الثـريدراما بين المونو والديو!!

الثـريدراما بين المونو والديو!!

نجيب طلال

بالواضح:

    مبدئيا، كما يعرف من يتابع أو كان يتابع خطواتنا منذ سبعينيات القرن الماضي، ومن خلال بعض مما نطرحه من قضايا وأفكار تهم شأن المسرح في المغرب، (تحديدا) “نحن ” لسنا ضد أحد. ولسنا تابعين لأحَـد. ولا نَـكنّ الضغينة لأحـد، ذاك الأحد المفترض، والذي سيتحول هاهنا إلى [أولئك] أين “أولئك” الذين يركضون وراء موائد وميكروفونات المهرجانات المخملية!  الباذخة! خارج بلادهم؟ وتهرول أقلامهم نحو مجلات  براقة، تصدر بعيدا عن فضائها! فمن باب المشروعية والحرية الفردية عمليا من حقها. أن تركض وتهرول. ولا أحد له الحق، أن يلبس جلباب المفتي، ليصبح فقيها مسرحيا، ينهي وينبه ويحرم كأن المسرحي (الباحث/ الكاتب/ المنظر) يمارس الضلالة! بداهة لايمارسها. لكن “أولئك” يلاحظ أنهم أهملوا بشكل “شبه” كلي دعْـم مشروعية المسرح في المغرب، ويدعمون  بشكل أو آخرمشروعية الآخر الذي في الغالب له رؤية ثاقبة يسير بها ونحْـوها بهدوء وروية، لتأسيس منظوربديل لإبداعية ثقافية مسرحية “عربية” (!)، ومسرحنا (الآن) أمسى يعـيش لخبطة غـريبة، وحالات مريبة ممزوجة بمظاهر تفرض نقاشا جديا، وكتابات مسترسلة ولقاءات مستعجلة بين الهياكل التنظيمية والفعاليات المسرحية والجهات المسؤولة، وذلك في إطار أيام وجلسات دراسية. لتحـديد الهوية الثقافية والإبداعية لـ “المسرح المغـربي”، أليست للنقابات حَـق تنظيم أيام دراسية حول المهنة ومايحيط بها من إشكالات وإشراقات؟ وبالتالي ففي ظل اللخبطة  التي هي واقعة وتروج الآن: ستفرض على المسرح أن تدخله لغرفة الإنعاش مرة أخرى، بعْـدما أمسى إلى حد: يحاول أن يتعافى شيئا ما؟ ولهذا ف مادورنا “نحن” المدمجة في “أولئك” إن لم يكن غرضنا أوهدفنا، بأن نمتحن بعْـض الأسئلة، في سياق انبثاق حالات وظواهرفي النسيج المسرحي. طبعا لنؤمن  بفـَن قبول الاختلاف، اعتبارا أنه شيء طبيعي في الحياة. لأنه ليس شرطاً أن يقتنع القاريء/ المهتم  بما أقتنع به، وبما أن الاختلاف وارد، فهل انعَـدمت إرادتنا وأفق تفكيرنا والبحث عن تصورات رصينة، لبناء استراتيجية للمسرح في المغرب، لإعادة تقويته وتشكيله؟ ألسنا مهرولين! تائهين ! صامتين! أمام جملة من التصورات المطروحة الآن، والتي تسعـى للتجنيس المسرحي. وإن كان المسرح في كليته “مسرح” لافرق بين تجاري أو نخبوي. بخلاف الرؤية التجريبية / التنظيرية، فهي تطعيم فكري للإبداعي. وبالتالي أليست “المنودراما” أو “ديو دراما” مسرحا، فلماذا هذاالتجنيس القسري/ التعسفي؟ فهل هي تحمل في راهينيتها مظهرا صحيا أم مرضيا؟ وهل أساسا تنبثق من هويتنا، لتعيد تقويتها أم لتهجينها؟

الـمونـودراما:

     طبعا هاهنا ستنقذف عدة أسئلة وتساؤلات، إثر المشهد الحالي، ولهذا لن نتحدث عن “المونودراما”، أو المسرح الواحد أو الفردي؟ بصيغة ما تم الحديث عنه، إبان تمظهره كممارسة فعلية ببلادنا وما أعقبها من نقاشات تفسيرية وتحليلية للظاهرة التي تأطرت في إطار (تجربة) من ضمن التجارب المسرحية ، التي يزخر بها الحقل المسرحي عالميا.

    الآن وفي سياق تعدد مهرجانات المسرح “المونودرامي” في بلادنا، وتزامن بعضها البعض، كما وقع مؤخرا في نفس الأسبوع مهرجان بمدينة “فاس”، والآخر في “العرائش”، حتى أن بعض الدول العربية، أمسى لها مهرجانا “مونودراميا”، فهل الظاهرة صحية أم مرضية أم تبئيرية؟ فهاته الأسئلة مرتبطة، بما يتحرك أمامنا، مجملا: بمظهر تأسيس فيدرالية مهرجانات المونودراما المغربية: مؤخرا! فمن باب الحريات العامة والقوانين المنظمة له، لاشرعية لأحد ببطلان وإبطال هذا التنظيم أوذاك الهيكل. لكن النزول يفرض علينا أن نحلـل ونناقش، وأمامنا تجارب انهارت، لسببين (مصلحية / سياسية)، ولهذا فالإنتشار السريع للمونودراما كممارسة مسرحية / إبداعية، هي (صحية) من زاوية الممارسة والفعل. لكن استفحالها بالمطلق؛ وفي جل المحطات، بالتأكيد ستصبح (هي) ممارسة مرضية. في شق والشق الثاني، “تبئيرية” أي محاولة تبئيرالنزوع الفرداني الملائم لإيديولوجيا الليبرالية ؟ ولاسيما أنه (الآن) نعيش في كوننة ليبرالية (متوحشة) تفرض علينا محاولة تتبع الخط الفكري/ الفني. الذي أفضى إلى بروز ظاهرة “المونودرام” في بلادنا.

    فالذي يغيب عن بالنا: بأن المسرح في عمقه فاعل اجتماعي، يستغله السياسي في بعض المناسبات وحسب الأجندة: لتمريرما يريد تمريره (؟؟) ومن بين الأسس الدافعة للفردانية ، تفكيك التصورات الشمولية. ونسف منطق الصراع بين الطبقات الاجتماعية؛ طبعا في المغرب ليس هنالك طبقات بالمفهوم الماركسي. بل هنالك شرائح اجتماعية متداخلة، ورغم ذلك فالمتحكم الآن البنية [الاقتصادية] كطاحونة رأسمالية، تهدف لتغييب البعد الجمعوي والجماعي، بشتى الوسائل، والتكنولوجيا أحد العتبات والمسرح المونودرامي كأفق فاعل في ذاتية الفرد. وهذا الأمر ليس نزوة أو موضة؟وإنما هو تابع لثقافة الهيمنة الغربية ورغبتها في تمديد نفوذها عبر أنحاء العالم! فهل مهرجان المونودراما (فاس) التي تم تدعيمه من لدن مؤسسة (علي زاوا) مسألة تشجيعية أم تمريرية؟ وأي رابط  فني وفكري بين مهرجان “أيت ملول” بأكادير، ومهرجان مدينة “وجدة” للفن (المونودرامي)؟ هنا نحتاج لنقاشات جادة؛ وعميقة، تحلل وتكشف الأبعاد والخلفيات التي يمكن أو سوف تضربسيرورة المسرح، وأبعَـد من هـذا تمظهر نموذج آخر، لايقل أهمية في النقاش والبحث:

 الـديـودراما:

    نلاحظ الآن التصنيفات تجاه جنس المسرح، ومحاولة تجنيس فعله تعسفيا! فلهذا يمكن أن نقبل ”المونودراما” في مواجهة الفعل الجماعي. ولكن تمظهرالمسرح الثنائي(ديو دراما)  في مواجهة من؟ من خلال نزول مذكرة وزارية، من لدن  وزارة التربية الوطنية و التعليم الأولي والرياضة:[رقم 24-003 بتاريخ 05 يناير 2024، في شأن تنظيم المهرجان الوطني الأول للمسرح الثنائي- الديودراما –].

فهاته المذكرة لم يناقشها أحَـد؟ وخاصة من لدن رجال التعليم الذين لازالوا يشتغلون، ويمارسون المسرح في نفس الوقت: وما أكثرهم جوانية لعبة (الدعم المسرحي) لا يهم، لأن مسالة الدعم سينتهي (صيفها) عما قريب. ولهذا فإنزال المسرح (الديودراما) في فضاء المؤسسات التعليمية ـ إجرائيا ـ القضاء على المسرح المدرسي، باعتبارهـذا الأخير: فعل جمعوي بالدرجة الأولى، ألم يكن هذاالمسرح (المدرسي) حسب المذكرة الحالية: […المعزز للتفتح والتربية على القيم الإيجابية، بهدف جعل المؤسسات التعليمية فضاء لإبراز المواهب وصقلها، وتمتلك القيم والمهارات الحياتية الكفيلة بتطوير المستوى المعرفي والإبداعي للتلميذات والتلاميذ، وتنمية القدرات التخييلية والتعبيرية والحِـس النقدي لديهم..]، وبالتالي فهل (الديودراما) بديل أم منسف للمسرح المدرسي؟ وهل – عمليا/ مهنيا – سيحقق خارطة الطريق[ 2022/2026] وإطارها الإجرائي؟ ولكن في سياق “المذكرة” نجد مفهوم (التشبيك الموضوعاتي)، وهذا له علاقة بالطروحات [الأنكلوسكسونية]. هنا لن نناقش الموضوع والمفهوم، ولكن نتمنى ممن يتكلمون عن ” المسرح المدرسي” ببلادنا؟ ويتهافتون للمشاركة، بشتى الطرق في دورات ” الشارقة” للمسرح المدرسي !! عليهم أن يفيدونا بأبحاثهم عن (التشبيك الموضوعاتي) كأداة تقنية من أجل تعبئة الطاقات الإنسانية وعلاقته بالمسرح (الديودراما)؟ علما أن المذكرة صريحة وواضحة في طلبها [فإنني أطلب منكم العمل على دعوة المؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية، بأسلاكها الثلاثة للمشاركة في هذاالمهرجان، وتنظيم إقصائياته المحلية واٌلإقليمية والجهوية].

    إذن فمسرح (الديودراما) الذي ظهر فجأة في رحاب المؤسسات التعليمية ببلادنا؟ وفي بعض الدول العربية: كدولة الكويت (مؤخرا) أما السعودية، فوصلت للدورة الخامسة (الديودراما)، التي تحتضنها الجامعات وليست المدارس، ولكن المثير فدولة العراق، كانت السباقة للموضوع. فهل هذا الإنزال [الموندرامي والديودرامي] بريء في الساحة الثقافية والتربوية؟

    وفي غضون هذاالوضع الجديد “ركحيا” ألا نراهن غدا، بأننا سنسمع بمسرح ((الثريدراما) المسرح الثلاثي، كشرط من شروط المشاركة في التظاهرات الثقافية والمسرحية، وفي نفس السياق سيلغي منظور (الديودراما) نظرًا أن تجربة ‘” الثريدراما”” تمتلك مهارات تشبيك متميزة وجيّدة! لأن جميع الأعمال الناجحة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على التشبيك الثلاثي وليس الثنائي.

Visited 241 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

نجيب طلال

كاتب مغربي