الحلول الدبلوماسية تتسابق مع طبول الحرب
أحمد مطر
تتوالى المواقف المحذرة من حرب إسرائيلية قريبة على لبنان. هذه المواقف الدولية مدعمة بموقف إسرائيلي واضح يتدحرج باتجاه التصعيد. غير أن الصورة من بعيد ليست كما هي من قريب. بعيداً عن خطّ النار مفاوضات إيرانية أميركية لم تتّفق على ملف الصواريخ الباليستية والملفّ النووي، ومسألة إيجاد حل للميليشيات التابعة لإيران في المنطقة، لكنهما، في المفاوضات التي جمعتهما في سلطنة عمان قبل فترة وجيزة، أنجزا الاتّفاق الأمني العميق على عدم انجرار الحرب الحالية في القطاع أو في لبنان إلى حرب شاملة. عليه، لماذا غسل يديه الموفدُ الأميركي آموس هوكستين من أي حرب مقبلة، ولماذا رد عليه الأمين العامّ للحزب السيد حسن نصرالله بالتصعيد، وما بين خطوط النار، هل يتحضر تفاوض على اتّفاق مقبل.
في هذا السياق أثار الموقف الأميركي الذي نقلته محطة سي ان ان ، عن مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون لوفد إسرائيلي زار واشنطن، لمناقشة الوضع المتفجر، بين حزب الله وإسرائيل على جانبي الحدود اللبنانية الجنوبية، بأن الولايات المتحدة الأميركية، ستدعم إسرائيل في حالة نشوب حرب بينها وبين حزب الله، جملة مخاوف وتساؤلات، عما إذا كان يعني هذا الموقف، بمثابة تبدل ملموس في الموقف الأميركي الذي التزمته الإدارة الأميركية، منذ نشوب الاشتباك العسكري الحاصل بين الحزب وإسرائيل جنوبا، بعد عملية طوفان الأقصى، والمرتكز على معارضتها توسع المواجهات الجارية خارج نطاق، ما أطلق عليه ضوابط الاشتباك، نحو حرب مفتوحة وواسعة النطاق بين الطرفين، تشمل لبنان والداخل الإسرائيلي، بما يشبه الحرب الإسرائيلية العدوانية الجارية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، لمنع التصعيد العسكري في المنطقة ككل، خشية حدوث تدخلات في الصراع الدائر، ولاسيما من إيران.
وفي حين يعتبر البعض أن الموقف الأميركي التقليدي بمنع التصعيد العسكري، هو الذي ساهم بجانب كبير منه، في منع توسع المواجهة المحتدمة جنوبا بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي، إلى حرب واسعة النطاق خلال الأشهر الماضية ورسم خطوطا حمراء ضد جنوح إسرائيل لتوسيع حرب غزة ضد الداخل اللبناني، وهو ما كان حريصا على تكراره المستشار الرئاسي الاميركي اموس هوكشتاين في زيارتيه السابقتين إلى المسؤولين اللبنانيين، وركز وساطته المتواصلة لتبريد الجبهة الجنوبية على أساسه.
ولذلك، يخشى أن يكون الموقف الأميركي ألذي أبلغ إلى الوفد الإسرائيلي، والذي لم تتبناه أي جهة رسمية من الإدارة الاميركية رسميا بعد، بمثابة تبدل فعلي بالموقف الأميركي، وهو ما يمكن أن يغير المعادلة القائمة حتى اليوم، ويشجع رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، لتنفيذ تهديداته المتكررة ضد حزب الله، بتوسعة الحرب الإسرائيلية على غزّة، تجاه لبنان قريبا، بعد أن يكون ضمن الدعم الأميركي فعليا لعدوانه، بالرغم من استمرار تخبط جيشه بمستنقع القطاع حتى اليوم، وفشله في تحقيق الأهداف التي أعلنها لشن حربه الوحشية، ومنها القضاء على حركة حماس واستعادة المحتجزين والرهائن الإسرائيليين والأجانب لديها.
وبانتظار تبيان حقيقة الموقف الأميركي الذي أبلغ إلى الوفد الإسرائيلي الزائر حاليا إلى واشنطن، تعتبر مصادر ديبلوماسية أن هذا الموقف الأميركي المعلن إعلاميا، سيظهر على حقيقته خلال زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت إلى واشنطن وبعده زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو وعندها سيتظهر موقف الإدارة الأميركية بشكل واضح ونهائي، ومن خلاله يمكن توقع مسار التطورات الجارية جنوبا، حربا أم سلما، باعتبار أنه من دون دعم واشنطن لتوسعة الحرب مع حزب الله يعتبر مجازفة من الصعب أن تقدم عليها الدولة العبرية من جانب واحد، خشية تمددها إقليميًا.
وبالرغم من النظر بريبة للموقف الأميركي المعلن، يلاحظ مصدر ديبلوماسي، أن هذا الموقف لا يتناقض مع ما أبلغه هوكشتاين إلى المسؤولين اللبنانيين مؤخرا، وهو استمرار واشنطن التزام سياسية منع التصعيد بالمنطقة، ولكنه ربط الاستمرار به، بنقل تحذير واضح، وهو تجنب قيام حزب الله بتوسعة الحرب مع إسرائيل من جانب واحد، لمنع ردة الفعل الإسرائيلية عليها.
ويبقى أن كل المواقف والتصريحات الأميركية، والتهديدات والتحركات الجارية عسكريا، على نطاق واسع، برا وجوا وبحرا وعلى جانبي الحدود الجنوبية، إنما تقرب الحرب خطوات على لبنان، إذا بقيت نوايا المواجهة الجارية جنوبا، من الطرفين على حالها، ولم تنجح الديبلوماسية الأميركية التي أصبحت موضع التباس وشك في فاعليتها في منع حدوثها، بينما تبدو بقية الدول العربية والصديقة عاجزة عن وقف نشوبها حتى الساعة.
ختامًا أمام مشهد مصالح إيران من ناحية، ومصالح إسرائيل من ناحية أخرى، أين مصالح لبنان في خضمّ هذا الصراع المرير؟
وأين الدولة اللبنانية الفاقدة للقرار؟ ليس فقط قرار الحرب والسلم واستباحة الحدود الشرقية والجنوبية، بل أيضاً قرار معاداة الدول وتهديدها كما جرى أخيراً مع دولة قبرص.
وفي انتظار مصير التهديدات الإسرائيلية المتواصلة ضد لبنان، حربا أم سلما، يبقى موضوع انتخاب رئيس للجمهورية مجمدا، وأسير هيمنة سلاح حزب الله حتى إشعار آخر، إما بانتظار استغلال مجريات المواجهة وانتهاء حرب غزة، لفرض انتخاب رئيس للجمهورية من حلفائه، أو التوصل إلى اتفاق مع الأطراف السياسيين لانتخاب رئيس للجمهورية، يحظى بموافقة جميع الأطراف.
Visited 56 times, 1 visit(s) today