عن المساواة والعدالة بين الرجل والمرأة؟!
د. إليان سركيس
لا شك عندما نتحدث عن الآباء الصالحين أو الأمهات الصالحات، الذين صنعوا عباقرة وربوا التربية الصالحة، وضحوا من أجل بناء البيت والعائلة والعيش الكريم، بحب وتواضع واحترام وتقدير، بدون “تربيح جميلة” كما يقول المثل العامي، لا يمكن أن نتجاهل وجود نساء أو رجال قاموا بعجائب، وسببوا مصائب، وخربوا بيوتا وعائلات، بسبب مصالحهم الشخصية الأنانية الدنيئة الضيقة، وحساباتهم الخاطئة المدمرة.
ما أكتبه حول هذا الموضوع مستوحى من تجاربي كطبيب، فكم من مريض استقبلته في عيادتي، شرح لي معاناته من الأمرين، من جراء تصرفات غير عقلانية وعشوائية، وتفكير جهنمي غير قابل للتحقيق، كم من أم تخلت عن أولادها تحت ذريعة حقوق المرأة والحرية، وانجرت لموجة النسوية، وأغمضت عينيها عن كل الشرائع الدينية والسماوية والبشرية، وانجرفت إلى عالم آخر، عالم الانفتاح والحرية المزيفة، وذهبت نحو المجهول، وهي مصرة ومقتنعة بصواب رأيها، وكذلك كم من رجل مارس نفس التصرفات، ولم يكن أيا منهما قديسا في كل حال من الأحوال. لقد انطلقت عدة تيارات روجت لمفاهيم محرضة على إلغاء الآخر، هادفة إلى هدم المجتمع وتدمير الأسر، وللأسف نجحت في ذلك.
وعلى سبيل المثال، هنا في فرنسا أصبحت نسبة الانفصال تفوق الخمسين في المئة في العام الواحد، فهل يمكن الحديث مع هذه النسبة عن الأمومة أو الأبوة بالطريقة نفسها؟ هل يبقى تعريف المشاركة الزوجية كما كان، أي البناء على أسس متينة، مثلا الحب الحقيقي الذي يتطلب الالتزام من الطرفين، فأين هو الحب اليوم الذي يضمحل ويتحول إلى كراهية عند أول مشكلة بين الشريكين؟ ما معنى الأمومة أو الأبوة عندما ينفصل الأب أو الأم ويتركان أطفالهما لمصيرهم عند أي مشكلة أو بسيطة؟ هل هولاء من يصنعان مجتمعا وتاريخا مشتركا مشرفا؟!
طبعا لا، المجتمع اليوم فقد الحس الاجتماعي والديني والأخلاقي وأصبحت الزيجة وظيفة تبدأ بإعجاب ينتهي بعد بضعة أعوام بتجارة ومنافسة على تعب وكد الآخر وجنى عمره، وبأغلب الأحيان على الأرباح المادية الكبيرة بدون تعب أو شقاء، بمعنى آخر سرقة بكل بساطة.
الأمومة والأبوة أصبحا اليوم في خبر كان، والخلافات الثنائية بين الشريكين تتحكم بها ظروف نفسية، لا سيما الأنا، أي النرجسية، الأمومة في عصرنا الحاضر تتطلب أكثر مما تعطى، والتنافس بين الأم والأب ليس على الأفضل، بل على المظاهر، وليس على القيم وعلى السيطرة عبر ممارسة الضغوط والفرض بالقوة والتسلط دون خوف، تحت شعار “أنا أو لا أحد”، أو “أنا حر أو حرة”. هناك من ينتقد ولا يعجبه العجب، وهناك من هو مذنب ويتباكى على أساس أنه ضحية ومظلوم ومغلوب على أمره أو منحرف، الأنانية تفاقم المشكلات وتخنق إمكانية التحاور بديلا عن السجالات التي لا تنفع ولا تقدم، أو تؤخر في حماية العلاقات الإنسانية وحفظ حقوق الطرفين بعيدا عن ممارسة “الشطارة.