم يقوده أحد رجال الدولة النافذين (رئيس لجنة النموذج ووزير الداخلية السابق والسفير السابق للمغرب في فرنسا).

إن وجود حكومة  تكنوقراطية يقودها الملياردير عزيز أخنوش ويهيمن على عضويتها تكنوقراطيي/ مهندسي مدارس القناطر والبوليتكنيك، حكومة تعمل ليل نهار على قتل السياسة وإضعاف الأحزاب ونقاباتها وعاجزة عن التقاط الإشارات من الحراك التعليمي الذي اذا تفاقم قد يتحول الى حراك اجتماعي شامل. والمرجعية الوحيدة التي تشتغل عليها الآلة التكنوقراطية الحكومية هي الإيفاء بالالتزامات العرقوبية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وباقي النوادي المالية العالمية في باريس ولندن وروما. وتقضي هذه الالتزامات بالحفاظ على التوازنات المالية على حساب التوازنات الإجتماعية. وإغراق البلاد في الديون الخارجية وتسخير هذه الديون للحد من عجز الميزانية وضخ الباقي في مشاريع اقتصادية لم تنتج لحد الان فائض القيمة الضروري لاحداث اقلاع اقتصادي وطني حقيقي غير تبعي.

 ورغم مرور أكثر من أربعين عاما على تنفيذ مخطط المسار/ التقويم الهيكلي (1983) لم يحدث رقي اجتماعي لأغلبية الشعب المغربي ولم تتحسن القطاعات الاجتماعية من صحة وتعليم وسكن ومحاربة الفقر والبطالة والهشاشة وكل مشاهد الموت البطيئ لملايين المغاربة. علاوة على تفشي الفساد والرشوة في مختلف مناحي الحياة العامة.

صحيح هناك تقدم في بعض المؤشرات الاقتصادية لكن فائض القيمة المرتبط بها يتركز في يد أقلية مهيمنة على الاقتصاد الوطني، ومسيطرة على الحياة السياسية اليوم في الحكومة والبرلمان والجماعات الترابية والغرف المهنية.

***

   وبالعودة إلى خروفنا كما يقول الفرنسيون، نصدم بوجود مفارقة عجيبة كون أساتذة السلك الأكثر تضررا في المنظومة التعليمية هم الأقل انخراطا في الإضرابات والإحتجاجات الأخيرة، خصوصا في العالم القروي وضواحي المدن الكبرى، وذلك شيء عادي اذا استندنا على علم السوسيولوجيا.

فالاحتجاجات ضد السلطات والانخراط في الإضرابات ضد المشغلين العموميين والخواص  سلوك مدني ومديني بالضرورة اي مرتبط بالحواضر والمدن الكبرى، ونادرا ما ينتشر هذا السلوك الإحتجاجي في مضر العالم القروي. وهذا ما يفسر ارتفاع نسبة إضراب أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي لأن هذا السلك يوجد في المدن والمراكز شبه الحضرية. والدولة لا تستطيع ضبط المجال الإحتجاجي داخل المدن، حتى في سنوات الرصاص، فخلال كل عقد في المغرب منذ الاستقلال تحدث هزات اجتماعية وحركات احتجاجية نوعية قادتها المدن. في الوقت الذي ظلت البوادي خاضعة لضبط النظام. ( نظرية ريمي لوفو في كتابه الفلاح المغربي أكبر مدافع عن العرش”.)*

لهذا أعتبر أن نسبة مشاركة المعلمين في العالم القروي في الحرك التعليمي الجاري منذ ثلاثة شهور تبقى إيجابية رغم انها تبدو منخفضة بالمقارنة مع سلك الثانوي التأهيلي.. ولا يجب السقوط في مطبة تخوينهم او نزع شرف النضال عنهم ومنهم، لان الواقع أعند من المتمنيات. وهم ضحايا أكثر منهم مذنبين يضعفون حراك هو ملاذهم الأخير لتحسين دخلهم ومناخ عملهم في المغرب العميق وضواحي المدن.

صحيح أن مسؤولي وزارة التربية الوطنية يوظفون هذه الأرقام لخدمة أجندتهم ومحاولة إضعاف الحراك وزرع الشك في نفوس المنخرطين بقوة وحماس في الحراك التعليمي، ولكن عادة ما ينقلب السحر على الساحر.

_______________

* المغرب من البلدان القليلة التي لحزب وطني كالاستقلال نقابة من الأكثر تمثيلية، وكذلك لحزب إسلامي كالعدالة والتنمية نقابة متوسطة، علاوة على توفر العدل والإحسان لقطاع نقابي قوي ومؤثر ونشيط في نقابات الكنفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل ونقابة التعليم العالي.

** خلصت أطروحة ریمي لوفو “الفلاح المغربي المدافع عن العرش” إلى أن الفلاح المغربي ومن خلاله النخب المحلیة، ستبقى مخلصة للنظام، لذلك سيتخذ النظام من الإجراءات الإدارية ما یقوي قبضته الرقابية والأمنية على البلاد وكما يتخذ القرارات السیاسیة لتضيیق الخناق على كل من لا یوافق النظام في سياسته.

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

اسماعيل طاهري

كاتب وباحث من المغرب