لبنان التسوية الغائبة تسعر الحرب في الجنوب
أحمد مطر
على اللبنانيين في قرى الجنوب ومدنه أن يتحملوا المزيد قبل أن تنضج الصفقة التي يجري العمل عليها في باريس وعواصم أخرى من أجل هدنة أو وقف لإطلاق النار في غزة..
ربط قدرة اللبنانيين على التحمل بمصير الصفقة سببه قرار حزب الله فتح الجبهة اللبنانية حتى وقف الحرب الإسرائيلية على القطاع، لكن ذلك يبدو بعيداً من متناول اليد، ولذلك فإن المزيد من التضحيات سيكون مطلوباً، من بلد وشعب يعتقد بإمكانية تجنب المجزرة والانصراف إلى معالجة شؤونه الداخلية المعقدة.
احتمالات الصفقة تتراجع في مناخات كهذه. على الأقل حتى أمد غير منظور، وهذا يعني أن حرب المساندة في الجنوب ستستمر وحجم الضحايا والأضرار سيكبر، ليس في المناطق المستهدفة فقط، وإنما في سائر نواحي حياة اللبنانيين الاقتصادية والاجتماعية. وفي الأثناء سيتعمق انعدام وزن الدولة في وقت تذهب فيه حكومة تصريف الأعمال بعيداً في تبني عنوان غزة أولاً، فتصبح، وهي هكذا حالياً مجرد ملحق دبلوماسي لحزب الله وقتاله المفتوح.
سينتظر لبنان كثيراً قبل استعادة الهدوء على حدوده. في نطاق صفقة حماس إسرائيل المطروحة لا مكان له أو لحربه. لكن في المشروع الأميركي الأشمل للمنطقة الذي يتضمن حل الدولتين، والتطبيع العربي الإسرائيلي، سيجد نفسه تحت بند إيجاد تسوية دبلوماسية للمواجهة بين حزب الله وإسرائيل.
ربما ينتظر حزب الله تلك اللحظة التي تتيح له شراكةً في ترتيبات الشرق الأوسط الجديدة، فيحفظ دوره، ويلبي حاجة إيرانية ملحة، وحتى يحين هذا الوقت سيتضاعف الثمن من دماء المواطنين، ولن تكون الدولة اللبنانية موجودة للتوقيع، أقله في الشكل.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحال هو الى متى سيبقى موضوع الكر والفر الصاروخي مستمر من دون أن يتمكن أحدهما من تحقيق نتائج عسكرية يتم توظيفها سياسياً، لا جواب عن هذا السؤال سوى تلك المعادلة التي أرساها حزب الله أي لا وقف للمعارك المحسوبة إلا بعد وقف الحرب على غزة. لكن لا يبدو أن هناك أي مؤشر حاسم بوقف الحرب على غزة حتى من أجل هدنة موقتة تقود حكماً إلى الهدوء على جبهة لبنان يسمح للجنوبيين خصوصاً وللبنانيين عموماً أن يأخذوا نفساً، وأن تعفيهم هذه الهدنة من مزيد من الخسائر بالممتلكات والأرواح.
يستمر الجنوبيون وحزب الله في تحمل الكلفة العالية للجبهة وسط سجال داخلي حول جدوى مواصلة الكر والفر الصاروخي، في شكل يضطر الأمين العام السيد حسن نصرالله أن يتوسع في خطابيه الأخيرين، في ابتداع الحجج لإقناع جزء من جمهوره، وللرد على خصومه، تبريراً منه لاستمرار فتح هذه الجبهة. فهو تارة أعطى طابعاً أخلاقياً ودينياً لهذه الحجج باسم التضامن مع غزة، وأخرى سياقاً سياسيًا يتعلّق باستباق حرب إسرائيلية استباقية على لبنان، ليجدد التمسك بمعادلة الجيش والشعب والمقاومة. هذا في وقت لا الجيش يشارك في ما يجري على الصعيد العسكري، بل يكتفي بالمراقبة والمساعدة في بعض أعمال الإغاثة، ولا الشعب قادر على الصمود وتحمّل الثمن الباهظ الذي يضطر لدفعه. ولهذا اضطر السيد نصرالله لإطلاق وعد بإعادة إعمار ما سببته الحرب من دمار في ممتلكاته، التي لم يتكشف بعد حجم الأضرار الكبيرة التي لحقت بها، لا سيما عند الواجهة الحدودية حيث سويت منازل وأبنية بالأرض وأُحرقت مساحات بالقنابل الفوسفورية يستحيل إعادة زرعها لسنوات مقبلة.
في الانتظار يبقى اللبنانيون تحت وطأة مصير مجهول، طالما أن لا وضوح لدى القوى الكبرى حول سبل وقف الاندفاع العسكري الإسرائيلي المجنون ضد غزة. حتى الأفكار المطروحة تحت عنوان تطبيق القرار الدولي رقم 1701 تبدو بلا أفق لأن بعضها مخالف للقرار نفسه، اضطر بعض الدول لاقتراحها تحت عنوان خفض التصعيد، وليس وقف الحرب.
Visited 11 times, 1 visit(s) today