حرب غزة تربك المنطقة ولبنان يخسر دوره
أحمد مطر
لبنان خسر منذ فترة طويلة دور اللاعب المؤهل له، ليس فقط بسبب الخلافات والصراعات الداخلية بل أيضاً بسبب الهيمنة الإقليمية عليه وقلة الاهتمام الدولي. وهو اليوم لعبة لا مجرد ملعب. لعبة خطرة إن لم تكن قاتلة. بقايا السلطة تلعبها صغيرة لحماية مصالحها الضيقة. وحزب الله يلعبها كبيرة، ليس فقط من خارج السلطة، وهو داخلها، بل أيضاً من خارج النظام، وهو مرشح للخروج عليه.
ذلك أن نبيه بري رئيس المجلس النيابي المقفل في وجه انتخاب رئيس للجمهورية، ونجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي يمارس مع الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية يناقشان الموفدين الأميركي والفرنسي في الأوراق والاقتراحات بتفويض من حزب الله الذي يصنع القرار هذا على مستوى الشكل.
هكذا يتم التداول في مسار المبادرات المطروحة امام اللبنانيين، في المواقف والاروقة السياسية، ووسائل الإعلام، لكي، يظهر شكليا دور ما للسلطة اللبنانية في تولي التفاوض على أي تفاهم، أو اتفاق ما، يتعلق بحل مشكلة، ضمن الأراضي اللبنانية، انطلاقا من سيادة الدولة على أراضيها، ومن صلاحياتها بموجب الدستور والقوانين اللبنانية حصراً.
أما في الواقع، فالأمر مختلف كليا، فما يحصل يأخذ منحى مغايرا تماما، عما يروج له بالشكل، لأن مصير أي مبادرة أو طرح لإنهاء الحرب الدائرة في جنوب لبنان حاليا، يتقرر بيد من أعطى الأوامر ودعم بالسلاح والتدريب والأموال، لإشعال هذه المواجهة المحتدمة بين حزب الله وإسرائيل منذ عملية طوفان الأقصى، قبل سبعة أشهر.
الواقع حتى الآن كثير الدلالات. فمنذ توقفت حرب 2006 بقرار مجلس الأمن 1701، ونحن نسمع خطاب التطمين والاقتدار وفرض معادلة الردع المتبادل أو توازن الردع والرعب. ومنذ فتح الجبهة الجنوبية لإسناد حركة حماس في حرب غزة بحرب عنوانها مشاغلة العدو، ونحن نرى تهاوي معادلة الردع وبروز معادلة جديدة هي توازن التدمير وأحياناً من دون توازن فيه، حتى مع التركيز على ما يفعله محور المقاومة بقيادة إيران ضمن وحدة الساحات من خارج الشرعيات في البلدان التي صارت مجرد ساحات.
وما أكثر الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة جدية شافية. لا من السلطات المغلوبة على أمرها بل من صاحب القرار في الحرب أو أقله من الوكلاء. لكن طهران تدعي أن الساحات المرتبطة بها تمويلاً وتسليحاً وخياراً استراتيجياً في الصراع الجيوسياسي على المنطقة تتخذ قراراتها باستقلالية. وحزب الله يوحي أن ما يشغله هو الاهتمامات والحسابات الاستراتيجية، مهما تكن هموم الناس اليومية. فلا هو يقدم أجوبة تطلبها الأكثرية الرافضة للحرب، ولا هو ينشغل أحياناً إلا بتقديم أجوبة عامة وانتصارية للبيئة الحاضنة له والمتضررة أكثر من سواها من الدمار اللاحق بالجنوب في الضحايا والعمران والزراعة والسياحة وأمور أخرى.
ذلك أن السؤال الكبير الذي لا يزال بلا جواب هو ما الهدف السياسي المطلوب تحقيقه من خلال الحرب التي هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى، أي تغيير استراتيجي يراد له أن يتبلور عندما تتوقف الحرب، وهل اللعبة المعقدة هي بهذه البساطة، ليس جواباً ما يبدو كأنه لجوء إلى نوع من الغموض الاستراتيجي الذي يراد له أن يكون في منزلة الوضوح، أو من الوضوح الذي يراد تظليله بكثير من الغموض. ولا شيء يزيد من مخاطر الحرب أكثر من الخطأ في تصور مرحلة ما بعدها سواء تصور العودة إلى ما كان قبلها، أو تصور الذهاب إلى وضع مختلف كليٌا.
ختامًا في ضوء هذه الوقائع، فإن المصير النهائي، لأي مبادرة ما، لإنهاء المواجهة جنوبا، لا يتقرر في لبنان، كما يروج البعض بالداخل اللبناني، لإخفاء حقيقة التسلط الإيراني على السيادة والقرار اللبناني، بل في طهران، بينما تبقى أدوار مسؤولي السلطة اللبنانية شكلية، لحفظ ماء الوجه فقط، وحتى حزب الله، لا يملك القرار النهائي، إلا بالعودة للنظام الإيراني، بالرغم من كل محاولات التعمية والتورية، ولذلك تم الربط بإنهاء مواجهات الجنوب اللبناني، بوقف حرب غزة، كما انتخاب رئيس جديد للجمهورية وباقي الاستحقاقات المهمة.
يبقى الثابت الوحيد أن ليس ما يشير، بسبب الهيمنة الإيرانية، إلى أن لبنان سيتمكن قريباً من العودة إلى بلد يستطيع استغلال الفرص المتاحة إقليمياً بدل أن يكون صانع الفرص الضائعة، ومستمر باستجلاب حروب لا مصلحة له في استجلابها.
Visited 62 times, 1 visit(s) today