رسائل الاحتفالي الإنسان إلى السيد محامي الشيطان

رسائل الاحتفالي الإنسان إلى السيد محامي الشيطان

د. عبد الكريم برشيد

فاتحة الكلام
     عندما كتبت رسائل مفتوحة لمحامي الشيطان، وكان ذلك في اليوم السادس من الشهر الأول من عام 2013، وبعد أن تم نشرها في الملحق الثقافي لجريدة العلم، سألني سائل من قبيلة المسرحيين السؤال التالي:
— ومن تراه يمكن ان يكون محامي الشيطان هذا؟
وكان ينتظر مني أن أقول له هو فلان او هو علان، وتوقع ان تكون تلك الكتابة مجرد نميمة بصوت مرتفع، أو تكون تصفية حساب، مع شخص من الأشخاص او مع جهة من الجهات، او مع هيئة حزبية او ثقافية معينة، ولكنني خيبت ظنه، او خيبت سوء ظنه، وهذا هو التعبير الصحيح بكل تأكيد، ولقد قلت له، بأنني، انا الاحتفالي الواضح والشفاف، وفي مجال الكتابة يا صاحبي، كما في كل المجالات الأخرى، لا أكتب عن اشخاص معينين من الناس، لأن مهنتي هي التفكير بصوت مرتفع، وما يهمني في هذه الكتابة هي الأفكار وهي المعاني وهي المبادئ الرمزية، والتي هي افكار ومعاني مجردة دائما، والتي لها وجود في كل زمان وفي كل مكان، اما من يقتنع بهذه الأفكار من الناس، ومن يلبسها، او من يقتبسها، أو من يختلسها، فإن مثل الفعل له حديث آخر، وبهذا فقد كان الاحتفالي مقتنعا دائما بأن كل الأفكار التي نظن أنها افكارنا، ما هي في الحقيقة إلا أدوار مسرحية فقط، وذلك في مسرح هذه الحياة، وإن هذه الأدوار المسرحية الجاهزة، بكل ازيائها واقنعتها وحواراتها ومواقفها، والتي قد يلعبها هذا الممثل، كما قد يلعبها ذلك الممثل الآخر، وان يكون هذا التمثيل، او هذا التمثل، عن قناعة فكرية حقيقية، كما قد يكون مجرد استعراض نرجيسي، أو يكون لغرض خفي في نفس صاحبه، وهذا الممثل بالأفكار، والمتمثل فيها، يحتمل جدا أن يكون في أداء هذا الدور أو ذاك ناجحا، كما يمكن ان يكون فاشلا، وهناك من الممثلين، سواء في المسرح المسرحي او في مسرح الوجود، من يقنعك بأن هذا الدور هو فعلا دوره، وانه قد كتب له، وهناك من تجده في دوره هذا، أصغر وأحقر من الدور الذي يقوم به، وتجده يرتدي زيا ليس زيه، ويقول كلاما ليس كلامه، ويقف موقفها ليس موقفه، وبذلك تجد نفسك، ومن خيث لا تريد، تضحك عليه، بدل ان تضحك معه في الكوميديا أو أن تبكي معه في التراجيديا، وتجد نفسك مجبرا على ان ترميه بالطماطم او بالبيض الفاسد، بدل ان أن تصفق له، اعجابا وطربا بما قال وبما فعل أمامك.
 
أنا ومحامي الشيطان فكرة في مواجهة فكرة
     وهذا الشيطان الرمز، أو هذا الشيطان الفكرة، لا يشتغل وحده، لأنه اساسا شركة متعدد الجنسيات ومتعددة الجفرافيات ومتعددة اللغات، وهذه الشركة موجودة في كل زمان وفي كل مكان، ولها وكالات بالتاكيد، ولها وكلاء في كل مدن وقرى العالم، ولها من ينطق باسمها، بالحق او بالباطل، ولها سماسرة ولها وسطاء، ولها مروجون ومهرجون، ولها ايضا، جيش كبير من المحامين، ومن بينهم بالتأكيد هذا المحامي الذي اكلمه واتكلم عنه في هذا النفس الجديد من هذه الكتابة الاحتفالية الجديدة، والذي لا اسعد اليوم اطلاقا، بأن أوجه له هذه الرسائل المفتوحة.
وقد يسألني هذا المحامي، من انت، وأقول له، انا فكرة، مجرد فكرة رمزية، تماما كما انت ايضا فكرة، فانا الجمال الذي يمشي باتجاه الكمال، وأنا العقل والعقلانية والمعقلولية، وذلك في مقابل العبث والعبثية، وأنا النظام والانتظام، وذلك في مقابل (السيبة) والفوضى، وأنا الإنسان والإنسانية، في مقابل الوحشية والهمجية، وأنا المدنية في مقابل الغابوية، وأنا الحق في مقابل الباطل، وأنا الحقيقة في مقابل الواقع ،وأنا الوجود والوجودية في مقابل العدم والعدمية.
وقد تعود لتسالني من جديد، وانوتقول لي ما يلي:
— اذا كنت انا محامي الشيطان، فهل تكون انت محامي الرحمان؟ واجدني مضطرا لأن اقول له الكلام التالي:
— اعلم يا صاحبي، ان الرحمان لا يحتاج لمن يدافع عنه، وكاذب هو كل من يدعي بانه ينتمي إلى حزب يمكن أن يسميه حزب الله، ويزعم لنفسه، ولكل الناس، أنه ما حمل السلاح، وقتل عباد الله الأبرياء، إلا دفاعا عن شرع الله وعن كلمة الله وعن شرف الله
وبحسب الاحتفالي، فإن الشعوب لا تذهب إلى الحروب، ولكنها تساق اليها، تماما كما تساق الأغنام الى المجازر، وهي تدفع إليها دفعا، والحروب دائما هي لعبة الكبار التي يموت فيها الصغار، وأفترض، أن هذا المحامي يمكن أن يعود ليسالني السؤال التالي: 
— اذا لم تكن محامي الرحمان ولا محامي الشيطان، فمن تكون؟
وفي الجواب يمكن ان اقول له ما يلي:
— سجل لديك يا صاحبي، انا مهندس معماري، وتحديدا فانا مهندس جمالي، اشتغل بالعمران الثقافي، وأسعى لأن ابني الإنسان، او ان اعيد بناءه بناء سليما، حتى يكون الإنسان في الزمن الإنساني، وان يحيا انسانيته بشكل حقيقي، وحتى يتوافق هذا المواطن الإنساني الجديد مع محيطه المدني والعالمي والكوني، وأن يكون مواطنا جميلا في العمران الجميل، وأن يكون مواطنا حرا في الأوطان الحرة، وأن يكون مواطنا عارفا وغنيا ومبدعا وعبقريا في الأوطان العارفة والغنية والمبدعة والعبقرية
وبالتأكيد، فإن محامي الشيطان هذا، لا يمكن أن يكون له اسم واحد، وان يكون له فقط وجود واحد، وذلك في زمن واحد، او في مكان واحد، تماما كما انه لا يمكن أن يكون له وجه واحد، لأن من له وجه واحد فقط، لا يمكن ان يكون له وجود في كرنفال الوجود، لو في مسرح الوجود، او في سيرك الوجود.
ولأن هذا المحامي هو اياسا ممثل. فإنه ينطق بأكثر من لسان واحد، وله في محفظته اكثر من لغة واحدة، ولعل احب كل هذه إلى اللغات الى قلبه – هذا اذا كان له فعلا قلب – هي لغة الخشب، والتي قد ينطقها الناطق، والتي ينطقها لسان به عظم او خشب، والي يمكن أن ينطقها من غير أن يقول شيئا محددا، وبالتاكيد فإن كل، او اغلب، ما قد يقوله هذا المحامي، هو عادة كلام مستعار او هو كلام مقتبس او هو كلام مختلس او هو كلام مهرب عبر الحدود، أو هو كلام ظاهره الحق وباطنه الباطل، وهو بهذا مخلوق أدمي بلا لون، ولكنه قابل لأن يظهر لك بكل الألوان الكائنة والممكنة، وهو مستعد دائما لأن يكون مع الجميع وضد الجميع. وان تجده امامك وخلفك، وان يكون شعاره الأبدي والسرمدي الخالد هو التالي:
— قلبنا مع علي وسيفنا ورمحنا ودباتنا مع معاوية..
ومن المحتمل جدا ان يميل هذا المخلوق إلى حيث تميل الريح، وان يكون بهذا وفيا للظرفية العابرة، وأن يسمي هذا الفعل فعلا واقعيا وبراغماتيا و(فهلوة) كما يقول اخواننا المصريون، وقد يسعدك الحظ ويمدحك، ويكون هذا المدح علنا وفي حضورك، ولكنه حين يهجوك ويغنابك، فانه لا يفعل ذلك إلا سرا وفي غيابك، وهو حين يمدحك، في كتاباته التي يسميها كتابات نقدية، يمدحك باسمه وبتوقيعه، ولكنه حين يهاجمك، لسبب من الأسباب، فإنه لابد أن يهاجمك من خلف الأسماء المستعارة، وتجد نفسك امام أسماء لا وجود لها في دفاتر الحالة المدنية للأحياء، ولا تجدها حتى في شواهد القبور في المقابر المنسية. وهو لا يجد اي حرج في أن ينعتك باقذع النعوت، من غير أن تكون بينكما عداوة، وحتى من غير أن يعرفك، وحتى من غير ان يكون قد راك، وقد يتم هذا مقابل اجر معلوم، أو حتى بدون اجر، لأن إلحاق الأذى بالناس عنده نشوة وشهوة. وعندما يترافع المفكرون والمبدعون لفائدة الأفكار والمبادئ الإنسانية، فإن مهمة هذا المحامي هي أن يترافع لصالح الغرائز الحيوانية والوحشية، وما يقوله هذا المحامي دائما، هو غير ما يفعله، والقول والفعل عنده خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا وهذا الشيطان له وكلاء في كل العالم، وله من ينطق باسمه، بالحق او بالباطل، وله سماسرة ووسطاء أيضا، وهو لا يجد حرجا في أن يقول القول ونقيضه، وفي أن يضحك مع الذئب وأن يبكى مع الراعي.
وفي لغته تحضر الأرقام أكثر من الحروف، وهو يتعمد دائما ألا يضع النقاط على الحروف، تاكيدا للغموض وللالتباس، وللتاويل الذي قد يعني كل شيء من غير أن يفيد اي شيء محدد، وحتى يقوم بتمييع اللعبة الفكرية والجمالية،فإنه يقوم بخلط الأوراق، وهو بهذا يرى أخطاء وخطايا المجدين والمجتهدين، ويحاسبهم على فعل التفكير، مع ان الاجتهاد التحريبي محفوف بالاخطاء، والتي يمكن تصويبها وتصحيحها بعد (ارتكابها).
وهو يصفق للكسلاء، ويشجع الحمقى، ويعطي الجوائز للتافهين،
وهذا الكائن، لا استطيع ان اعطيه اسما من الأسماء، لأنه كائن هلامي وشبحي وشيطاني، وهو وحده من يستطيع أن يعطي نفسه الاسم الذي يريد، وان يكون هذا الاسم اسما مؤقتا، له علاقة بموسم ما او بحالة معينة او بمصلحة مادية، او بموقف عابر
وحتى يرضى عنك محامي الشيطان، فينبغي ان تكون نكرة، وان تكون شبع كائن، وان تكون غائبا في حضورك، وألا تكون معرفا ب (ال التعريف) وألا يكون لك وزن (غير قانوني ) وأن يكون وزنك هو وزن الريشة او هو وزن البعوضة على أقصى حد والبكم.
 
الرسالة الأولى: أيكون شيطانك أخرس؟
     إلى السيد محامي الشيطان ال.. لا تخف واطمئن، لأنني أبدا لن أنعتك بالسيد المحترم، مع أنني في قرارة نفسي لا أحب شيئا أكثر من يكون كل الناس محترمين، وأن يكونوا فوق الشبهات، وأن يكون في نفوسهم شيء من نظام الطبيعة ومن شفافية الأرواح ومن جمال الوجود ومن حيوية الحياة ومن براءة الأطفال، لهذا فإنني أقول عنك محامي الشيطان وكفى، ولابد أن هذا يرضيك كثيرا، أليس كذلك؟
إنني أعرفك جيدا أيها المحامي وأعرف صاحبك الشيطان، فأنتما معا تخاصمان الجمال والكمال، ولا تحبان السلام والاحترام، وتعتبران نسبة الاحترام إلى شخص من الأشخاص سبة وشتيمة في حق شخصه، وبحسب منطقكما هذا، فإنني لا أريد أن أسيء إليكما، وأن أصفكما بما لا يرضيكما، وبهذا وجب الأعلام والسلام.
هذا بالنسبة إليك أنت، أما بالنسبة إلي أنا، فإن الأمر يختلف كثيرا، لأنني نقيضك في كل شيء، وحتى أبين لشخصك الفرق بيننا، فإنني أكتب لك اليوم هذه الرسائل الثلاث، وأعرفك بنفسي في الكلمات والعبارات التالية:
ـ أولا، أنا إنسان يا سيدي، وإن كانت إنسانيتي تضايقك فإنني لا أعتذر لك، لأنها الحقيقة التي لا أملك غيرها، واعلم أنه لا شيء أعز عندي من إنسانيتي، ولا شيء أهم وأخطر في هذه الإنسانية من الكرامة، وهي الحد الفاصل بين إنسانية الإنسان وحيوانية الحيوان وبين شيئية الشيء، لست ملاكا ولست شيطانا، ولست مقدسا ولا مدنسا، ولست روحا خالصا ولست جسدا فقط..
ــ ثانيا، أنا مواطن كوني، ووطني أكبر الأوطان وأرحبها وأكثرها عمقا في الأرض، وأكثرها امتدادا في السماء، ولا شيء أحب إلى نفسي من هذه المواطنة العامة والشاملة، وإنني أعتبر أن كل من يقاسمني الانتماء إلى هذا الكون أخي، وأعتبر أن كل من يمشي معي في نفس الطريق رفيقي، ولهذا فقد كان طريقك غير طريقي، وكان علمك غير علمي، وكان فنك غير فني، هذا إذا كان ذلك الشيء الذي تدعو له فنا حقيقيا.
في هذا الكون لدي بيت، هو البيت الاحتفالي، ولدي فيه عنوان لا يمكن أن يخطئه الحس السليم، ولا يمكن أن يضل عنه العقل السليم، ولدي جيران وأهل وأصحاب، ولدي رفاق يقتسمون معي نفس الشمس ونفس الماء ونفس الهواء، ولدي لغة، ولدي حدود ثقافية غير مغلقة، ولدي هوية حضارية متحركة، ولدي ذوق جمالي، ولدي أخلاق تلزمني وألتزم بها، ولدي حقوق وواجبات واختيارات، ولدي أحلام وأوهام أطول من قامتي، ولدي طريق لا يمكن أن يمشي فيه إلا الصادقون.
أنا كاتب عمومي يا سيدي، وأعرف أن الكتابة لا تكون حقيقية إلا إذا كانت خدمة عامة، وكانت رسائل بين النفوس والأرواح، وجريمتي لديك يا محامي الشيطان أنني مؤمن برسولية الكتابة، ومؤمن بقدسية الحرف وبشرف الكلمة وبسمو العبارة، وبأنني فضولي أيضا، لأنني أقفز على واقعي الشخصي وأهتم بمستقبل الإنسانية.
إنني لست مصلحا يا سيدي، لأن الإصلاح ليس مهنتي، وهو أكبر من قوتي وطاقتي، وأعرف بأن للحق رب يحميه، وأعرف بأن الحقيقة لا يمكن يحجمها أي شيطان كيفما كان وأينما كان، وأعرف أن الجمال طاقة خلاقة، وأنه سلطة عادلة ومنصة، وأعرف أن هذا القبح مجرد عطب عابر، وبأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح.
وصاحبك الشيطان أعرفه جيدا، ولكن هو لا يعرفني، مع أنه كان شخصية في إحدى احتفالياتي المسرحية والتي كانت بعنوان (فاوست والأميرة الصلعاء) لقد صال وجال في كل أنفاسها المسرحية، وخدع وزيف، وباع الحلم والوهم، وأغرى وأغوى، ووسوس وأوحى، وحرض على الفراغ والخواء، ولكنه ـ في النهاية ـ سقط سقوطا مدويا أمام حيوية الحياة وأمام إنسانية الإنسان وأمام جمالية الوجود والموجودات، وهكذا هو الباطل دائما يا سيدي المحامي، عمره قصير ومحدود، مهما ظهر ـ أو تظاهر ـ بأنه طال واستطال وامتد وتتمدد في الزمن.
في هذا الاحتفال المسرحي، ظهر صاحبك الشيطان في دور خياط، وأعطى نفسه اسما هو (مظلوم بن ظالم الخياط) واختار أن يمارس عبقريته في فضاء حفل تنكري مفتوح على كل الممكنات والمفاجآت، واختار أن تكون البطولة في هذا الحفل للأزياء الخادعة والمضللة وحدها، وأن تكون كل الشخصيات مجرد ( مانكانات) تعلق عليها الأزياء الغالية أو الرخيصة، وتصبح لهذه الأزياء سلطتها، وتحدد قيمة الأجساد اللابسة، وتعطيها قامتها، وتمنحها شكلها ولونها ووزنها ودرجتها في المجتمع، هكذا إذن عرفته، وبهذه الصورة عرفت بصاحبك الشيطان في واحدة من مسرحياتي، واليوم، فإنني أخاطب محاميه فقط، أو أخاطب أحد محاميه، لأنني أعرف أن صاحبك يملك جيشا من الأتباع ومن المحامين ومن المصفقين ومن الهتافين ومن التابعين ومن تابعي التابعين، ومن أنصار الزيف والخداع، ومن منتجي الغموض والالتباس.
من أغرب الأشياء أن صاحبك الشيطان مازال يحارب العقل، وهو يفعل هذا في زمن يفترض فيه أن يكون زمن العقل والفكر، وزمن العلم والتكنولوجيا، وزمن النبوغ والعبقرية؟
وهو يحارب المنطق وأنت معه، وهو يحارب الوضوح وأنت تؤيده، وهو يغتال الحقيقة وأنت تصفق له، وهو يطارد الجمال وصناع الجمال وأنت تبرر جرائمه، وهو يزور الفن وأنت تساعده.
وتزعم أنك فنان، وأنك تدافع عن الفن وعن الحداثة، وتنسى أن الفن الحقيقي يتأسس على الوعي والتفكير، وعلى الحرية والاختيار، وعلى الجمال والكمال، وعلى الكرامة والفضيلة، وأؤكد على كلمة الفضيلة، رغم علمي بأنها تضايقك.
اعلم يا سيدي المحامي بأنه لا فن ولا فكر مع الجبر والضرورة، وكيف تكون فنانا مبدعا وأنت لا تملك نفسك، وبأن كل كلماتك ليس كلماتك، وكل أفكارك ليستمر أفكارك، فأنت منبهر بسحر الشيطان، وفي الانبهار شيء كثير من الانفعال، ومتى كان الانفعال السلبي إبداعا حقيقيا؟
إن الفن مرتبط أساسا بالحرية، وأنت لست حرا، لأنك صوت سيدك، أو أنت ظله، أو أنت صداه، أو أنت شبحه، والفن أيضا هو الخبرة، وهو المعرفة، وهو الحس والحدس، وهو الخيال والاحتفال، وهو الحكي والمحاكاة، وهو الرؤية والرؤيا، وهو العلم والسحر، وهو المتعة والفائدة، وهو الجد واللعب، وهو التنبؤ والاستشراف، وهو الحلم والإلهام، وهو الدهشة والإقناع، وهو المبنى والمعنى، وهو الوجد والطرب، وهو السفر والرحيل، وهو الاحتراق والاختراق، وهو التحليق والسمو، وهو الممكن والمحال..
وفي أخر هذه الرسالة الأولى أريد أن سألك السؤال التالي:
ــ لماذا تنطق أنت أيها المحامي بالباطل ويسكت شيطانك؟ أيكون معنى ذلك أن شيطانك أخرس؟
Visited 16 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. عبد الكريم برشيد

كاتب مغربي