انعكاس المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية على لبنان
أحمد مطر
أرخت الضربة الإسرائيلية الأخيرة لمقر القنصلية الإيرانية في دمشق، واغتيال مجموعة من مسؤولي وضباط الحرس الثوري الإيراني، وبينهم من يتولى مسؤولية الملف اللبناني والتنسيق مع حزب الله، بتداعيات سلبية وتفاعلات على الساحة اللبنانية، نظرا لترابط هذا الحدث، بالمواجهة التي يتولاها الحزب ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود اللبنانية الجنوبية، وزادت من التعقيدات التي تحوط الأزمة الداخلية المتعددة الأوجه، وصعوبة مقاربة أي جهود أو وساطات لحلها في الوقت الحاضر.
إذ بينما كان البعض يأمل أن تطرأ حلحلة ما، تؤدي بعد تحقيق وقف جدي وثابت لإطلاق النار في غزة، إلى اختراق ولو محدود، في ملف الأزمة يتم من خلاله انتخاب رئيس للجمهورية وتاليف حكومة جديدة، توسعت وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية، واستهدفت ضباط الحرس الثوري الإيراني في دمشق، وفرضت واقعا أمنيا متوترا، وباتت معه مساعي التوسط لحلحلة الأزمة محكومة، بتداعيات حادث الاغتيال وتفاعلاته وردود الفعل الإيرانية عليه، في ظل صعوبة بالغة، للفصل بين التطورات المستجدة والمتسارعة، وجهود تحقيق اختراق ما بجدار الأزمة اللبنانية.
منذ بداية المواجهة العسكرية جنوبا بين حزب الله وإسرائيل قبل ستة أشهر، ربط الحزب مسألة إطلاق مسار انتخاب رئيس الجمهورية وحل الأزمة داخليا، بانتهاء حرب غزّة، وعطل جميع محاولات الأطراف السياسيين بالداخل والموفدين من الخارج، لإيجاد حل مناسب للخروج من الأزمة، متذرعا بانشغاله بمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية.
واليوم أضافت عملية قصف القنصلية في دمشق ذريعة إضافية للحزب للتهرب من مسؤوليته، في عرقلة انتخابات رئاسة الجمهورية ووضع العصي في طريق أي جهد مبذول من الدول العربية الشقيقة أو الصديقة بحجة التلطي وراء هذه العملية الخطيرة وتداعياتها، لعرقلة مسار حل الأزمة الداخلية المتفاقمة.
انطلاقا من هذا الواقع المتردي، ومحاولة ربط منحى المواجهة العسكرية المحتدمة بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود اللبنانية الجنوبية، وما يمكن أن تكون عليه نتائج المواجهة بين إيران وإسرائيل على أعلى المستويات في الأسابيع المقبلة، لاسيما إذا أصرت إيران على أن يكون الثأر من تدمير مقر القنصلية الايرانية في دمشق، من لبنان وحتى من جبهات أخرى ثانوية أو من الأراضي الإيرانية، وإن كان ذلك مستبعدا لخشية طهران من ردات فعل إسرائيلية مدمرة، يبقى الوضع اللبناني مشدودا، إلى مصير حرب غزة تحديدا، والحروب الدائرة على هامشها، لمعرفة المنحى الذي تسلكه التطورات، ومدى تأثيره على جبهة المواجهة المحتدمة بين الحزب وإسرائيل جنوباً.
الواضح أن امعان إسرائيل بتوسعة نطاق الاشتباكات المسلحة الدائرة جنوبا وخارج قطاع غزة، والقيام بعمليات اغتيال لقيادات وضباط الحرس الثوري الإيراني في كافة أرجاء الأراضي السورية، وضرب مقرات ومراكز للحزب في عمق الأراضي اللبنانية، وضع النظام الإيراني وحليفه حزب الله، في موقف حرج، وأمام أحد خيارين، لا ثالث لهما.
فإما أن يتم الرد على عمليات الاغتيال والاستهداف، بعملية نوعية إيرانية أو من أحد أذرع طهران بدول الجوار، لاستعادة الحد الأدنى من المصداقية المتهالكة أمام الرأي العام وجماهير المحور المتحالف معهما، أو يكتفيان بسيل التهديدات والوعود، مع إبقاء الوضع مشدودا وعلى حافة التوتر، وهذا هو الخيار المرجح حتى اليوم.
وفي كل الأحوال، لا يمكن تجاهل مؤثرات عملية تدمير مقر القنصلية الإيرانية في دمشق وتداعياتها على الساحة اللبنانية، التي تبدو حاليا في سباق لفصل جبهة الجنوب، عن مسار حرب غزة ونتائجها، وإن كان مثل هذا التمني صعبا في ظل إصرار النظام الإيراني على استعمال جبهة الجنوب اللبناني، منطلقا لتكريس نفوذه من بوابة التضامن ودعم غزة، وتأكيد حزب الله الاستمرار في مشاغلة قوات الاحتلال الإسرائيلي عن العدوان ضد الشعب الفلسطيني، وسباق بين تسريع خيار الديبلوماسية الأميركية التي يقودها المستشار الرئاسي الأميركي أموس هوكشتاين لتهدئة الأوضاع المتدهورة جنوبا والتوصل إلى تفاهم لتنفيذ القرار الدولي رقم1701، أو الانجراف باتجاه إعادة تكريس لبنان منصة، لتوجيه الرسائل وتصفية الحسابات خدمة لمصالح إيران، مع ما يسببه مثل هذا الخيار من أضرار ونتائج مدمرة على لبنان كله.
Visited 48 times, 1 visit(s) today