مزيج من الهايكو.. السريالية والصوفية في الديوان الأخير لجمال الموساوي
باريس-المعطي قبال
أول ما يستوقفنا في هذا الديوان هو عنوانه الشعري الأخاذ، الذي ينفتح على أكثر من معنى: عبور سريع لمكان مخيف أو غير مضياف، من هو العابر، هل هو عاقل أم مجنون وما هي الوجهة التي يقصدها؟ أية قمصان يرتديها وما لونها؟ عنوان مركب يستدعي الغرابة، الجنون، التيه لشخص لا رغبة له بالتوقف أو مبادلة الحديث مع أشخاص آخرين. ويلاحظ أن جمال الموساوي يحرص في دواوينه الشعرية على اختيار عناوين مميزة تنطق بأجواء شاعرية مثل “كتاب الظل” ( 2001)، “حدائق لم يشعلها أحد” ( 2011)، “أقدام بأثر قليل””( 2018).
يتوزع الديوان على مجموعة من الحالات تطابقها 150 قطعة شعرية، حيث خصصت لكل قطعة صفحة لا غير. نقرا في هذه الحالات الأسى، العشق، الموت، العزلة، الهذيان، التوجس، الغياب، العبث، الفوضى الخ… 150 حالة يمتزج فيها التعب بالمتعة. تنهل بعض الصور من المتن السوريالي والعبثي لخلق تألف أو تضارب في مجال النص. تحدث هذه العملية انزياحا للنص نحو ماهية القول الشعري بصفته ميدانا للتآلف والتناقض أو للمؤتلف والمختلف. أليست ماهية الحالة أو الحالات شطح مبتهج وشطح مأتمي؟
لا يخلو الديوان من العمق الصوفي الذي يقوم على الانمحاء و التيه والموت. في قصيدة “الحلاج” (ص 132)، نقرأ: ما في الجبة إلا الجبة. لا تقول الكتب ما يجب أن يقال ولا تستطيع شجرة أن تخفي الغابة عابر في قمصان ومقيم في تسرب الأيام خارجة من الزمن إلى أين تذهب؟
ليس إلى شيء ذي اسم تنضح صفحات الديوان بالموت، سواء اتخذت صيغة مذكر أو صيغة مؤنث. فالموت حي، ملموس ولا يستشير أحدا. جدلية حي وميت هي ما يحكمنا: مثل أي ميت آخر
أحضر، مع المعزين، الجنازة
لكنني لا أبكي على أحد
في الغرفة المجاورة وفي
الغرف الأخرى
في الحديقة وفي الحيز
الافتراضي من الحياة،
ضجيج كثير مؤقت
هنا توصيف حي لمأتم لا يثير لا الحزن ولا الشفقة في نفس العابر.
_________________________
جمال الموساوي، عابر في قمصان – الناشر: jamalmoussaoui22@gmail.com (الثمن: 40 درهم)
Visited 38 times, 1 visit(s) today