غاستون باشلار: ومضة تستعيد حياة خالق للكتب (1/3)
ترجمة: سعيد بوخليط
” أعلنُكَ منهجا!
فلن أنسى بأنَّكَ مجَّدْتَ البارحة مختلف أطوار حياتي”
رامبو- (إشراقات،صبيحة انتشاء)
منذ عشرين سنة تقريبا- أو ربما أكثر من ذلك، متى تبلورت التحوُّلات الدائمة ضمن سياق حياة فكرية- اتّجه اهتمامي، نحو قضايا الصورة الأدبية، على هامش عملي المألوف كأستاذ لفلسفة العلوم، فاعتقدتها قضية محدَّدة ضمن إطار ضيق يمكنني تناولها بكل بساطة، دون الحاجة إلى جهاز فلسفي ثم دراسة الصور مثلما اعتدتُ دراسة الأفكار العلمية، قدر مايمكن من الموضوعية.
لم أستشرف مدى مفارقة إمكانية إنجاز دراسة”موضوعية”حول اندفاعات الخيال التي أمكنها وضع اللا-متوقَّع غاية اللغة. حينما راكمتُ أمثلة بهذا الخصوص، انتهيتُ فعلا غاية اكتشاف قواعد. لقد تعقّبتُ دون تفكير، طموحات موضوعية معتادة جدا عند من بذلوا جهدا قصد تبنِّي ثقافة علمية حقا بدراسة العلوم وفق توتُّر صغير للعقلانية.
يعتقد ببساطة أنصار التحليل النفسي، أنَّ موضوعية أبحاثهم ملازمة لعدد ملاحظاتهم. بينما أتمنى وأنا أضاعف قراءاتي، تلمُّس سبل منظورات علم إنساني بخصوص القول الشعري، قول ميَّزته إرادة الكتابة. بالتالي، بقيتُ لمدة طويلة فيلسوف التحليل النفسي الهادئ.
يحضر ذهني غالبا مثال مفاده أنِّي كنت عالما نباتيا متنزِّها ثم صدفة استطعتُ جراء قراءاتي تجميع ”أزهار الشعرية”. أثار لديَّ،تضاعف الصور المنتقاة، الإحساس بعدم تحيُّزي، والسيطرة على مختلف ميولاتي، ثم أدركتُ كيفية التقاط كل شيء.
أخيرا، فكَّرتُ بعد طرح مختلف ما التقطته تصنيف جلِّ معطياته، توافق مناهج سهلة. هكذا، تبلور سند عظيم بخصوص فلسفة أولية ومادية للخيال الكوني، والعناصر الأربعة: النار، الماء، الهواء، الأرض، تتبدَّى مثل واجهات فصول، وعناوين مؤلَّفات حول موسوعة صور كونية.
بما أنَّ العديد من الفلاسفة والعلماء قد ”تأمَّلوا” العالم تحت إشارة واحد من العناصر الأربعة، يمكن التطلُّع إذن عندما نحيا من جديد سذاجة علوم للكون، كي تبرز صور الشعراء مرة أخرى نظريات قديمة جدا.
تجانس المتخيَّل طيلة قرون، يعكس بالنسبة إلي مؤشِّرا على أنه يسكن عمق الطبيعة البشرية. هكذا، اتَّضحت أمامي لبنات مخطَّط، غير مكلِّف، قصد استثماره بخصوص شغفي للقراءة.
أيضا، إن تماثل ذلك مع تجلِّيات وعي متوقِّد بوسعي المضيِّ حينها صوب اختبار مغامرة تهيئ كتب متنوِّعة للغاية وتنظيم مختلف محصولي. يلزم، تلك الصور المستلهمة، مكانا ضمن إحدى ملفاتي.
أربع ملفات، أربعة مخازن علوية، كَمْ يبدو إذن هذا الوضع مطمئِنّا قصد تخزين احتياط الحصاد وكذا حصيلة بقايا الكروم، وكَمْ جميل تلمس خطوة تخيُّل إعداد مشروع عمل لامتناهٍ!
لكن حاليا، بعد كثير من الجهد،صارت هذا المعشبة المتضمِّنة لصور وتأويلاتها، مشتملة على أكثر من ألفي صفحة، تجعلني أتمنى إعادة صياغة مختلف كتبي، حتى أتحدَّث بشكل أحسن عن أثر الصور التي تتكلَّم داخل أعماق الروح المتكلِّمة، وتدبيج وصف أفضل حول صلة صور جديدة وأخرى ذات جذور طويلة داخل النفسية البشرية.
سأتناول ربما لحظات يخلق الكلام إبانها الإنسان، الآن مثلما دائما. وإن مزجتُ صورا متماثلة وحققتُ بينها ائتلافا،سأحافظ رغم ذلك على امتيازات مالايقبل المقارنة. أصبو – طموح مجنون- نحو نظرية للعفوية مادامت عفوية خالصة، ثم حيث بوسعها أن تكون هوائية أكثر، تتحقَّق من خلال اللغة؟ الشعر، لغة تتسم بالحرية نحو ذاتها. أقارب كفيلسوف، بكيفية لامتناهية، تلك المزايا النفسية، أحيانا شخصية تماما، المتأتِّية من لغة مجازية.
أتوخى الذهاب إذا أمكن، غاية أصل بهجة التكلُّم. ببساطة شديدة، بهجة حيال الصورة الجديدة التي يتيحها لنا الشاعر. لكن، في خضم بساطتها تلك، بوسعها أن تغدو خالصة، سعادة فورية لكائن يتكلَّم، قد تخلَّص بغتة من ضرورات الدلالة.
نعم، دون هاجس الدلالات، جلّها، كيفما جاءت طبيعة شغفها، بوسعي عندما أحيا تلك الصور، أن أقيم داخلي محاكاة للعفوية.
حينما كنت بصدد مراكمة صور الشاعر، اعتقدتُ طويلا، ولازال الأمر كذلك إلى حد ما، بأنَّ مجرد احتفال بسيط يجعلني أعرف طريقا وجهة حرية التخيُّل. امتلكتُ هنا، انطلاقة جديدة على مستوى تحرير النفسية بواسطة الشعر.
بالتأكيد، سيحظى اختبار ”الفنون الشعرية”، التي شكَّلت طيلة قرون، مواثيق الشعراء، بحمولة تتجاوز إطار تسلية استغرقت تنوُّع الصور المذهل. اختبار من هذا القبيل، أشمل كثيرا من اختباري، يتيح المجال أمام تقييمات حول هندسة القصيدة، التي تُتَصور مثل تعاون بين الصورة والفكرة. تكمن وفق هذا المنظور دراسة للقصيدة المركَّبة، باعتبارها تآلفا للذكاء والذوق، الرزانة والإثارة.
لم أحاول أبدا هذا السعي، الأساسي مع ذلك، بالنسبة لمن تطلَّع نحو إرساء فلسفة متكاملة حول الخيال الأدبي.
كانت لدي مايكفي للقيام به نحو الصور. بدا لي مع الصور الأدبية، بأنِّي أتعقَّب دوافع الخيال المبدع، الذي يفضي نحو الكتابة، وخوض غمار تنافس مع العالم الأدبي. هكذا، شاركتُ في نشاط بسيط جدا على مستوى تفاصيله لكنه يقتضي ثقافة متخصِّصة جدا.
باختصار، يلزمني دراسة الخيال دون هوادة ضمن فعله حول اللغة، باستمرار هو فعَّال وفق حاجة التعبير حسب طرق مختلفة. أمسكتُ بفضل خيال الصور الأدبية، قضية ضيقة للغاية، لكنها دقيقة جدا مادامت قد تموضعت عند ذات حدود تعبيرات متجدِّدة، متعدِّدة، وليست قط نهائية.
أيضا، باختصار، أصبح الأدب في تصوري قطاعا محدَّدا جدا للخيال الفعَّال.
بوسع مقاربة نفسية مباشرة لصور مكتوبة التطور دون إحالة معينة على التحليل النفسي للكاتب. أتمرَّد على تقاليد السيرة ذاتية المباغتة التي تمنحنا إمكانية الاعتقاد بأنَّ أشعار بودلير كُتبت، طبعا شعريا، من طرف ابن لأمه، تحديدا ابن زوجة الجنرال أوبيك.
بالنسبة إليَّ، وحدها القصيدة- الصورة الشعرية في ذاتها- ظاهرة نفسية جديرة بدراسة خاصة. القصيدة، التي ينظر إليها كظاهرة خيالية، تعتبر ظاهرة قابلة للإيصال. يستلهم القارئ المُتَخَيِّل الاندفاع الخيالي لشاعر يحيا بالتخيُّل.
يجدر باستقصاء المحلِّل النفسي، أمام ظواهر نادرة، ثمينة، أن يكتسي نبرة محدَّدة. مجالات القيم النفسية ليست من مجال التحليل النفسي المعمَّم. تمتلك كل قيمة بعدا نفسيا ونبرة بالغة الدقة ضمن حماسة تلك الاستقصاءات.
يفتح أمامي الموضوع الشعري، منهجية موضوعية تتمسك بفضول حيٍّ، لا يتعب أبدا، ولايقنع قط.
يتصور التحليل النفسي الكلاسيكي، الخيال، باعتباره أكثر القوى النفسية التي تحظى بتعريف مُشوَّش. يحدث وفق أقصى التباس، خلط بينه وكذا ”الخيال المقلِّد”، يستعبده بكيفية ما، زمن ماضي إدراكات ميِّتة، بالتالي تقييد هذا الخيال المبدع لصور ملهِمة جدا،وكل نشاط فكري خَلاَّقٍ، ثم مختلف المهارات الحياتية. يتساوى بهذا الخصوص العالِم، رجل الدولة؛ وكذا رجل المال.
يعثر صاحب السيرة الذاتية على أدوات سهلة قصد الدفاع عن بطله وتضخيم شأنه. لكن تمدُّد كلمة خيال بهذه الكيفية ينهي الدراسات النفسية الدقيقة. مثلا، عندما يتكلم رجل التحليل النفسي عن”خيال” المختصِّ في الرياضيات، سيعترف بأنه لايمتلك قاموسا مناسبا قصد تعيين قيم التعاقب وإبداع وعي العقلانية. إجمالا، لا نتخيَّل الأفكار. أكثر من ذلك، حين الاشتغال ضمن نطاق الأفكار، يلزم استبعاد الصور(1).
يشكِّل الإبداع ضمن سياق نظام الأفكار ثم تخيُّل صور، منجزين نفسيين متباينين جدا. لا نبدع أفكارا دون تصويب الماضي. بوسعنا الانتهاء إلى فكرة صائبة نتيجة سلسلة تقويمات. لاتوجد حقيقة أولى، بل مجرد أخطاء أولى. تقوم الفكرة العلمية على تاريخ طويل من الأخطاء. بينما يفتقد الخيال الشعري إلى الماضي، يتخلَّص من كل تحضير.
الصورة الشعرية لحظة حقيقية للكلام، قد نتناولها بكيفية سيئة إذا قصدنا وضعها ضمن استمرارية وعي برجسوني لايقبل التمزُّق. ينبغي بهدف استيفاء مختلف مفاجآت اللغة الشعرية، الانقياد خلف وعي مَشْهَدي.
فيما يخصني، عندما أحاول التنسيق قليلا بين ظواهر الخيال التي نشأت داخل اللغة بواسطة اللغة، مثل تعزيز خفيف وبديع لوسائل التكلُّم، فقد هيَّأتُ برنامج دراسات يلائم وضعية مشتغل منعزل، وكذا رجل القراءة الذي انتهيتُ إليه شيئا فشيئا.
لكن بما أنِّي توخيتُ عدم ترك أيّ شيء خلفي ضمن نشاط بوسعه الاهتداء بحياتي، فقد سعيتُ دائما، نحو استعادة المسار الصحيح، رغم مختلف الانعراجات جهة الأدب والتحليل النفسي.
استمر تطلُّعي قصد اكتشاف البناءات المفهومية، دائما أكثر تعدُّدا، ثم أيضا نتيجة دوافع عشقي لجماليات الخيال الشعري، فلم أختبر سياق العمل الهادئ سوى بعد انقسام حياتي بوضوح إلى مجالين مستقلين تقريبا، أحدهما ينضوي تحت يافطة المفهوم، والثاني يمتثل لمعطيات الصورة.
حتما، لن يتشكَّل ميتافيزيقي ضمن إطار نصفيْ فيلسوف.لكن توسُّع مجال مهنتي، دفعني إلى إنجاز كتب تعليمية وأخرى ترفيهية. بحكم مقتضيات التدريس وجب الاشتغال على كتب تستهدف تبيان القيم الفلسفية للفكر العلمي المعاصر.
أمدَّتني القوة البنائية لهذا الفكر بضمانة ترابطات عقلانية حول المعرفة الجديدة، معرفة تخلَّصت من عقلانية جامدة يحيل إليها مؤرِّخو الفلسفة.
بدت المهمة شرسة- ربما يعتبر عبثا- على مستوى قول أفكار وإعادة قولها،تعيش تنظيمها العقلاني لدى جماهير الفلسفة الذين يعتقدون عبر تأمل الوجود- بل وجودهم- اكتشاف العامل الفطري، الفاعل الآلي لكل تنسيق. لكن العقلانية لن تصبح، وفق أي صفة أخرى، وجودية للعقل. ليست العقلانية قط بفلسفة أولى، بل تتجدَّد حين تناولها بناءات علم مغاير، الهياكل اللازمة قصد تحقيق نظام التجارب التي تتناول ميادين جديدة.
أيضا، في خضم قناعة مفادها ضرورة اقتران العمل العلمي بعقلانية فعالة، تحوِّل كل معرفة إلى معرفة علمية، إذا أمكنني الاشتغال كعقلانيّ على تدبيج مضامين كتاب جديد، فيلزمني العودة ثانية إلى مدرسة علمية معاصرة. يستحيل أن أكون عقلانيا وحيدا، على هامش النشاط العلمي الحالي. ينبغي تحقيق تثقيف الذات صحبة مجتهدي العقلانية.
لانصبح عقلانيين بالولادة، ولا فضلا من الطبيعة، أو حين بداية ثقافة؛ لكننا نبلغ هذا المستوى بدراستنا لميادين عقلانية متعدِّدة، يصبُّ اختصاص كل واحدة منها صوب مستوى ارتقاء ذهني فوق سهول التجريبية.
يمضي كل شيء بشكل أفضل إلى حد ما فيما يتعلق بحياة عملي، حينما أتبيَّن إمكانية، السير وفق هدى حياتين.لكي أنجز وظيفتي كأستاذ لفلسفة العلوم، يقتضي السعي مواصلة تكويني،في إطار مواكبة درس الآخرين، ومختلف المنتسبين إلى العمل الفعَّال داخل الحاضرة العلمية.
أيضا،امتلكتُ الحقَّ بخصوص عزلة، عزلتي، عزلة التأمل الشارد، عزلة تأملاتي الشاردة. أريد في هذا السياق التحدث عن رؤيتي لصيرورة تأملات شاردة تشتغل، وكيفية تأثيرها في الكائن الحميمي، ثم مدى إمكانية تحقُّق النظام بين طيات دواخلي نتيجة تأمل شارد أبدعه الشاعر.
كم تتجلى إيجابية التأثير النفسي حينما يستمر الوفاء لصورة طيلة شهور، للماء، ومختلف التأملات الشاردة الموصولة بتحليق الطائر. فأنا عجوز بغير عضلات، بالتالي كم تتجلى مزايا، تقريبا عَضَلية، أتلمَّس كنهها عندما أراكم صور الشعراء حول صنيع الحَدّاَد.
انتهى مختلف ذلك. فقد ولج الفيلسوف المشهد وأرغم حالم العناصر على قصدية بناء نظرية حول الخيال الأدبي. يبدو جيدا أن أشير سريعا خلال القسم التالي إلى التغيُّر الطارئ على منظور أبحاثي.
بوسع جلُّ مؤلفاتي حول التأمل الشارد للصور المادية المرتبطة بالعناصر التقليدية الأربعة، أن تشكِّل مؤلفات للبدء. دون حضور هاجس بخصوص معرفة مبدئية، انطوت تلك الأعمال المختلفة، حول كل الصور التي درستُها، بداية تأمل شارد، ثم الدعوة إلى التخيُّل.
لم أدافع في غضون ذلك عن أطروحة معينة، أو الرهان على فرضية بذاتها، أردت فقط أن أعيش ببساطة شديدة في خضم اندهاش بالصور الجديدة، دون التجرُّؤ على تسليم ذاتي إلى وعي خيالي.
لكن عبر صفحات كتابيّ الأخيرين: شعرية المكان، شعرية التأمل الشارد، آمنت بمسألة تضمين الأبحاث النفسية فرضية جديدة، فرضية ”شعرية” فعَّالة نفسيا.
أودُّ من خلال العمل الحالي، بالتأكيد ضمن مجال محدَّد بكيفية وثيقة، تقديم تصميم أولي حول شعرية للغة، إظهار أنَّ القصيدة تؤسِّس لغة مستقلة وتكمن دلالة بخصوص الحديث عن جمالية اللغة.
قصد تثبيت العمل حقا لموقع تشغل حيزه جمالية اللغة ضمن جمالية عامة، يلزم تعيين الصلات التي تحافظ عليها- نعتقد بأنها تحافظ عليها- مع جمالية الرسامين، النحاتين، الموسيقيين.
تتأصَّل كلمة صورة بقوة ضمن دلالة صورة أراها،أصمِّمها، أرسمها، بحيث يلزمني القيام بمجهودات طويلة بغية امتلاك الحقيقة الجديدة التي حظيت بها كلمة صورة نتيجة إضافة الوصف الأدبي: “هنا ينتهي جزء المقدمة المشتركة بين”شعرية النار” و”شعرية طائر العنقاء” أصدر تباعا نسختين عند نهاية هذا التقديم وفق الترتيب الآتي: تلك المتعلقة أولا بـ”شعرية النار”، وثانيا”شعرية طائر العنقاء”.
نهاية مقدمة ”شعرية النار”.
تنشأ جماليات نوعية داخل اللغة، بواسطة اللغة، من أجل اللغة. عموما، بالنسبة إليَّ، فالدراسة النسقية للخيال الأدبي،بمثابة امتياز يختزل الإشكالية التي أبرزتُها. فعلا، أقف أمام صورة متاحة بكل بساطة، في خضم أكثر الخصوصيات بساطة، تلك المتعلقة بكتاب وقارئه.
الخيال الأدبي موضوع جمالي، يتيحه رجل الأدب إلى صديق الكتب. بوسع الصورة الشعرية، التجلِّي كعلاقة مباشرة بين روح وأخرى، مثل تلامس بين كائنين سعيدين على مستوى التكلُّم والإصغاء،ضمن هذا التجديد للغة باعتبارها كلاما جديدا.
يلزم على الصورة الأدبية – أكرِّر ذلك باستمرار- أن تكون ساذجة. هكذا، تأتى لها مجد كونها عابرة نفسيا. تجدِّد اللغة بزخرفتها. عندما أقرأ الشعراء، أنخرط في عملية تنميق اللغة، نتيجة قصور على مستوى استلهام سعادة إبداعها من جديد.
ارتأيتها منهجية ناجعة، حين تناول القضية الأكثر نوعية للخيال الأدبي، أقصد قضية التعبير الأدبي. عندما أتناول صور النار، تزداد حظوظي مادمتُ بصدد دراسة لغة ملتهبة، تتجاوز إرادة الزخرفة كي أبلغَ أحيانا الجمالية العدوانية.
دائما، يتجاوز التعبير الفكر، ضمن إطار الخطاب الملتهِبِ. عندما نقاربه تأويليا، يتخلَّص التحليل النفسي من التجاوز. تنسحب كل النفسية خلف صور مفرطة.
تنطوي صور النار على فعل ديناميكي، ويعكس الخيال الديناميكي حقا ديناميكية للنفسية. ترصد شريحة الإفراط التي تلوِّن عددا من الصور الأدبية، حقيقة نفسية ينبغي تسليط الضوء عليها.
هكذا، حين بلوغ وفق دراسة لبناء وديناميكية لغة مجازية،ثم النظر في الإرادة التي تسود الكلام، بجانب صور أدبية، بَدَا لي تدريجيا، متأخِّرا، احتواء الصورة الأدبية على قيمة خاصة ومباشرة، بحيث لم تكن مجرد طريقة للتعبير عن الأفكار، وترجمة لملذَّات حسية من خلال كلمات مرتَّبة جدا. سعي أتاح لي حاليا، في خضم الاشتغال على وجهة الكتابين الأخيرين المندرجين تحت إشارة الشعري، إمكانية تمثُّلِ أصول أنطولوجيا شعرية بخصوص كلِّ صورة أدبية جديدة شيئا ما.
هامش:
Gaston Bachelard :Fragments d une poétique du feu(1988).pp24-57.