مستقبل سوريا بظل العلاقات الروسية الإيرانية
خالد العزي
باتت سوريا منطقة مواجهة بين المجموعات الإيرانية التي تتلقى الضربات اليومية، بظل سكوت روسي وتحلٍّ بالصبر الاستراتيجي الإيراني، ومحاولة واضحة من النظام السوري عدم الدخول في الحرب، والابتعاد عن المواجهة الواضحة من قبل الرئيس الأسد.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه حاليا بظل التصعيد الإسرائيلي، والتهديد بتوسيع خطوط المواجهة مع الحزب وإيران في لبنان، هل ستبقى سوريا بمنأى عن هذه المواجهة الموسعة، حيث بات يظهر التباين الروسي الإيراني لجهة الرؤية، بالرغم من أن إيران ستتكبد خسائر كبيرة في هذه المواجهة.
العلاقات الروسية – الإيرانية الحديثة:
تسعى روسيا، بظل حكمِ الرئيس بوتين، إلى النهوضِ مرة أخرى كقوة منافسة في النظام الدولي. وذلك عبر تأكيد حضورَها في الأقاليمِ العالمية. في حين تسعى إيران إلى إثبات أنها قوة إقليمية لها مصالحَها. وقد حرصت الدولتان على إقامة علاقة بينهما بما يخدم تلك التطلعات. رغم العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا، بعد ضم جزيرة القرم وتدخلها في أوكرانيا وسوريا، والعقوبات الغربية على إيران على خلفية برنامجها النووي ومشروعها السياسي، فكانت عامل تقريب بينهما.
تنظرُ روسيا إلى إيران باعتبارِها دولة ذات موقع استراتيجي، لايمكن تجاهل تأثيرَه، سواء بالنسبة لها أو بالنسبة إلى مصالحِها في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، لا سيما وأن روسيا في مواجهة تهديدين استراتيجيين:
– الأول: هو محاولة محاصرتَها من جانب الولاياتِ المتحدة، عبر تمدد حلف الناتو، بغرض احتواءِ روسيا وتطويقِها والسيطرة على القوة والتوسع الإيراني.
– الثاني: هو تهديد التنظيمات الإسلامية المتشددة، التي أصبحت تنتشر في معظم دول وسط آسيا، وتتفق إيران مع روسيا وتشاركها مخاوفِها في ذلك، حيث أن الخلاف العقائدي والمذهبي مع بعض التيارات الإسلامية المتطرفة السنية (وعلى رأسِها تنظيم الدولة الإسلامية – داعش) يضعُها ومصالحُها ضمن مخاطر هذا التنظيم.
-ثالثا: مواجهة الهيمنة الأميركية بالحصار والعقوبات، إلى حد التهديد بضربةٍ عسكرية ومحاولات تأديب النظام الإيراني.
الخلافات الروسية- الايرانية على سوريا
على الرغمِ من أن التعاون بين إيران وروسيا يتجاوز التقارب في ملفاتٍ وقضايا متعددة. لكن خلف هذا التحالف تظهرُ بعض الخلافاتِ أو الاختلافات في وجهاتِ النظر نتيجة لتعارض المصالح والرؤى والخلافات عديدة من الملفات الخلافية، التي لا يمكن اعتبارها بسيطة. ومن ضمن هذه الخلافات النظر والرؤية لمستقبل الدولة السورية ما بعد الثورة.
وعلى الرغمِ من التفاهم الروسي الإيراني في سوريا، لكن هذا لا يعني عدم وجود خلافات بين الطرفين، فإيران لا تخفي قلقِها من التفاهم الروسي مع تركيا وإسرائيل في سوريا، التي باتت ساحة لأطرافٍ عديدةٍ، بالإضافةِ إلى وجودِ خلافات أيضا حول مستقبل سوريا. تحبذ موسكو حل الازمة عن طريق سياسي، يضمن أن تبقى سوريا موحدة ودولة ذات سيادة، فحرصت موسكو على اتباعِ سياسة التوازن، وذلك من خلال إدارة تحالفاتِها بدقة مع بعض الأطرافِ الإقليمية في سوريا بما فيهم إسرائيل.
بينما لدى طهران أولويات أخرى، على رأسِها تعزيز النفوذ العلوي في سوريا، بصرف النظر عن تداعياتِ ذلك على مستقبلِ الدولة السورية. لأن طهران تخشى من احتمالِ حصولِ مقايضاتٍ أميركية – روسية لإيجاد تسوية في سوريا، تكون على حساب نفوذها في سوريا والمنطقة.
بتاريخ 28 أبريل 2021، وفي شريط صوتي مُسرب، انتقدَ وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، سيطرة “الحرس الثوري” على السياسة الخارجية للبلاد، وإدخالها في الحرب الأهلية السورية بأمر من روسيا. ويأتي تسريب الشريط في الوقت الذي تستعدُ فيه إيران لإجراء انتخابات رئاسية، وتصل صراعات السلطة الداخلية إلى آفاق جديدة.
ومن خلال تصريح ظريف بشكل لا لبس فيه، بأن “فيلق القدس” وموسكو يرتبطان بعلاقة وثيقة، أشار أيضاً إلى أن هذه العلاقة غير متكافئة. ووفقاً لما قاله، أرغم فلاديمير بوتين إيران على إرسال قوات برية إلى سوريا: “فكانت رحلة قاسم سليماني إلى روسيا عام 2015، بناءًا على إرادة موسكو وليس (إرادتنا). كانت إرادة روسيا تهدف إلى تدمير إنجاز وزارة الخارجية. هذا هو سبب دعوتها لسليماني”. ويتناقض هذا التوصيف تناقضًا حادًا مع الحجج المتكررة بأن سليماني جرّ بوتين إلى الصراع السوري . وعلى حد تعبير ظريف، “دخل بوتين الحرب عن طريق القوات الجوية، لكنه جرّ القوات البرية الإيرانية إلى الحرب أيضًا. ولم يكن لدينا قوات برية في سوريا في ذلك الوقت”.
روسيا وتعويم النظام في سوريا
إن محاولة روسيا لتعويم النظام السوري، خاصة بعد أن نجحت في القضاء على الثورة المسلحة، لكنها فشلت في إنضاج حلول سياسية لمستقبل النظام وإجراء مصالحة فعلية، تمكنت من فتح أبواب الدول العربية أمام النظام، لفتح صفحة جديدة لتدعيم النظام . لكن الانزعاج الروسي بات واضحًا من نظام الأسد بعد إفشال دمشق لمشروع المصالحة العربية، وإفشال العلاقات مع أنقرة، ربطًا من التفاهمات التي كانت روسيا تحاول إرسائها بين البلدين، وخاصة بأن روسيا فتحت مفاوضات استانا على مدى واحد وعشرين جولة، التي أبعدت روسيا العرب عن الواجهة، للتفرد بإنتاج حلول سياسية تناسبها بالدرجة الأولى وتناسب إيران.
روسيا ترى بأن العناد المتبع من سلطة دمشق في الوقوف أمام شروطها، ناتج عن الضغط الإيراني على النظام الذي ينصاع تلقائيا لشروط نظام الملالي على حساب روسيا ودورها. فالشروط التي تصر عليها دمشق لتطبيع العلاقات مع انقرة غير جدية، ويجب تقديم التنازلات المتوازية كي تبدأ علاقات جدية تُعَوم النظام مجددا على حساب الثورة السورية. أما لجهة النظام العربي والمصالحة معه، تعي روسيا بأن إيران كانت وراء إفشال تعهدات نظام الأسد، لجهة منع تصدير الكبتاغون، والسير بخطوة من النظام، مقابل خطوتين من قبل العرب، على حساب دماء الشعب، لأن تعويم الأسد كان يظن من خلاله بأن نتيجة استراتيجية كبرى، وقد رسمت خريطة المنطقة العربية، وخاصة بعد التفاهم السعودي- الإيراني.
لكن الأسد لم يستطع أن يحصد ما بين القمتين، إلا حصادًا كارثيًا. ومن المتوقع أن يكون مريحَا بعد مؤتمر المنامة، حيث ستكون حرب غزة وضعت أوزارها وسيتم دفع فواتيرها.
الصراع الحالي بينهما على سوريا:
يمكن القول بأن الصراع الإيراني الروسي على القرار السوري، بات يحصد الخيبات لنظام الأسد، بظل قمتي (الرياض والمنامة)، لجهة الاختلاف والمساعدة في الخروج من الحصار الغربي المفروض على النظام، والعجز الفعلي لروسيا وإيران في كل هذا الحصار الغربي.
فإذا كانت إيران تريد السير في مشروعها في سوريا، القاضي ببقاء النظام العلوي، الذي ينفذ استراتيجية من خلال السيطرة على القرار وإبقاء سوريا مسرح مواجهة مع العرب من جهة، ومع إسرائيل والمجتمع الدولي من جهة أُخرى، فإننا أمام صراع واضح، نراه بين الروس والإيرانيين في الجنوب، لجهة السيطرة على الحدود السورية الإيرانية، التي تهدد الأردن، الخاصرة الضعيفة في دول الاعتدال العربي، واختراقه بالمخدرات ونقلها إلى الخليج العربي، في محاولة لنقل المواجهة العسكرية وتهديد إسرائيل، من ناحية التهديد بإسقاط الأردن عسكريا، لمناصرة الضفة الغربية واستخدام الجولان للضغط على إسرائيل، من أجل الاستخدام كأوراق للتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية.
بينما الروس ينظرون إلى أمن المنطقة الجنوبية بأنها أساس لضمان استمرارية الهدوء في منطقة الجنوب، ومنع إثارة الفوضى في الأردن، ومنع تصدير المخدرات نحو الخليج، كي تبقى سوريا على علاقة جيدة مع هذه الدول، التي قد تشكل لها ثقلا بظل الضغط الغربي والأميركي على النظام. وأيضا روسيا لا تريد خروج الجنوب من يد دمشق، خاصة بعد خروج مدينة السويداء نهائيًا عن سلطة النظام، حيث باتت الولايات المتحدة تفكر بإقامة منطقة عازلة عن النظام (من البوكمال حتى درعا والقنيطرة جنوبا، مرورا بالصحراء والسويداء).
التطورات الأخيرة في المنطقة…
لكن الحدث الأبرز في منطقتنا هو حدث “طوفان الأقصى”، في 7 أكتوبر 2023، حيث لم يستفد منه أحد ، وتحديدًا (إيران وروسيا)، إنما كانت محاولة خجولة للنظام السوري النأي بالنفس عن مجرى الأحداث التي لا تفرق بين جنوده والمليشيا الإيرانية، لكون سوريا هي من إحدى الساحات الستة، ضمن مقولة “وحدة الساحات”، التي تديرها إيران في ضغطها على الولايات المتحدة. فهل يمكن للنظام إبعاد أراضيه في الجولان عن المواجهة بمساعدة روسية، خاصة بظل فتح الجبهة القادمة لطوفان إيراني في المستقبل القريب، بحسب التهديد الإيراني، خاصة بأن الأراضي السورية باتت تشكل العمق الاستراتيجي لحزب الله، الذي يعتبر رأس حربة بالمواجهة الإيرانية في المنطقة، كما بات الحزب موضوع التفاوض على أسس الحلول القادمة للمنطقة، وما جرى في الضربة الدموية في حلب بمنطقة السفيرة، بتاريخ 29 مارس 2024، والتي كانت رسالة واضحة للنظام السوري وروسيا، بأن إسرائيل جاهزة للمواجهة، ووفقا لهذا التوجه لن يستطيع الأسد ونظامه المناورة واللعب على التناقضات بين الأصدقاء والخصوم.
أما في ما يتعلق بمستقبل العلاقات بين إيران وروسيا، ونظرتهما لمستقبل سوريا، فإنه مرهون بتحول البيئة الداخلية والخارجية، ومن خلال متابعة العلاقات بين البلدين على مدار العقدين الماضيين، يلاحظ أن موسكو تتعامل مع إيران وفقًا لسياسة فصل القضايا. وخاصة بأن أي إستراتيجية جديدة في المنطقة العربية، لابد من طرح مسالة الاحتلال والنفوذ الإيراني للدول العربية وسوريا خاصة، في أي بازار سياسي تفاوضي. لأن الإيراني ليس صاحب سيادة لكي يتصرف كما يريد، وفي هذا الوقت يمكن الضغط على إيران. وبالرغم من العلاقات الكبيرة بين إيران وروسيا، والتعاون العسكري بين البلدين في سوريا، الممتد لأكثر من عقد من الزمان، والزيارات المكوكية المتبادلة بين كبار مسؤولي البلدين، وعزمهم فتح صفحة جديدة للعلاقات الثنائية، عبر التوقيع قريبا على معاهدة التعاون الإستراتيجي طويل الأمد، فإن “الخلاف” دب مؤخرًا بين البلدين، وبات العنوان الأبرز للمرحلة الحالية، وسط تصعيد دبلوماسي إيراني تجاه موسكو.