أمام نزيلات دار الطالبة بالجديدة.. المصطفى اجْماهْري: عشتُ طفولتـيْـن مختلفتين
تغطية مبارك بيداقي
في إطار أنشطتها الثقافية، نظمت مؤسسة “دار الطالبة” بالجديدة، بتعاون مع جمعية “ذاكرة دكالة للحفاظ على التراث”، يوم تاسع يناير 2024، لقاء مع الكاتب المغربي المصطفى اجماهري لفائدة نزيلات دار الطالبة خصص للحديث عن تجربته الكتابية.
وكان الكاتب قد أهدى قبل ذلك مجموعة كافية من كتبه المختلفة لنزيلات الدار قصد الاطلاع عليها وأخذ فكرة عنها، تمهيدا لهذا اللقاء ذي البعد التربوي والبيداغوجي.
وقد اقترح المحاضر إعطاء التلميذات النزيلات فكرة عن علاقة الكتابة بالمكان باعتبارهما عنصرين متلازمين. ذلك أن المكان هو حضن الإنسان وهو الذي يهيمن عليه وليس العكس. فالمكان (مفتوح أو مغلق، طبيعي أو منشأ) يشكل شخصية الإنسان ونفسيته بين الحزن والفرح، بين التحدي والاستسلام، وبين التميز أو الاكتفاء بالروتين. وقد تحدثتْ كثير من السرديات عن هذه العلاقة الثنائية الضرورية ليس فقط لإنعاش خيال الكاتب بل أيضا لرسم مساره في الحياة وتحديد موقفه من قضايا المجتمع والوجود.
بعد ذلك، تطرق المصطفى اجماهري إلى الحديث عن تجربته الكتابية منذ بداياته الأولى. فالبدايات، كما قال، تؤثر في المسار بل هي التي تكون، بشكل ما، بنيانه. وبالنسبة له فهو ابن مدرسة التعليم الحر (وليس الخاص)، وهو تعليم سهرت عليه مدارس الحركة الوطنية، في بدايته، في عدد من المدن المغربية ومن بينها مدينة الجديدة التي درس بها الابتدائي في بداية الستينيات، في “مدرسة التهذيب الحرة” التي كان يشرف عليها الوطني الاستقلالي الحاج محمد التازي. ثم انتقل إلى إعدادية شعيب الدكالي في مقرها الجديد، مذكرا بأن ما ميز تلك الفترة، على مستوى التعليم، هو هيمنة اللغة الفرنسية، سواء من حيث مواد التدريس أو المدرسين. فقد كانت الثقافة الفرنسية بصفة عامة، كما قال، هي السائدة بالمدينة عن طريق وجود جالية أوروبية فضلا عن الصحافة والسينما والمسرح ومختلف الأنشطة. وصادف الحال أن تعرّف على الكاتب المغربي، فؤاد العروي، الأصغر منه سنا، وكان الأخير يدرس بمدرسة شاركو للبعثة الفرنسية بالجديدة. يقول المحاضر: “كنا نلتقي لتبادل المجلات المصورة، وبما أن فرنسيته كانت أحسن بكثير مما أدرسه، فقد رافقته وأصبحت أستعين به لتحسين مستواي في اللغة الفرنسية”.
ورغم هيمنة اللغة الفرنسية في مجالات خاصة إلا أن الجيل الستيني استفاد أيضا من تعلمات أخرى أساسية تلقاها في إطارات مجتمعية أخرى. حيث قال المحاضر إن العطلة الصيفية كان يخصص منها وقت لتعلم القرآن في الجامع/الكُتاب. فضلا على أن نمط العيش المفتوح بالضاحية كان يتيح للأهالي البسطاء نوعا من العيش المشترك، كما يتيح للصغار والمراهقين الاستماع والاستمتاع، بكثير من الشغف والسعادة، إلى حكايات من الواقع الإنساني يرويها الكبار من تجار الأسواق وقدماء المحاربين في الجيش الفرنسي.
هذا المناخ الثقافي والتعليمي الغني في ارتباطه بالزمان (الستينيات والسبعينيات) وبالمكان (الجديدة والدار البيضاء) جعل المعرفة في متناول الجميع تقريبا، وهو ما خرج منه الكاتب، كما قال، بشيء مفيد، في اعتباره، ألا وهو الإيمان بقدرة الثقافة على التطور الشخصي والمجتمعي.
وقد أوضح الكاتب أنه عاش، في واقع الأمر، طفولتين مختلفتين في المكان والزمان وفي نوعية الحياة : طفولة أولى، بعد ولادته بالدار البيضاء في حي الوازيس الراقي في بداية الخمسينيات، حيث كان والده الجديدي قد وجد عملا كمساعد لمهندس فرنسي سمح له بشغل بيت صغير في جانب من حديقة الفيلا للقيام بمهام الحراسة الليلية. فكانت هذه الطفولة في بيئة تمتاز بالاتساع والخضرة ورفاهية الساكنة، وهي في غالبيتها فرنسية. أما طفولته الثانية فكانت بالضاحية القروية لمدينة الجديدة في بداية الستينيات، حيث أصول العائلة. جاءت هذه العودة إلى الجذور في سياق السنوات الأولى لاستقلال المغرب وما صاحبها من تحولات. وقد طبعت هذا الانتقال، بالنسبة للكاتب، صعوبات مختلفة على مستوى السكن ونمط العيش ومظاهر أخرى، عاشها الطفل دون أن يستطيع استيعاب تقلب الأحوال. من ثمة يقول إن الميل إلى الكتابة ربما يكون قد نشأ منذ ذاك.
وبعد أن عرج الكاتب على تجربته في كتابة القصة القصيرة التي امتدت من منتصف السبعينيات إلى بداية التسعينيات وأثمرت أربع مجاميع قصصية نشرها سواء بالمغرب أو غيره، قدم نبذة مختصرة عن مشروعه في كتابة ذاكرة مدينة الجديدة، والممتد، ؛تى الآن، إلى ثلاثين سنة. مذكرا في هذا الشأن بالتراكمات التي اكتسبها كتجارب ساعدته على التجاوز والاستمرار. حصل ذلك خاصة في ظل شح الدعم والتشجيع.
وقد ختم المتدخل كلمته بالإجابة عن مختلف الأسئلة التي طرحتها النزيلات والمتعلقة بتنظيم وقت التلميذ، وكيفية القراءة الصحيحة، واكتساب مهارات في اللغة الفرنسية واستخدام الوسائط المعلوماتية في اكتساب المعرفة.