عشرون سنة على تصنيف قلعة “مازغان” تراثا عالميا
مبارك بيداقي
قررتْ جمعية “ذاكرة دكالة للحفاظ على التراث” في اجتماعها الأخير المنعقد يوم ثالث يوليوز 2024، الإعداد لتخليد الذكرى العشرين لتصنيف قلعة مازغان تراثا عالميا من طرف اليونسكو في شهر أكتوبر القادم. وطبعا فإن التفكير في تخليد هذه الذكرى يعتبر عملا محمودا لهذه الجمعية الفتية في ظل صمت مطبق من الجهات التي يهمها الأمر بشكل مباشر.
إن قلعة مازغان، بعد مرور عشرين سنة على تصنيفها كتراث إنساني لتقف اليوم متأسفة ومتحسرة على ما آلت إليه أحوالها من إهمال وتردي لأوضاعها وتآكل أسوارها وبناياتها رغم كونها عامرة بسكانها الذين ألفوها ولم يغادروها وهم يُمنون النفس أن يتم الالتفات إليها والعناية بها حتى تعود إلى سابق عهدها وحتى تكون في مستوى هذا التصنيف العالمي.
لقد عمل في السابق المهتمون بالموضوع والجمعيات المدنية الغيورة عليها من أجل إدراجها ضمن المعالم القليلة في العالم من صنف المآثر البرتغالية خارج دولة البرتغال والتي ما زالت محتفظة بكامل خصائصها المعمارية، لكن للأسف نلاحظ اليوم أن الجهات المعنية مباشرة بالعناية بها وصيانتها غاضة الطرف عنها وكأن الأمر لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد. بل الأدهى والأمر أنه حتى إصدار مجرد بلاغ صحفي للتذكير بخبر التصنيف وبالذكرى العشرين لم يصدر حتى الآن، فهل هو تناسي أم نسيان.
لقد قيض لي أن أتجول مؤخرا في هذه المعلمة التاريخية وصعدت إلى أسوارها إلا أنه صدمتني أوضاعها المزرية التي آلت إليها. فالقاذورات منتشرة في أكثر من مكان، والحيطان متآكلة، والأعشاب الطفيلية متسلقة هنا وهناك، والنفايات الصلبة والسائلة عند مدخلها تقزز الزائر، مما يدفع إلى التساؤل : أين المجلس البلدي ؟ أين المديرية الجهوية للثقافة ؟ أين مركز دراسات التراث المغربي-البرتغالي ؟ أين وزارة الثقافة ؟ وأين مرفق السياحة ؟.. ألا يعنيهم أمر القلعة..
ثم ما هو مآل المسقاة البرتغالية ؟ إذ يستمر إغلاقها منذ سنوات دون أن يعرف أهل الجديدة سبب ذلك، علما أن استمرار هذا الإغلاق سيؤدي (بل لقد أدى) بتجار قلعة مازغان إلى الإفلاس لأن أكثريتهم تتعامل مع السياح وهؤلاء يأتون خصيصا وبالدرجة الأولى من أجل المسقاة التي صور فيها الممثل العالمي أورسون ويلز فيلمه الشهير “عطيل”.
لقد قيل منذ 2020 بأن المسقاة تعاني من تضعضع في سقفها إضافة لتسرب بعض ماء المطر إلى الداخل وهو ما حدا بالمشرفين على المعلمة إلى اتخاذ قرار إغلاقها في فبراير 2021. ثم بعد ذلك علمنا بأن بعض الخبراء البرتغاليين تمت استشارتهم في شأن إصلاحها، لكن مرت الآن أربع سنوات وما زلنا لا نعرف أي شيء لا عن مستوى الضرر الحقيقي والفعلي، ولا عن مشروع الإصلاح ولا عن التاريخ المقرر لبدء الإصلاح.
***
أمام هذا الغياب غير المفهوم تحاول بعض الفعاليات الخيرة القيام بما تقدر عليه. فجمعية الحي البرتغالي تحاول تنظيم بعض الأنشطة حسب ما تستطيع، وقامت جمعية دكالة من جهتها بمجموعة من الفعاليات لصالح القلعة في إطار أسبوع البيئة الذي نظمته مؤخرا، كما أعلنت جمعية ذاكرة دكالة للحفاظ على التراث عن نيتها في تخليد الذكرى العشرين بما يليق بها، وهي تنتظر دعم الجهات الشريكة.
وعلى مستوى الدراسات والأبحاث ساهم المجتمع المدني في ملء الفراغ وتسليط الضوء على هذه المعلمة التراثية. فقد نظمت جمعية ذاكرة دكالة للحفاظ على التراث بشراكة مع مختبر الدراسات والأبحاث في البين-ثقافي التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية والمدرسة العليا للتربية والتكوين بالجديدة ندوة في موضوع “العلاقات البرتغالية-المغربية؛ أماكن الذاكرة التاريخية المشتركة بدكالة من خلال الأرشيف البرتغالي”، وذلك تخليدا لمرور 250 سنة على اتفاقية الصلح والمهادنة والعلاقات التجارية المبرمة سنة 1774، بين سيدي محمد بن عبد الله ملك المغرب ودون جوزي الأول ملك البرتغال.
ودائما على صعيد الدراسات نشر ذ. الجلالي ضريف، كاتب عام جمعية ذاكرة دكالة، عدة مقالات بالعربية والفرنسية عنيت بقلعة مازغان وحظيت بمتابعة القراء. ومثله قام ذ. عبد الواحد حفيظ بدراسة في العلاقات بين دكالة والبرتغال بين 1486 و1513، أي إبان احتلال قلعة مازغان. كما نشر ذ. المصطفى اجماهري بتعاون مع المازغاني كريستيان فوشير، في إطار سلسلة “دفاتر الجديدة”، كتيبا معززا بالصور تحت عنوان “مازغان، تراث عالمي للإنسانية”. وقد جاء هذا العمل الصادر بالفرنسية سنة 2012، كأول مطبوع (الوحيد حتى الآن في المكتبات) مخصص للتعريف بالقلعة البرتغالية للزوار والباحثين على السواء. وهي كلها مجهودات فردية وتطوعية تقوم بها فعاليات وشخصيات من المجتمع المدني حسب المستطاع.
ويبقى الأمل أن تسعى الجهات المعنية، طبقا لقرار التصنيف، إلى خلق “لجنة التدبير” المختصة في متابعة وتتبع وضعية قلعة مازغان، والتي كان من المفروض أن تؤسس بعد التصنيف إلا أن ذلك لم يتم حتى الآن وقد مرت عليه عشرون سنة بالتمام والكمال.