غزة.. “ديموقراطية أمريكية” على المقاس!!
عبد العلي جدوبي
اعتبرت كبريات الصحف العالمية، وحتى تلك التي كانت حتى وقت قريب تدافع عن “حق اسرائيل في الدفاع عن النفس”، أن الحرب على غزة تعد من بين الأعنف في التاريخ الحديث، وأن الدمار الذي أحدثته الآلة العسكرية الإسرائيلية الفتاكة، يذكر بذلك الذي نكبت به ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية!!
الولايات المتحدة الأمريكية المتشدقة بالديموقراطية والعدالة الإنسانية وحقوق الإنسان، تمادت في معاييرها المزدوجة، في الاصطفاف بجانب إسرائيل ودعمها لوجستيكيا وعسكريا، وهي التي سلمتها حتى الآن 25 ألف طن من السلاح والعتاد الحربي، نقل على متن 280 طائرة عسكرية إلى إسرائيل، بحسب موقع (كاريكا ليست).
ونشرت صحيفه “وول ستريت جورنال” تقريرا، مما جاء فيه أن إسرائيل أسقطت 29 ألف قنبلة على قطاع غزة، ودمرت بواسطتها ما يقارب 70% من الأحياء السكنية، و77% من المرافق الصحية، بمجموع 300 ألف هدف، حتى بات الكيان الصهيوني في حاجة إلى المزيد من الذخيرة التي نفذت من مخازن الجيش الاسرائيلي. وأضافت الصحيفة المذكورة بأن حجم الذخيرة التي استخدمت في غزة قد تجاوزت تلك التي استهلكتها روسيا في حربها ضد أوكرانيا.
غزة الآن أصبحت عبارة عن تلال من الركام ومن المقابر الجماعية للشهداء الفلسطينيين، مقابر داخل المدارس والمستشفيات وبساحات الأحياء المهدمة، وأصبح الشطر الشمالي في قطاع غزة، كما تظهره صور القنوات التلفزيونية الفضائية، مدينة أشباح لم تعد صالحة حتى لدفن المزيد من الشهداء الفلسطينيين.
ونقلت “الأيشوشيتد بريس” عن (إيميلي تريب) مديرة منظمة (إيروز)، وهي منظمة تتابع الصراعات ومقرها في لندن، قولها “إن القصف الإسرائيلي أصبح من أكثر الحملات الجوية كثافة منذ الحرب العالمية الثانية، وأصبح مليون 700 ألف فلسطيني من المشردين، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
فلم تعد معامل هوليود الدعائية تستطيع خداع الرأي العام العالمي، أو طمس الحقائق المؤلمة. وإخفاء الوجه الحقيقي للعام سام، فالتاريخ يشهد على المجازر الأمريكية البشعة أيضا التي ارتكبتها في عدد من دول العالم؛ في اليابان وفي كوريا وفيتنام والعراق وأفغانستان، كلها دليل واضح على العقيدة العدوانية الأمريكية كما أنها تدخلت غير ما مر للإطاحة بحكومات ديموقراطية منتخبة، لأنها ببساطة لا تساير السياسة الأمريكية وتنتقدها، كما حدث في فنزويلا مثلا.
عرت غزة قبح ازدواجية المعايير الأمريكية في حمايتها ودعمها لإسرائيل، وفي الوقت نفسه نسمع تصريحات خجولة ومضللة من مسؤولين أمريكيين بمطالبتهم لإسرائيل “حماية المدنيين الفلسطينيين”، وعدم استخدام القوة المفرطة!! فوزير الخارجيه الأمريكي أنطوني بلينكن لم يجد حرجا في الإشاده بالخطوات الأخيره لإسرائيل في “الدفاع عن نفسها” مطالبا بحماية المدنيين الفلسطينيين، وينصح إسرائيل بعدم استخدامها للقوة المفرطة، وكأنه يريد القول إن قتل الفلسطينيين مباح..!!
ولعل ما قامت به الإداره الأمريكيه العام 2022 برفع منظمه (كاخ) الصهيونية، المعروفة بارتكابها مجزرة الحرم الابراهيمي بمدينه الخليل، من قائمة الإرهاب، لهو دليل آخر على النفاق السياسي وازدواجية المعايير الأمريكية، وهي تقوم باستخدام القانون لخرق القانون تمشيا مع ديموقراطية أمريكية على المقاس!! ومن جهة أخرى فواشنطن لا تقبل بالاتفاقيات الدولية كمعيار للعلاقة القانونية بين سلطة الاحتلال الإسرائيلي والأسرى الفلسطينيين، خصوصا فيما يتصل بمسألة التبادل، وفقا لأحكام القانون الدولي.
صحيفه “لوس انجلوس تايمز” انتقدت سياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن، فيما يخص دعمه اللامحدود وغير المسبوق لإسرائيل، ورأت أن فرص فوزه في الانتخابات القادمة ضعيف جدا، وذلك بما خلفته آثار الحرب من انقسامات داخل الحزب الديموقراطي، الأمر الذي يهدد بفقدان أصوات الشباب على الخصوص والهيئات المسلمة، في ولاية (منشيغن)؛ الصحيفة المذكورة قالت أيضا إن الحرب المدمرة التي تشنها إسرائيل بحرا وأرضا وجوا على المدنيين الفلسطينيين، تتعارض مع القيم الديموقراطية التي تتبناها وتدافع عنها الولايات المتحدة الأمريكية، وبين موقفها المؤيد لإسرائيل في حربها على غزة، سيزيد التنديد بالسياسة الأمريكية هذه، حتى بين حلفاء الولايات المتحده الأمريكية.
في سياق متصل أشار مقال نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بأن التداعيات والخيارات الأمريكية عرضها للهجمات على القوات الأمريكية في قواعدها في المنطقة، بسبب دعمها لإسرائيل، كما أن استمرار الحرب على غزه سيزيد من مطالبة الرأي العام الأمريكي بالانسحاب من المناطق التي تتواجد فيها. من جانبه استغل الرئيس الأمريكي السابق ترامب المناسبة، ليتهم بايدن بأن سياسته تجلب الفوضى والإرهاب!!
Visited 19 times, 1 visit(s) today