حسين عطايا

 
   في الثامن من تشرين الأول – أكتوبر، من العام الماضي، انخرط حزب الله في معركة “طوفان الأقصى”، والتي ابتدأتها حركة حماس من غزة، دون التنسيق في التوقيت والزمان مع حلفائها في محور المقاومة والممانعة، بل  احتفظت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس لنفسها بتوقيت ساعة الصفر للبدء في عمليتها، ومن ثم في اليوم الثاني بدأت المناوشات والتي حددتها قيادة حزب الله على أنها حرب مشاغلة ومساندة، هدفها التخفيف من حجم العدوان الصهيوني على قطاع غزة وعدم تمكنها من استعمال فائض قوتها، مع العلم أن هذا لم يحدث، فصبت فرق وألوية الجيش الإسرائيلي كامل عتادها العسكري، وخصوصاً سلاح الطائرات حممها على القطاع، وهو في جميع مساحته لايتعدى ثلاث مائة وخمس وستون كيلومتراً مربعاً فقط.
   وعلى مدار الأشهر والأسابيع الماضية والمستمرة، لم يبق منزلاً أو وحدة سكنية  في كامل قطاع غزة صالحاً للسكن، كما قضت على كل البنى التحتية، حيث أصبح قطاع غزة غير صالح للحياة اليشرية، عدا عن التقنين في إدخال المساعدات الإنسانية والغذائية، حيث بات المواطنون الغزيون يعيشون بدايات حرب تجويع على كامل مساحة القطاع، وفي مدينة غزة وشمالها على وجه التحديد.
   في ذلك، لم تحسب قيادة حماس أن تطول الحرب ولا الدمار الهائل الذي حول قطاع غزة من منطقة آمنة، فيها بعض الازدهار والتعليم والمستشفيات، إلى منطقة لم يعد فيها أي شيء صالح للحياة ، لا بل افتقد الغزيون كل سُبل الحياة وباتوا يعيشون الفقر والعوز بكامل تفاصيله.
 كذلك،  لم يكن حزب الله يتوقع أن تطول المعركة، حيث دخلت شهرها الخامس، وكل أسباب دخوله الحرب هو تسجيل موقف في حال خرجت حماس منتصرة من الحرب، حتى لا تأخذ وحدها شعلة المقاومة، وبالتالي تطغى على وهج حزب الله ومقاومته، وبصريح العبارة حتى لا يقطف الإسلام السياسي السني وهج شعلة المقاومة من الإسلام السياسي الشيعي، وبالتالي تخسر طهران بعض من أوراقها، والتي تساهم في تعزيز موقعها في المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي تدور في مسقط، عاصمة عُمان.

   لذا حزب الله، قد دخل في المأزق دون حسابات دقيقة، بل انجر لمعركة امتلكت حماس فقط توقيتها ومشروعيتها، دون الالتفات لرأيه ورأي إيران الراعية لكل فصائل الممانعة في الشرق الأوسط.
  هذا الأمر زاد من حجم مأزق حزب الله، حيث ساهمت حرب المشاغلة بنزوح مايزيد عن مئة الف مواطن جنوبي، خسروا مواسمهم وأرزاقهم وتدمرت منازلهم وقراهم، ويعيشون في مناطق الجنوب، وبعضهم وصل إلى بيروت ومناطق الجبل، عدا عن الدمار الهائل الذي أصاب القرى والبلدات، يُضاف إليها توقف الدورة الاقتصادية في مناطق الجنوب، والخسائر الكبيرة التي يتكبدها الجنوبيون في الممتلكات، وهي كبيرة جداً. ويبقى حزب الله غير قادر على الدخول في حرب شاملة، لأن دمار غزة ماثلٌ للعيان، وما سيصيب لبنان في حال انجراره لحرب شاملة، خصوصاً بعد البدء بتصاعد الصوت في المناطق الجنوبية مما خلفته الحرب الدائرة، وعجز حزب الله الذي تكبد خسائر في الأرواح والمعدات وفي بنيته التحتية العسكرية، خصوصاً مع تفوق إسرائيلي في ميدان الاستخبارات.  مما ساعدها في عمليات الهجوم والاغتيال لكادرات وقيادات ميدانية هامة في الجنوب، وقد زاد عدد شهدائه عن مئتي شهيد، والإصابات أكثر بكثير.
  هذا الأمر جعل من حزب الله مأزوما في واقعه الأمني والعسكري، وفي بيئته التي بدأت تتململ من الخسائر اللاحقة بها، خصوصاً إن حرب المشاغلة لم تمنع العدو الصهيوني من القضاء على كل معالم الحياة في قطاع غزة، أي وباللبناني الدارج “حرب حزب الله لم تخدم مصلحة قطاع غزة أو تُخفف عنه” ، لابل أتت بالحرب والدمار إلى لبنان وجنوبه على وجه الخصوص، في ظل ظرف اقتصادي وسياسي مأزوم أساساً، ويعاني لبنان أصلاً أزمات جمة على مُختلف الأصعدة.
   الحرب الراهنة أثبتت بما لايدعو مجالا للشك إطلاقاً إن ما كان يُحكى عن بعض استقلالية لقيادة حزب الله في لبنان هو محضُ هراء وغير صحيح إطلاقاً، وقد رشحت  بعض المعلومات أن عملية قصف قيادة الجبهة الشمالية للكيان المحتل في مدينة صفد،  والذي قُتلت فيها مجندة من جيش العدو ، بقيت لليوم دون اعترافٍ بمن قام بها، وقد أتى التبرؤ منها نتيجة اتصال وتأنيب للسيد نصرالله من القيادة الإيرانية، وفيها لوم وتبليغ جدي بعدم استهداف مواقع مهمة، بل لزوم أن يقتصر القصف على أعمدة الإرسال وأجهزة التنصت فقط، وذلك بالنظر للتفاهم الإيراني- الأمريكي، حفاظاً على مصالح إيران ليس غير.
  هنا، تظهر أكثر الأزمة التي يعيشها حزب الله وقيادته، خصوصاً بعد الهجوم الأميركي- البريطاني، والمستمر على  قواعد ومراكز الحوثيين في اليمن، وبعد الفضيحة الكُبرى في تقاضي الحوثيين مبالغ مالية، وفقاً لمصدر ملاحي أوروبي، يفوق النصف مليون دولار على كل باخرة أو ناقلة تعبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر، لتمر بآمان من دون التعرض لها، فكل هذه الأمور مجتمعة أرخت بثقلها على موقف محور الممانعة التي تقوده إيران، وأن “وحدة الساحات” هي غير موجودة سوى ببعض الفولكلور الذي يظهر بين الحين والآخر، وهنا تكمن أزمة حزب الله الذي يدفع الخسائر من عديده وعتاده، عدا عن البدء بتململ بيئته وما تتكبده من خسائر ، والتي اظهرت عجزه عن الدخول في حربٍ شاملة وقرار وقف الحرب من جانب واحد غير مسموح إيرانياً، هنا سبب أزمته.. عدا عن عجز محوره الممانع في تسجيل انتصار يُذكر.