في”العلمنة الإسلاموية” والعلمنة في مجتمع مسلم؟

في”العلمنة الإسلاموية” والعلمنة في مجتمع مسلم؟

عبد الله راكز

1/ في البدء

       من الواضح أن المنظومة الفكرية الإسلاموية لايمكن أن تندمج مع منظومة العلمانية، إلا إذا تخلت إحداهما عن بنْيتها المنظومية، وفق ما أسلفناه، تماما مثلما فعل هيجل بدمجه المسيحية بجدله فدمرها. الممكن الوحيد هو القراءة التأويلية التي يمكن أن تقوم بها كل منظومة تجاه الأخرى، وما نسميه بالاتجاه العلماني الإسلامي المتمثل في الكواكبي، ابن باديس، النائيني وغيرهم… ليس إلا تأويلا علمانيا للإسلام، يتصل أساسا بنظرية الدولة، بهدف التجديد الاجتماعي المدني. والأفغاني في رده على”رينان” ألمح بشكل مباشر إلى مُمْكنات التاويل العلماني للإسلام. وإذن، فلابد (ونحن في المغرب بصدد صياغة مدونة أسرة غير منتهية؟؟)، أن نميز بين “العلمنة الإسلاموية ” والعلمنة في مجتمع مسلم يتوسل الكونية.

    إن الإسلام السياسي (وبدون تسمية خاصة لفروعه المتعددة) لمدعو اليوم قبل غد، إلى رؤية تأويلية اجتهادية جديدة تحتمها اللحظة الراهنة، وهي صيغة مفهوم جديد للوطنية والمواطنة والهوية، تتجاوز مفهوم الانتماء للعقيدة، إلى الانتماء الى وطن، حيث يبدو اليوم شعار الحركات الوطنية العربية المتقادم “الدين لله والوطن للجميع” (المؤدلج هو الآخر؟) وكأنه بحاجة إلى بعث جديد في زمن أمازيغي/عربي/ إسلامي مُؤمم ، لايشرف أحدا، لا الإسلامي ولا العروبي ولا اليساري(الماركسي بالتخصيص) ولا غيرهم…

    وكقول أخير في هذا البدء، لابد للإسلامي (وحتى الاسلاموي منه) أن يستعير بعضا من مقدسات السماء، ليمنحها للأرض التي هتكت بما فيه الكفاية بالابواط الاسرائيلوأمريكية، بل إن الابواط الأمريكية هتكت قيم الأرض التي تحل فيها معظم رموز المقدس السماوي، والحجة، كيفما كان الحال، في انهيار قيم العالم، الاخلاقية وغيرها بأرض “غزة”.

2/ في المنتصف:

    في كتابه الجريء، (يثرب الجديدة”-منشورات رياض الريس، يونيو 94) يتصور محمد جمال باروت أن الاشكال الوحيد في تعاطي الحركات الاسلاموية هو: إشكال التعاطي مع الدولة الاستبدادية القهرية المستبدة (باسم الدين نفسه)، وضرورة البحث عن الحوار معها، ومع كل قوى المجتمع المدني؟؟؟، لمواجهة عسفها وهيمنتها الشاملة (وهذا أيضا ديدن العدل والإحسان بالمغرب). ولن يكون اليسار المندمج (أعني بقايا ما سمي باليسار الجديد؟) ببعيد عن ذات التصور والمنحى (ان قدّر له ذلك)، فهو نفسه يتغيأ الاندماج والاعتراف (وهذا حقه، فهو على كل حال غير مفبرك، ويتمتع ببعض من الشرعية القائمة على ضحاياه؟). الأساسي في اعتقادي هو التالي: إن “يثرب الجديدة”، وهو يتحرى الموضوعية في تناوله للحركات الإسلاموية، أدت به (=الكتاب) وبدون مناكفة خاوية، ليبدو وكأنه مراجعة في إدانة الدولة والبحث عن المبررات المشروعة للعنف الجهادي (كونه سوريا مواليا)، هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فإن هذا الكتاب،ببلاغته اللغوية، ليبدو وكأنه دعوة لـ”الجهاديين” أن يعودوا إلى اخوانيتهم المعتدلة… هذا على كل حال ما دفعه إلى إنشاء واختلاق، نسقين معرفيين متمايزين في فهمه القاصر مشرقيا كبعد براني، وسوريا كبعد جواني، بين الإخواني/الجهادي مُغفلا أو متغافلا، الوحدة الابستمية اللاهوتية التي توحدهما، ووحدة الميتا فيزياء التي توجه خطابهما السياسي معا.

3/ماقبل التحصيل الثاوي:

   لننته من قول/نص محمد جمال باروت (يثرب الجديدة)، فهو قدم فصلا متقدما، مشفوعا له فيه. بعلمانية تتوسل الكمال (وكأني به أحد تلاميذ المرحوم المفكر هادي العلوي) حول الحركة الاسلاموية بتونس بقيادة زعيمها راشد الغنوشي (رئيس برلمان الثورة؟؟) المعتقل حاليا من لدن المعلم/الرئيس الشعبوي سعيد أبو  “الاستقلالية” المجيدة/ الانقلابية؟ بتونس.

    وكيفما كان الحال، فإن هذا التيار (الاسلاموي )بتونس، تميز بموهبة الاستثمار النظري لطروحاته (طبعا بعد ثورة الياسمين) واستطاع بدون مواربة أن يتميز ويتفارق عن تيار الاخوان المسلمين (والمسلمات أيضا) وذلك بتشديده على “التدين” العقلاني، والحفاظ على مكتسبات المجتمع التونسي البورقيبية(على الأقل فيما يخص الحريات الفردية والعامة بما فيها بالأساس مكتسبات المرأة)،بخلاف تيارها المتخلف بالمغرب (وأعني حزب العدالة). هو موقف تميز بنقده الصارم للاخوان، ومن على شاكلتهم،في فهم الإسلام كمنظومة، وباعتبارهم ممثلين للسلفية في هذا العصر. نقدا لا يرى في الاخوان غير كونهم اكبر عائق في طريق نهضة الإسلام،وغير هذا. نحن الآن لسنا بصدد تقييم مجمل مواقف هذا التيار بتونس. ولكن هل شكلت حركة النهضة بتونس احد الحلول الممكنة للازمة او طرفا فيها (ولو على المستوى المغاربي الذي هي منتمية اليه؟. لربما نعم، ولربما لا، غير انه من باب الحق القول، كون هذه الحركة (النهضة طبعا) وبمثقفيها تجاوزا، تغلبت على تقديراتها السياسية، الحماسية، في ظل نظام لاتزال تحكمه وتتحكم فيه وبه، دولة اكثر من عميقة، بالرغم من انتفاء عرابها المافيوزي الاكبر: بن علي.

    كان يمكن أن يكون خطاب “النهضة” حاسما وقطعيا في افتراضاته حول التمايزات. لننظر اذن لماذا؟؟

كانت هذه الحركة/الحركية تظهر بهذه الدرجة من براءة الضحية المغلوبة على امرها؟؟. ولماذا كان خطاب الغنوشي اكثر نهضوية ومدنية وتنورا في نقد الإخوانية المبجلة، من خطاب من كانوا ينتمون أو يحسبون كذلك، على الصف الوطني الديموقراطي؟؟

4/رهان مستقبلي أو كذلك:

    إن ما أثرناه من ملاحظات، نعتبرها حوارية، تزعم لذاتها التوغل نسبيا، في اهم مبحث راهني(=الحركات الإسلاموية المعاصرة)، يتقصّد بدون مواربة، التعرف على هذه الأخيرة، من الداخل، تقصيا لتنوع نصوصها الدالة (ونحن بصدد مدونة أسرة غير منتهية الصياغة). بلغة يجب (كما نعتقد أن تكون مكثفة، شفافة (وهذا هو التهم)، وبعيدة عن الأضاليل. ماتحة من حس وطني مكتظ بحرارة التباسات الأسئلة التي ينتجها واقع الأزمة، التي يريد النص أن يخترقها فتخترقه، أن يتحقق بها، فتتحقق به. هي مفيدة (ويجب أن تكون) للمتلقي كيفما كان مشربه، أمام نص او نصوص تصدم أفق انتظاره كقارئ، ليجبره بقوة (وهذا هو المراد) إلى معمعان الكتابة وهي تبحث عن ثغرة ضوء وسط كل هذا الظلام.

Visited 69 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد الله راكز

حقوقي وناشط سياسي