إيران وربط مصير لبنان بأجندة المواجهات مع أمريكا…

إيران وربط مصير لبنان بأجندة المواجهات مع أمريكا…

أحمد مطر

     أصبح السؤال المتعلق بمصير لبنان مطروحًا، وخصوصًا بعد زج إيران به في أتون حرب لا علاقة له بها، لكنها ستؤثر على مستقبله، وحتى على مصيره كدولة مستقلة، كانت في الماضي القريب عاصمة لثقافة التنوير في الشرق الأوسط.

يبدو اغتيال إسرائيل لصالح العاروري، أحد أبرز القيادات في حماس، بل القيادي الأهم في الحركة، نقطة تحول على الصعيدين اللبناني والإقليمي، لا يعود ذلك إلى أن اغتيال العاروري كان في أثناء وجوده في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل الحزب فحسب، بل يعود ذلك أيضاً إلى وجود رغبة إسرائيلية في استغلال ممارسات الحزب من أجل توسيع حرب غزة وفتح جبهات أخرى، بينها جبهة لبنان. دمرت إسرائيل غزة رداً على هجوم طوفان الأقصى الذي شنته حماس، لا وجود لسبب يدعوها إلى عدم تدمير لبنان بالطريقة نفسها التي دمرت بها غزة. لا يوجد سبب يمنع الحزب وإيران من معرفة النتائج التي ستترتب على دخول لبنان حرباً مع إسرائيل.

لا مصلحة للبنان في كل ما يحصل على أرضه. لا توجد لديه أي مصلحة في التصعيد ولا في الذهاب إلى مجلس الأمن، متجاهلاً أن العاروري على قائمة الإرهاب الأميركية.

قد تكون هذه المرة الأولى في التاريخ الحديث، التي يدخل فيها بلد حرباً رغمًا عن رغبة الأكثرية الساحقة من أبنائه، بما في ذلك شيعة جنوب لبنان. المخيف أن نتائج دخول مثل هذه الحرب معروفة، خصوصاً في ضوء التعاطف الأميركي والأوروبي مع إسرائيل، التي قررت انتهاج سياسة الأرض المحروقة في غزة بدل سماع نصيحة العقلاء، الذين يدعون إلى وقف النار فوراً، تمهيداً للانتقال إلى البحث الجدي في مستقبل غزة ومستقبل العلاقة مع الشعب الفلسطيني .

جاء اغتيال صالح العاروري، في توقيت معين، هو عشية الذكرى الرابعة لاغتيال الأميركيين لقاسم سليماني، اغتيل العاروري بواسطة طائرة مسيرة، تماماً مثلما اغتيل سليماني مهندس وحدة الساحات، وهي وحدة عمل العاروري من أجلها أيضا،ً بعدما ربطته علاقة قوية بالجمهورية الإسلامية في إيران .

تكراراً، تبدو سنة 2024 التي أطلت برأسها سنة حاسمة بالنسبة إلى لبنان، الذي فقد كل مقومات السيادة بعد خسارته الأسس التي قام عليها تاريخياً، في ضوء تعطيل كل مؤسساته وانهيار اقتصاده على نحو مريع. إنه انهيار يعبر عنه أفضل تعبير الوضع الذي آل إليه النظام المصرفي اللبناني، الذي لن يستطيع استعادة عافيته في المدى المنظور، في غياب أي قدرة لدى المصارف على إعادة أموال المودعين إلى أصحابها، من لبنانيين وعرب وأجانب. شهد لبنان، في عهد ميشال عون، أي عهد الحزب الذي أوصله إلى قصر بعبدا وفرضه على اللبنانيين فرضاً، عملية سرقة موصوفة لأموال الناس .

يدخل لبنان السنة الجديدة من دون رئيس، ليس واضحاً بعد الهدف من الإصرار الإيراني على استمرار الفراغ الرئاسي منذ نهاية تشرين الأوّل 2022. الأمر الوحيد الأكيد أن الجمهورية الإسلامية تود إبلاغ كل من يهمه الأمر أنها صارت صاحب القرار في لبنان، وأنها الطرف الوحيد الذي يقرر من هو رئيس الجمهورية اللبنانية، الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة، إنها أيضاً الطرف الوحيد الذي يستطيع تقرير من هو مسموح له بدخول لبنان، من قادة حماس وما شابه ذلك، ومن يجب بقاؤه خارج لبنان، من العرب وأهل الخليج العربي خصوصاً .

يظل أخطر من الفراغ الرئاسي فقدان لبنان، بما بقي منه بحكومة تصريف الأعمال القائمة، قرار الحرب والسلم. لا علاقة للبنان بما يجري في جنوبه. لا مصلحة للبنان في إيجاد مبررات لعدوان إسرائيلي، اللهم إلا إذا كان المطلوب المشاركة في تنفيذ أجندة إيرانية معروفة. لا يهم إيران هل يبقى لبنان أو لا يبقى. همها الوحيد أن يكون ورقة من الأوراق التي تستخدمها في سعيها إلى صفقة مع الأميركي حتى إشعار آخر، تبدو إيران، منتصرة في حرب غزة. تريد قبض ثمن امتناعها عن توسيع الحرب، خصوصاً عبر منع الحزب من خرق قواعد الاشتباك التي يفترض أن تحترمها إسرائيل بموجب اتفاقات غير معلنة بينها وبين الحزب. لكن ماذا إذا قررت إسرائيل أنها لم تعد مستعدة لاحترام قواعد الاشتباك في جنوب لبنان ولن تتحمل مستقبلاً استمرار الحزب في خرق القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن صيف عام 2006. 

من الواضح أن اغتيال صالح العاروري في الضاحية الجنوبية يكشف إصراراً إسرائيلياً على توريط لبنان في حرب غزة. من الواضح أيضاً أن لا مانع لدى إيران في ذلك، ما دام هدفها النهائي جر الولايات المتحدة إلى صفقة أو اتفاقات سرية، تؤكد من خلالها أنها القوة المهيمنة في المنطقة، والطرف المسؤول عن العراق وسوريا ولبنان وشمال اليمن .

ختاماً، ما يدعو إلى تفادي فقدان الأمل كلياً في استعادة لبنان لعافيته أن المنطقة مقبلة في ضوء حرب غزة على تغييرات كبيرة. قبل كل شيء، إن إسرائيل التي عرفناها لم تعد موجودة. تغيرت إسرائيل كلياً بعد السابع من أكتوبر- تشرين الأول 2023. تغيرت إلى درجة لم تعد تتردد في فتح جبهة لبنان، تغيرت إلى درجة ستتغير كل المنطقة معها، بما في ذلك لبنان.

Visited 14 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني