نقد الاستلاب الاستهلاكي
كاركاسون- المعطي قبال
ثقافة النرجسية. منشورات فلاماريون. كريستوفر لاش (1932-1994) مؤرخ وعالم سوسيولوجيا أمريكي. نشر العديد من الدراسات من بينها «ثورة النخبة، الجنة الوحيدة والحقيقية»، «الأنا المحاصر»، وصدرت له ضمن منشورات الجيب لدى نفس الناشر هذه الدراسة التي يعود تاريخها أصلا إلى عام 1979، قبل أن ينقلها إلى الفرنسية ميشال ل لاندا.
كان لاش سباقا إلى القول بأن الثقافة الغربية تعيش أزمة وأن النرجسية الحديثة كانت السبب في إصابه هذه الثقافة بالهلع من المستقبل وأن النرجسية تكره الحنين وتتغذى من تقديسها لما هو لحظي وآني. وفي رفضها المعلن لجميع أشكال السلطة تقع تحت سيطرة الألينة الاستهلاكية والنصائح الصبيانية التي يقدمها الخبراء في كل الأشكال. لذا تبدو هذه الدراسة في راهنيتها حديثة وتنبؤية. بتحليله للشخصية النموذجية للفرد المعاصر، يضيئ لاش التناقض الأساسي الذي يزعم بأن تقديس النرجسية للانا تنتهي بهدم الفردية الحقيقية.
يتكيء الباحث على التحليل النفسي وعلم السوسيولوجيا. أما نقده لأسلوب الحياة المعاصرة وللفكر اليساري حليف الرأسمالية فهو نقد راديكالي لكنه لا يخلو من أمل، لأنه يتشبع بقناعة أن الوعي التاريخي يمكنه أن يمنح المعنى لعالم بلا معنى. تكمن راهنية هذا البحث أيضا في اختياره لدراسة التحولات الثقافية والسيكولوجية التي رافقت حداثة الرأسمالية في كل من أمريكا قبل أن تصبح لاحقا مصيرا للمجتمعات الأوروبية. لكن من المجحف اختزال فرادة هذا البحث فقط في هذا المظهر. بفضل تكوينه الثقافي الأصلي (الماركسية الغربية) وبخاصة بفضل مدرسة فرانكفورت، يوجد لاش في موقع الباحث المحصن ضد قداسة «التقدم» أو كما يقال اليوم «التحديث»، والتي هي بمثابة تربية مسيحية متبقية لدى ناخبي اليسار، كما أنها أحد الدعائم السيكولوجية التي تربطها بهذه الكنيسة الغريبة على الرغم من سقطتها التاريخية. نقد العقل الماركسي من طرف ماركسي سابق ليس بمفاجئة، إلا أن الأمريكيين الماركسيين قلما باحوا بانتمائهم أو أجروا نقدا ذاتيا لقناعاتهم السلوكية والأيديولوجية حتى وإن لم يعتنقوا الأطروحة الرأسمالية.
على أي فالزمن يشتغل ضد الأفراد والشعوب وبأن هؤلاء بقدر ما ينتظرون حلول عالم جديد، بقدر ما سيخيب هذا العالم آمالهم. لذا فإن هذه الفكرة تشكل نفيا لدوغمائية التقدم. وعليه فإن نقد الألينة التقدمية يجب أن تصبح من بين أوليات أي نقد اجتماعي, وللأسف لم يتجاوز هذا النقد طور البدايات.
غير أن فرادة لاش تبقى واضحة في مقاومته للميثولوجيات الحديثة ووفائه لمواقف العمال والناس البسطاء. ويميز لاش بين وهم اليسار وحقائق ماركس الذي أخذه دائما على محمل الجد. ما يسميه لاش «الفرد أو الإنسان النرجسي الحديث» مع خوفه من الشيخوخة وعدم نضجه ، والذي يمثل أمريكي الطبقة المتوسطة نموذجه الأمثل، ليس في الأخير سوى تعبيرا سيكولوجيا وثقافيا لهذا التوافق الليبرالي الإباحي الذي دعا له الماركي دو ساد. غير أن التيمات التي استعرضها الباحث هجمة ألانا على المجتمع، الشخصية النرجسية لحاضرنا، النجاح الاجتماعي من الشغل إلى الغواية مساحة السياسة، انهيار النظام التربوي، المستقبل المحاصر أو الخوف من الشيخوخة ، أبيسية من دون أب، تيمات تعري النظام الليبرالي الرأسمالي الذي لا يعير اهتماما لهذه التحولات. ما يهمه هي القيم الاستهلاكية بكافة أشكالها.
Visited 1 times, 1 visit(s) today