أبراهام السرفاتي: الطائفة اليهودية المغربية والصهيونية (2-2)

أبراهام السرفاتي: الطائفة اليهودية المغربية والصهيونية (2-2)

 ترجمة: سعيد بوخليط

       استدعى وصول الجيش الأمريكي، شهر نونبر 1942، فتح منظور جديد. سنة 1943، بالتعاون مع ضباط أمريكيين وإنجليز، بادر خليط يشبه الجماعة التي خلقت ”المستقبل الواضح”، إلى إرساء معالم التنظيم الصهيوني. هكذا، تخلَّت البورجوازية اليهودية المغربية عن سعي الاندماج، كي تراهن بدل ذلك تقريبا على الموضوع الصهيوني.

    نفس الكاتب الذي استحضر أجواء محكمة الباشا وشبَّهها بـ ”غيتو أخلاقي”، حدَّد طبيعة التيارين قائلا: “يمكن اختزال الوضعين وفق هذه الصيغة: تمثَّل سعي الاتحاد، بجانب إعطاء اليهود، التعليم، الكرامة ثم إمكانية أن يشغلوا موقعا أكثر احتراما داخل بلدانهم، ثم أيضا الصراع ضمن المجال السياسي والدبلوماسي، ”كي لا يكابد اليهود قط من صفة اليهود”، يعتقد ليفي صامويل دانييل وكذا الصهاينة، بضرورة تحرير الطائفة اليهودية داخل بلدان متخلِّفة، يسودها البؤس، الأميَّة والأحكام الجاهزة، بناء على أمل أسمى قوامه توفير حقَّ العودة إلى بلد الأسلاف”. 

    سنة 1945، حسب نفس الكاتب، اندفع التيار الثاني كليا، على الأقل ما تعلق بأدوات ضبط الجانب العضوي والإيديولوجي للطائفة اليهودية.

    أخذت أنشطة التنظيم الأمريكي، المستند على موارد ”جويش جوان”، وجهة عالمية بخصوص مساندة الصهيونية في إطار أشكال موازية لأنشطة المخابرات المركزية الأمريكية، هكذا اهتمت الصهيونية أساسا بقضية تأطير الشباب اليهودي المغربي. بيد، أنَّ كتلة المغاربة اليهود ظلَّت مرتبطة بالصداقة مع المسلمين وموصولة بجذورها الثقافية. 

    أيضا، قدّمت الصهيونية نفسها، لاسيما فترة الشباب، مثل مشروع ينازع التغريب وكذا الذوبان، وكذا تحديث للمنابع الثقافية، مع الإعلان تماما عن الصداقة مع ”العرب”. 

    الأمين العام للفدرالية الصهيونية في المغرب، أوروبي يهودي، أظهرته جريدة “نوار” باعتباره روح الصهيونية المغربية”، صرَّح قائلا: ”نلحُّ على ضرورة أن تكون ودِّية الصلات بين اليهود والعرب مثلما الوضع سلفا في إسرائيل. يلزم على يهود المغرب إدراك أنَّ الصهيونية ليست  نموذجا معارضا لمصالح أحد، ولا موجَّهة ضد جماعة أو بلد أو مصالح معينة، لكنها تمثِّل الحلّ البشري لقضية اليهود وبالتالي نهاية تراجيدية سحيقة بكيفية مضاعفة، تجلَّت أمام أنظارنا المفزوعة بعد التجربة النازية المؤلمة التي تجد أصلها في معاداة السامية”.  

    3- تسامحت الاستفزازات الاستعمارية، مع المجهودات الصهيونية بل دعَّمتها، مادامت تطلَّعت نحو تقسيم وكذا تغيير مجرى صواب طريق الحركة الوطنية. هكذا، تبلور ثانية التواطؤ القديم بين هرتزل مع وزير داخلية القيصر نيكولاس.

     شهر فبراير1948، نظِّمت انتخابات الجماعات اليهودية في المغرب، خلال فترة ميَّزها تزايد وقع اضطهاد الحركة الوطنية من طرف الجنرال ألفونس جوان، وقد شهدت تلك الانتخابات إخفاقا حقيقيا رغم تواطؤ مجهودات الإقامة العامة والصهيونية. 

    في مدينة الدارالبيضاء، قياسا لساكنة ناهزت سبعين ألف مغربي يهودي، بادر إلى التصويت ثلاثمائة واثنين وخمسون ناخبا، أما في مراكش، فمن بين عشرين ألف مغربي يهودي، تمَّ إحصاء مائة وثلاثة وخمسين ناخبا.جريدة ”نوار” التي أشارت إلى هذه النتائج تحت عنوان: ”لم تقوموا بواجبكم”، أضافت بأنَّ: ”نتائج مراكز أخرى لم تكن قط مثيرة للاهتمام”. 

    أيضا، تحوَّلت الإقامة العامة إلى اقتراف أفعال أكثر تناسبا مع أسلوبها. بعد إخفاق مسعى الاستفزاز داخل حيِّ الملاح في فاس ليلة ميمونة، بفضل التفاعل المباشر لمناضلي الحزب الشيوعي المغربي، سيشرف المراقب المدني شنبولت على مذبحة شملت مئات اليهود المغاربة في وجدة وجرادة يومي 7 و 8 شهر يونيو 1948.

    اقتصر نجاح الإقامة العامة، ضمن سياق إنشاء الدولة الصهيونية، من خلال صدمة أولى كبيرة لصالح الصهيونية، أدت إلى أول موجة هجرة واسعة (يقدرها الشراقي بـ %10من الساكنة اليهودية المغربية)، وكذا إنهاء فدرالية عمَّال المناجم، بدعوى أنَّ زعماءها يتحملون مسؤولية تدبير تلك المذابح. 

    مسار هذا التحريض لم يكن مع ذلك خاصا بالسلطات الاستعمارية الفرنسية، ولا التنظيم الصهيوني الوحيد في المغرب. 

    4 – أيضا نتيجة تسوية وإخفاق الاستقلال. خلال الفصل الثاني من سنة 1955، تظل بالنسبة لكل المغاربة بما فيهم اليهود، ماثلة ذكرى فترة مظفَّرة غير قابلة للنسيان، عاشوها مع عودة محمد الخامس. رغم ذلك، وقعت تنازلات منذ إيكس ليبان، أرهقت كثيرا الاستقلال، بما في ذلك إمكانية اندماج الطائفة اليهودية. 

    خلال الحقبة السابقة عن تطور الصراع المسلَّح ضد الحماية، توجَّه اهتمام مغاربة يهود اتسع عددهم أكثر فأكثر، خاصة ضمن الطلبة الشباب والمثقفين، صوب الارتباط بالحركة الوطنية،بالتالي المساهمة في استعادة لبنات مغرب أَخَوي. أما خارج المغرب، فقد أبدى ”الرأي العام الدولي”، المتداول “تخوُّفا”، حين اقتراب الاستقلال، بخصوص ”مصير” اليهود المغاربة. 

    ضمن هذا السياق، أعلنت مجلة ”jewish observer ” يوم 26غشت، عن إمكانية تنظيم هجرة 45.000 يهودي مغربي بين شهري شتنبر 1955 وغشت 1956. عدد، شَكَّلَ: “أقصى حدٍّ بوسع إسرائيل تنظيم استيعابه، باستثناء مايتعلق بمعطيات طارئة وملحَّة. لحسن الحظ، شروط من هذا القبيل لاتوجد حاليا في المغرب بفضل المقاربة المستنيرة للمسؤولين الوطنيين الأساسيين بخصوص إشكالية العلاقات مع اليهود المغاربة”. 

     أعادت المجلة التذكير في هذا الإطار، بإعلانات عمومية وكذا موقف عام في خضم: ”لقاءات مع ممثِّلي المؤتمر اليهودي العالمي، بدا بأنها جرت منذ فترة زمنية”. الوسائل المادية مرتَّبة. يذكِّرنا رفائيل أفللو، من خلال دراسة نشرتها الطليعة بين 23 و 30غشت 1959، بأنه انطلاقا من سنة 1953: ”وضعت الحركات الصهيونية الأجنبية ووكلائها شبكة محكمة كي تكتسح شُعَبُها مختلف أحياء الملاَّح وبلوغ أصغر التجمعات المحلية في الجنوب؛ فأنشأت مخيَّم إقامة على طريق الجديدة والتأسيس أجل الحملة الكبيرة. انطلاقا من تلك اللحظة، دأبت العناصر الفاعلة داخل تلك التنظيمات في الانتشار بحرية ضمن التجمُّعات اليهودية، والإصرار على اقتحامها، وتشجيع تلك الساكنة قصد تخليها عن كل شيء والمبادرة إلى انتهاز حيثيات سياق الفترة الذي اتَّسم بالارتباك والالتباس والاضطرابات بهدف بثِّ الرعب. إنَّه العصر الذهبي للحركات الصهيونية في المغرب”. 

    بلغ السعي أوجه تحديدا خلال الفترة الممتدَّة من نهاية 1955 غاية يونيو 1956، وتوصيف ذلك داخليا، جوهره الاقتراب من الهدف الذي خَطَّط له التنظيم الصهيوني العالمي  شهر غشت 1955، يوضِّح رفائيل أفللو، بأنَّها حقبة عرفت ”إيقاعا أسرع فأنتج عددا كبيرا من الضحايا. علما بأنَّ الحكومة انشغلت بالمهام الطارئة والأساسية، لذلك”اشتغلت” التنظيمات الصهيونية سريعا، واعية بلحظة ارتباك عابر توخَّت استغلاله والاستفادة منه. يستحيل نسيان أجواء الحمى التي جعلت الفاعلين الأجانب يجوبون الأحياء اليهودية، ينشرون الرعب، نجم عنه عُصاب من الرعب الجماعي الحقيقي، وقد ساعدها في هذا السباق المذهل ضد الساعة حملات مستمرة للصحافة الأجنبية، التي توقَّعت “كابوسا هيتليريا جديدا” لمصير اليهود المغاربة.  

    هذا، إذن، مافعلته الأيادي الحرَّة الممنوحة للصهيونية، بخصوص استقلال عدد معين  من المغاربة اليهود! بالتالي، يتموقع ضمن وجهة أخرى، الوزير اليهودي، الصداقة اليهودية-الإسلامية على مستوى التنظيمات البورجوازية كما الشأن مع جمعية الوفاق، وأخيرا الإحالة على ديمقراطية وفق النمط الغربي. بدورهم، اعتقد المثقفون والتقنيون اليهود المغاربة، بأنَّه يكفيهم الالتزام بأداء واجبهم على أفضل وجه ثم الانخراط في البناء الوطني. 

    خلال السنوات اللاحقة الهجرة، عرفت الهجرة ركودا، بينما المخيَّم الصهيوني كاديما، لم يغلق سوى سنة 1959. خلال إحصاء سنة 1960، فقد ضمَّت الساكنة الإسرائيلية  160.000 شخص. نفس الأرقام، خلال سنوات 1951و1950، قاربت 215.000 شخص، في المنطقة الشمالية تحديدا طنجة. 

    استنادا للولادات، أمكن تقييم رحيل مايناهز أكثر من 90.000 شخص خلال تسع سنوات، حيث استنزاف 45.000 شخص مثلما سبقت الإشارة إلى ذلك.

    خارج هذه ”الحملة” الصهيونية، ورغم الضغوطات التي كابدها المغاربة اليهود، فقد تحدَّد معدل تلك الهجرات سنويا خلال الأعوام الثمانية المؤطِّرة لمرحلة الاستقلال، في حدود 6.000 شخص. هكذا، بدت سطوة الصهيونية بعيدة عن تفعيل مشروعها. لكن الإفلات من العقاب الذي حظي به التنظيم الصهيوني، والتساهل معه باستثناء الفترة القصيرة بين سنوات 1959 و1961، تركت آثارها على الأفراد الذين مارس عليهم التنظيم منذ 1944، احتكارا إيديولوجيا مطلقا. 

    5- ابتداء من سنة 1961، تطورت الهجرة، بكيفية متواصلة، ومكثَّفة. أوضحت الإحصاءات الرسمية بأنَّ الهجرات منذ تلك السنة، قاربت معدل 12.000 سنويا. 

    إخفاق السعي الإصلاحي بخلق ديمقراطية بورجوازية وفق النموذج الغربي، تكرَّس بالتوجُّه السياسي المتبلور منذ سنة 1960 وما تلاه من ركود اقتصادي. 

    أخيرا، أتاح هذا الإخفاق والركود أمام الصهيونية إمكانية إقناعها أغلبية اليهود المغاربة، بأنَّ مخرج الرحيل يمثِّل سبيلا وحيدا، ثم ازداد الأمر سهولة ارتباطا بسعي البورجوازية المغربية الكبرى نحو إخفاء شهوتها بخصوص المساومة الاقتصادية مع الامبريالية من خلال عبارات قومية وضمنيا عنصرية. 

    أفضت الفيودالية الجديدة لرجال الأعمال التي انتظمت منذئذ، صوب المتوالية التالية: توظيف دون تمييز، لبطانة الحكم مسلمين ويهودا أو أجانب؛ حمائية تضمر بكيفية سيئة احتقارا نحو المجموعات اليهودية؛ ثم اضطهادا ساخطا ضد ”عائلات ليفي الحمراء”.

    لكن المنعطف تجلى بوضوح شهر يناير 1961، بحيث عرف التحريض الصهيوني تصاعدا بمناسبة زيارة الرئيس جمال عبد الناصر إلى المغرب، غذَّته تجاوزات البعض (ضد الأطفال!) ثم صاحبته مقالات صحفية عنصرية، غير أنَّ ذلك عرف إخفاقا نتيجة ردود فعل عامة  أفصح عنها عدد من المغاربة اليهود. 

    وضع يكشف حينها على أهمية إمكانية التأويل وكذا المعلومة المناهضة للصهيونية. لكن الرِّداء الثَّقيل الذي ساد منظومة البلد  السياسية، أعاق العمل على بناء ذلك وتطويره. في حين، أبانت الصهيونية عن تنظيم فعلي. خلال نفس الحقبة، كما لو بمحض الصدفة، عجزت سفينة صغيرة اسمها ”برج الحوت”، على ظهرها اثنين وأربعين مهاجرا، عن مجاراة أمواج البحر، بالتالي غرقت أمام السواحل المتوسطية المغربية، ونجا ربَّانها بنفسه. حينما ندرك مدى فعالية التنظيم الصهيوني، ربما لا ينبغي لنا الاندهاش حيال هذه ”الصدفة العَرَضية” التي سمحت لصحفي صهيوني كتابة ”المغرب من الآن فصاعدا له هجرته”.  

    وفق شروط من هذا القبيل لازالت في حاجة للتوضيح، أمام ”شعور” ”الرأي العام الدولي”، شُرِّعت أبواب الهجرة. هذه الحصيلة اختزلتها موضوعيا باحثة مهتمَّة باليهود المغاربة”: ”أيضا في إطار بحثه وكذا مجهوده قصد الاندماج في الثقافة الغربية، لا يمكن لليهودي المغربي التغافل عن طرح إشكالية هويته: خلال عقود، ظلَّ اليهودي المغاربي خلال الآن  ذاته ”يهوديا داخل بلد المسلمين”. لقد استساغ طبيعة ذلك الوضع،حسب نتائجه. لكن عندما حدث الاتصال بالحضارة الغربية، انكسر التوازن الممتدِّ في الزمان.

    حينما يبدأ الشاب داخل الفصل الدراسي في طرح التساؤل حول: هوية اليهودي؟ يجيبه أساتذته العلمانيون: “في المغرب لايوجد يهود ولا مسلمون، فقط مغاربة”.

    عندما يعيد الاستفسار ثانية باللسان المغربي في حضرة المسلمين، سيؤكِّدون له مساواة جميع رعايا السلطان، لكنهم يشعرونهم ضمنيا، بانتفاء بعض الحقوق على أهل الذمَّة.

    أما سلطات الحماية، فقد صنَّفته كـ”إسرائيلي مغربي”.

    أخيرا، لَمَّا قرَّر الهجرة إلى إسرائيل، اعتُبر ”مغربيا” للمرة الأولى. نتيجة انكشاف حقيقة الدولة الصهيونية، أزمتها الاقتصادية، ثم عنصريتها ضد اليهود”الشرقيين”، تحقَّق الارتداد فعليا منذ سنة 1966 غاية ماي 1967 .  

انطوى شهر يونيو 1967 بالنسبة إلى المغرب، على استفزازات صهيونية جديدة تعضَّد موضوعها أكثر، جراء عنصرية بعض الصحافة البورجوازية، فانطلقت الهجرة ثانية. أما على مستوى العالم العربي، فقد أظهرت وقائع يونيو 67 ، بالنسبة للطائفة اليهودية في العالم العربي، انبعاث ما سيشكِّل نهاية الكابوس الصهيوني والعنصري. سيثبت التاريخ ذلك، بل لقد شرع في تبيانه.   

ثالثا: يونيو1967 والأفق 

    لن أقدِّم هنا تحليلا تفصيليا مثلما يقتضيه سياق، شهر يونيو 1967 على المستوى السوسيو-سياسي. أيضا، أبعد من كل بناء فكري، بدت حيوية حقيقة مفهوم الوطن العربي. بالنسبة للمغرب، بحيث جَسَّدَ هذا التاريخ مرة أخرى سياق شهر غشت 1953، سيقال =: إذا كان ”الوطن العربي” حقيقيا، فما المانع أيضا بالنسبة لـ”الشعب اليهودي”؟ أقترح تناولا جديدا لهذه الموضوعات وبكيفية عميقة، لكن لنتفِّق على تحديد ما يلي، وإن لم يفهم حاليا من طرف الجميع: صيرورة معطى سوسيولوجي، هي من تنجز حقيقته. 

    يندرج مفهوم ”الوطن العربي” ضمن المنظور التاريخي لحركات التحرر الوطني وكذا تصفية الامبريالية. 

  ينزع مفهوم ”الشعب اليهودي” نحو إعادة بعث مسار قَبَلِي، بل واستحضار مرحلة أكثر بدائية، تصور سعت فلسفة الديانة اليهودية نفسها، بواسطة الأنبياء، إلى العمل على القطع معه بالتعبير عن مفهوم كوني للإنسان. 

   يبقى واضحا، أنَّ مستقبل اليهودية المغربية، ومعها كل الوطن المغربي، لا يمكن فصله حاليا عن مستقبل فلسطين. تلك ”النخبة” المفلِسة التي ساعدت الصهيونية داخل المغرب، بكيفية مباشرة أو غير مباشرة، ثم استكانت إلى الصمت منذ شهر يونيو 1967، تطلَّعت بالتأكيد، في خضم أخطاء أخرى للنخب، إخفاء حقيقة تلك المعادلة. لكن كل واحد يعلم بأنَّ هذا غير ممكن.

   بالنسبة لجميع المغاربة اليهود، هنا أو هناك، الذين يتَحَسَّسون في أعماق ذواتهم، بوعي أو بلاوعي، معاناة الفصل وكذا الاجتثاث، ثم يفكرون ويتأمَّلون، بقدر انكشاف حقيقة المأزق الصهيوني، ألتمس من هؤلاء جميعا الإحاطة بالمعلومة، قصد تقويض احتكار المعلومة الصهيونية وكذا الاحتيال من لدن الغرب الامبريالي. 

     لنتأمل حقيقة دولة إسرائيل، عبر صفحات كتاب مؤلِّفٍ صهيوني، يبحث عبثا عن مخرج لمآزق الصهيونية. اكتشفوا، انهيار الحلم الإنساني لليهود وقد احتالت عليه الصهيونية، بواسطة كاتب آخر يؤكد مع ذلك بأنَّ ”الشعب اليهودي” مفهوم ”من نوع خاص”. 

      لنتدبَّر الجريمة الدائمة التي اقتُرفت ضد اليهود، من خلال عمل إيمانويل ليفين والمعركة التي يقودها منذ اكتشافه  بعد الهجرة، كنه الصهيونية. 

    ربما تُدْرك حقيقة اليهودي المغربي في الدولة الصهيونية، ضمن سياق نضوب موضوعي للدراسات مثلما الشأن مع هذا السوسيولوجي اليهودي المغربي، رغم بقائه قي إطار حيثيات المنظور ”الغربي” (دوريس بنسيمون دوناث: التطور والتخلف في إسرائيل، المجلة الفرنسية لعلم الاجتماع، 1968). 

    إذا توخى القارئ معرفة لبِّ الصهيونية كمشروع إمبريالي، وتطلُّع جماعة مغامرين لم يهدفوا قط خلق موطن بالنسبة لليهود المضطَهَدِين، لكن بناء دولة عنصرية وتوسُّعية، تكتنفها الامبريالية، أنصح قارئا لم يتبيَّن بعد معطيات من هذا القبيل، الرجوع إلى الدراسة التي أنجزها ماكسيم رودنسون تحت عنوان: ”هل إسرائيل واقعة استعمارية؟” ثم العمل المهم ل ناتان وينستوك: ”الصهيونية ضد إسرائيل”. 

    يمكننا ملاحظة حقيقة إشراف الفاشية على رأس الدولة الصهيونية، من خلال الصورة الذاتية المفزعة لموشي ديان مثلما أوضحها في حواره مع ”ليكسبريس” شهر ماي الأخير، ثم بين طيَّات رسالة بعثنها له سيِّدة يهودية تدعى مريم غاليلي. 

    لقد أضحت حقيقة ”الثقافة الغربية”، وكذا ”تقنيته”، مجرَّد شظايا تحت وقع اندفاع الشعوب، أولا الشعب الفيتنامي ثم أكثر فأكثر، بالنسبة للعالم العربي نتيجة صنيع محاربين فلسطينيين. 

    في أي شيء تختلف حقيقة ”البيداء” المثمرة عن الحقيقة الاستعمارية، التي نعرفها ثم الاستعمار الجديد، وكذا عن أشجار البرتقال في سوس؟ الذين نسوا بأنَّ بلد كنعان لم ينتظر التقنية الغربية كي يصير بلد الحليب والعسل، ومنحوا قيمة معينة لأشجار البرتقال الجديدة التي غرست منذ عشرين سنة، ينبغي لهم التساؤل حول هذه الصرخة لروجي بنحايم، اليهودي الجزائري الذي اختبر معاناة استئصاله من فرنسا: ”فوق أرض الربِّ، الأنبياء، المسيح، فوق هذه الأرض حيث يتدفَّق الحليب والعسل، أو ينمو البرتقال وكذا الليمون الهندي، توفيَّ رجل تحت التعذيب، وجلادوه كانوا يهودا من بني جلدتي”(خطاب ثان في الصحراء، إلى روح قاسم أبو عقار، الذي عذَّبه الصهاينة غاية الموت). 

    أمام هذا المأزق، والجرائم التي تقترف باسم الديانة اليهودية، ينتصب منظور مستقبلي نحو عالم عربي أخوي. ثم في إطار صراع الشعب الفلسطيني قصد تجسيد فلسطين علمانية، موحَّدة وديمقراطية ضمن أشياء أخرى، ينبعث اسم الفلسطيني وليم نصَّار، قائد قطاع القدس لقوات العاصفة، الذي عذَّبه الصهاينة، المنحدر من أبٍ مسيحي وأمٍ يهودية.   

* مرجع المقالة: 

Abraham Serfaty :le judaïsme marocain et le sionisme ;juin-juillet 1969. 

Visited 50 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

سعيد بوخليط

كاتب ومترجم مغربي