جسٌر بري هندي… أم صاعٌق لإضرام نار الفتنة بين العرب؟

جسٌر بري هندي… أم صاعٌق لإضرام نار الفتنة بين العرب؟

عبد السلام بنعيسي

     ما يلفت الانتباه في فضيحة الجسر البري الذي تُنقل بموجبه، بشاحنات إماراتية، عبر الأراضي السعودية والأردنية، بضائعٌ ومنتجاتٌ لصالح دولة الكيان الإسرائيلي، هو أن الإعلام الرسمي، السعودي، والإماراتي، والأردني، يتحاشى تناول هذا الموضوع، لا لجهة النفي، ولا لجهة التأكيد، إنه يتعامل مع القضية، وكأنه غير معني بها، ولا تهمُّه لا من قريبٍ ولا من بعيد. الإعلام الصهيوني هو الذي بادر إلى تفجير هذه الفضيحة، وكشفها للرأي العام الدولي، والمحلي..  

   الأكيد هو أن النشر الإسرائيلي للأخبار المرتبطة بهذا الجسر ليس نابعا من رغبةٍ في الإخبار للإخبار؟ وليس مردُّ النشر السعي لتحقيق السبق الصحافي، وممارسة الحق في حرية النشر، بما يؤدي إلى تنوير الرأي العام بالحقائق والمعطيات التي من حقه الاطلاع عليها، فلقد صار معلوما أن الجهاز العسكري الإسرائيلي يتحكم في المادة الإخبارية التي تنشر في الإعلام الصهيوني، وأنه ينتقي ما يسمح ولا يسمح بنشره، وأن كل المواد المنشورة يكون قد وافق الرقيب العسكري على نشرها، وسمح بوصولها إلى الجمهور لأهدافٍ محددة من طرف الجيش الإسرائيلي، وذلك لأغراض مرسومة من جانبه، يودُّ تمريرها على نطاقٍ واسع، مُتحمّلا كل التبعات المترتبة عن عملية النشر، دون الكشف عن دوافعها، وتاركا لنا تخمين البواعث والدوافع والغايات…

   فبماذا يمكن تفسير أن الإعلام الصهيوني هو الذي يقدم للرأي العام العربي أخبارا وتقارير صحافية ترتبط بقضية يفترض، أن هذا الإعلام المعادي للعرب، يقوم بالتعتيم عليها، وبتركها تحت الظل؟ فلماذا يكشفها إلى العموم؟ ولماذا يسلط الضوء عليها، بخلاف ما تستدعيه ملابساتها، من وجوب السرية والتكتم؟ ما الغاية من كون جهاز الرقابة العسكري الإسرائيلي يجيز نشر مواد تكشف وجود جسرٍ بري يعبر دولا عربية بشاحنات محملة ببضائع ومنتجات، ويفرغها في ميناء إيلات، للالتفاف على الحصار البحري الذي ضربته حركة أنصار الله على السفن الإسرائيلية المارة من البحر الأحمر، إسنادا للمقاومة الفلسطينية، في وقتٍ تشنُّ فيه دولة الاحتلال، حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني؟ ماذا يمكن استنتاجه من هذه المفارقة الماثلة أمام أنظارنا؟

   إذا كان قد تأكد بشكل قاطعٍ أن واحدة من النتائج التي كانت تبغيها عملية طوفان الأقصى هي ضرب فكرة إنشاء الجسر البري الذي كان مزمعا إعداده، والقادم من الهند صوب الخليج ثم الأردن وصولا إلى الكيان الصهيوني، فإن نشر خبر الإمداد الذي تتوصل به حاليا الدولة العبرية من الدول العربية المذكورة يفيد بأن هذه الدول لا تريد لعملية طوفان الأقصى أن تنجح في دفن هذا المشروع وقبره نهائيا. الكيان الصهيوني ومعه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والمملكة الأردنية الهاشمية ربما يريدون جميعهم إخبار الرأي العام العربي والعالمي، بأن الجسر، كمشروعٍ، ليس فقط لا يزال قائما، وإنما ها هم قد شرعوا في تشغيله بكيفية فعالة، في شقّهِ العربي الذي كان موضوع جدلٍ واستنكار، وكانت عملية طوفان الأقصى تتقصد، من بين أهدافها الرئيسية، الإجهاز عليه، وجعله نهيا منهيا..

   نَشْرُ الخبر يفيد بأن العرب أصحابُ مشروع الجسر البري لا يزالون مصرين على التمسك بهذا الجسر، وعاقدين العزم على المضي فيه، رغم كل العوائق التي قد تعترضه، والدليل هو أنهم يُشغّلونه، بمعية الكيان الصهيوني، والقتل، والتهجير، والتجويع، والتدمير في الشعب الفلسطيني وفي مؤسساته وعمرانه بلغ شأوا لا سابق لمثله. فنشر الأخبار عن المشروع في الوقت الراهن، يعني أن الساهرين على إنجازه يقولون لنا، إن الجسر المذكور مشروع بات عمليا قائما، وأنه غير قابل للمراجعة، ولا يمكن توقيفه، مهما كانت العراقيل، التي قد تحاول إعاقته، وأعلى ما في خيلكم اركبوه…

   المثير هو أننا نقرأ الأخبار والتقارير والتصريحات من المسؤولين السعوديين التي تفيد بأن المملكة العربية السعودية ترفض التطبيع مع الدولة العبرية، وأنها تشترط قبول التطبيع، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة سنة 1967، ولكن عندما تتحول بلاد الحجاز إلى ممرٍّ لإيصال البضائع والسلع إلى دولة الاحتلال، أليس هذا التصرف تطبيعا؟ أليس تعاونا في وضح النهار مع الكيان الصهيوني؟ هل هناك تعاون أقوى وأكبر منفعةٍ لإسرائيل من رفع الحصار الذي ضُرِبَ عليها في البحر الأحمر من طرف أنصار الله؟ ألا يُشكِّلُ هذا التصرف دعما لها، ووقوفا إلى جانبها في حربها الهمجية على الشعب الفلسطيني الشقيق؟؟ أي تفسير يمكن إعطاؤه لهذا السلوك السعودي عدا كونه، تطبيعا، وتعاونا مع دولة الاحتلال؟؟؟

   إننا إزاء طعنة، ليس في ظهر الشعب الفلسطيني فحسب، ولكنها طعنة موجهة لأنصار الله، وللمقاومة العراقية، ولحزب الله، ولإيران وسوريا. ومهما كان المصير الذي ستؤول إليه الحرب الهمجية المشنة حاليا على الشعب الفلسطيني، فلا يمكن لهذا المحور أن يظل مكتوف الأيدي أبد الدهر، ويتفرج في إنشاء جسرٍ متوجه للكيان الصهيوني، يمرُّ قرب حدوده، ليعزله، ويتحداه، ويتركه مهملا ومهمشا في دماره، وخرابه، وفقره، بعد أن تعرضت دوله للتدمير، والتخريب بالمال العربي، وبالسلاح الأمريكي، خدمة للمصلحة الإسرائيلية، بينما أصحاب الجسر ينعمون بالهدوء، والأمن، والاستقرار، والرخاء، وينجزون المشاريع العملاقة في الجوار، تحت الرعاية الأمريكية والصهيونية.

   الجسر البري القادم من الهند والمتوجه صوب دولة الاحتلال، سيكون بمثابة إسفين سيتم دقه بين الدول العربية المُدمَّرة، والمُخربة، والفقيرة من جهة، والدول الغنية، وتلك التي ستستفيد من عائدات ريعه من الجهة الأخرى، وسيشعر الطرف المقاوم والممانع بالغبن، وبالظلم، والتهميش، وبالتآمر عليه، وعلى تضحياته، وقد تتصاعد الخلافات حول الجسر، ليتحول إلى صاعق لإضرام نار الفتنة بين الدول العربية، وبما قد يؤدي إلى حدوث مواجهات عسكرية وحروب أهلية بينها…

   الشارع الأردني يغلي ويساند بكل جوارحه نضال الشعب الفلسطيني، ويجد ذاته في المقاومة الفلسطينية الباسلة، ويحث على وقف التطبيع، وإنهاء كل علاقة بالكيان الصهيوني، واستطلاعات الرأي التي أجريت في المملكة العربية السعودية تفيد بأن نسبة أكثر من تسعين في المائة من السعوديين يرفضون التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويتعاطفون مع نضالات الشعب الفلسطيني، ولاشك أن ذات المشاعر تسكن دواخل الإماراتيين، والمغاربة، والسودانيين، والبحرانيين، وهذا يعني أن الاحتقان سيظل، سيد الموقف في الشارع العربي، بسبب هذا التطبيع..

   فلماذا لا تنصت النخبة العربية الحاكمة إلى رأي شعبها، وتقيم مشروعها العربي المتضامن والمتعاون بين بعضها البعض، وتعمل من أجل منع الكيان الصهيوني من التسلل إلى داخلها، والتصدي له بنصرة المقاومة في كل بقعة عربية تواجهه؟ ما هو الأفضل للعرب؟ هل التكتل والتكاثف لمواجهة عدوهم، أم التبعثر والتشرذم وإقامة الجسور مع العدو الصهيوني للدخول في صراعات ومواجهات وحروب عربية/ عربية؟ إذا تضامن العرب وتكتلوا وواجهوا عدوهم المشترك، سينتصرون مجتمعين، ويعيشون معززين مكرمين، أما إذا عوّلوا على العدو، واستطابوا خلافاتهم، وأدمنوها، وتقاتلوا بينهم، فإنهم سيخسرون مجتمعين، وسيقضون حياتهم مدلولين خائبين خانعين.

   عملية طوفان الأقصى أبانت لنا أن عدونا، ليس إلا نمرا من ورق، بضعة مقاتلين، وبأسلحة بسيطة جدا، قياسا بما في ترسانته، تمكنوا من كسر أنفه في عقر مستوطناته، وهذا يبيّنُ أن في متناول العرب، إن هم اتحدوا، وعقدوا العزم على مواجهته، بإمكانهم هزمه، وفرض إرادتهم عليه، وعلى من يقف خلفه. فلماذا يا إلهي يختار حكامنا دائما الخيارات السيئة والمدلة لهم ولنا جميعنا؟؟؟

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد السلام بنعيسي

صحافي وكاتب مغربي